تخادم سياسي وتواجد عسكري وسجناء مقابل أموال مجمدة

تخادم سياسي وتواجد عسكري وسجناء مقابل أموال مجمدة

إياد العناز 

تتزامن التحركات العسكرية البحرية للقوات الأمريكية في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز مع النتائج الإيجابية التي توصلت إليها المباحات غير المباشرة بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني في العاصمة القطرية (الدوحة) والتي استمرت 16شهرا حول إطلاق سجناء أمريكان من أصول إيرانية محتجزين لدى إيران والتي انتهت بإعلان المسؤولين الإيرانيين يوم العاشر من اب 2023 عن نقل السجناء من سجن أيفين إلى منطقة محددة للإقامة الجبرية، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي انتوني بليكن (ان نقل السجناء خطوة إيجابية قد تفضي إلى عودتهم للولايات المتحدة الأمريكية).
تمت الصفقة عبر اتفاق غير مباشر وهي سياسية يرغب بها الرئيس جو بايدن ليبتعد عن أي اعتراض من قبل نواب الكونكرس ومنهم ديمقراطيون يرون أن أي اتفاق مع النظام الإيراني إنما يؤدي إلى تأهليه من الناحيتين السياسية والاقتصادية، ولهذا جاء تصريح المتحدثة بأسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أوريان واتسون (بأن البيت الأبيض تلقى تأكيداً بأن إيران أفرجت عن 5 أمريكان محتجزين ظلماً ووضعهم تحت الإقامة الإجبارية).
تأتي هذه الصفقة والتي يراها النظام الإيراني انها تمثل انتصاراً دبلوماسياً للرئيس ايراهيم رئيسي مطلقاً عليها عبارة (الدبلوماسية الشريفة) وهو ما يعني موافقة التيار المحافظ الداعم للرئيس الإيراني والسعي للفوز بالانتخابات التشريعية القادمة في أذار 2024 والهيمنة على كافة مقدرات الدولة والاستعداد لأي احتمال وارد لغياب المرشد الأعلى علي خامنئي، وسيحصل النظام الإيراني لقاء هذا الإتفاق على تحرير مبلغ 6 مليار دولار من أمواله المجمدة في كوريا الجنوبية والتي ستحول إلى حساب مصرفي في قطر لاستخدامها في شراء المواد الغذائية والمستلزمات الطبية وهي أمور غير خاضعة للعقوبات الأمريكية.
وبغية تخفيف نتائج الإتفاق مع النظام الإيراني على انه لا يمثل رأياً امريكياً واضحاً في دعم إيران ولمنح شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة حالة من الاطمئنان وتعزيز الدور العسكري والأمني الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي جاء اعلان الأسطول الخامس الأمريكي عن نشر 3000 ألاف جندي وعدد من القطع البحرية في المنطقة كجزء من خطة أمريكية لتخفيف التوترات الناجمة عن قيام إيران باحتجاز عد. من الناقلات البحرية خلال شهري نيسان وأيار 2023 ومصادرة بعض السفن وقيام قطعات من الجيش الإيراني بمناورة عسكرية للدفاع عن الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى تحت عنوان الاقدار في المياه الخليجية بتاريخ الخامس من اب حتى الخامس منه 2023 مستخدمة سفن مزودة بصواريخ مداها 600 كم.
ان الإجراء الأمريكي لا يمثل حالك من المواجهة المباشرة او التصعيد في المنطقة وإنما هو إجراء عسكري لزيادة عديد القوات الأمريكية في الخليج العربي ومضيق هرمز والتي تعتبرها واشنطن من المناطق الاستراتيجية في أهدافها كونها تمثل طريق التجارة الدولية ونقل الطاقة والمنتجات النفطية وخمس الانتاج العالمي، وهذا ما جاء في إشارة المتحدث باسم الأسطول الخامس تيم هوكنيز بقوله(إن عملية الانتشار تؤكد التزامنا القوي
والثابت بالأمن البحري الإقليمي والقوة القادمة تمثل قدرات تشغيلية كبيرة ونعمل مع شركاءنا لردع النشاط المزعزع للاستقرار).
إن كل ما تسعى اليه الإدارة الأمريكية وهي تقترب من موعد الانتخابات الرئاسية القادمة تخفيف التصعيد في منطقة الخليج العربي واي احتمال لإستهداف حركة الملاحة فيه وتأكيد حضورها ومساعيها لإيجاد مستلزمات الدفاع عن نفسها وإثبات وجودها عندما ارسلت في تموز هذا العام طائرات إف 35 وإف 16 وسفينة بحرية إلى منطقة الشرق الأوسط لتعزيز نفوذها في مضيق هرمز، وترى ان نجاحها في إطلاق سراح السجناء الامريكان انها تحقق لها حضوراً سياسياً يخدم الرئيس بايدن الساعي لدورة رئاسية اخرى واي اتفاق قادم بخصوص البرنامج النووي الإيراني وعودة المفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا سيساهم في خفض التوتر ويفضي إلى مزيد من الجهود المبذولة للرد على اي مخاوف تتعلق بالنشاط النووي الإيراني، وفي المقابل فإن النظام الإيراني استقبل الرسائل الأمريكية بدقة وتعامل معها حسب مصالحه وأهدافه في معالجة تأثير العقوبات الاقتصادية عنه ومحاولة البحث عن وسائل تساعده في حل الأزمات والمشاكل الاجتماعية التي أدت إلى الاحتجاجات الشعبية وأنه يرغب في إعادة الحوار حول برنامجه النووي ولكنه بالمقابل لا يرغب باعطاء كل شئ فلا زال ينظر ويرى ان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد تأتي برئيس اخر وتعاد سلسلة الخلافات من جديد، ويدعي النظام الإيراني أنه أوقف بدرجة كبيرة وتيرة مخزون اليورانيوم المخصب بدرجة كبيرة قريبة من نسبة 60٪ والتجاوب مع الوساطات العربية الأوربية.
تبقى الأحداث القادمة في المنطقة كفيلة بمعرفة مديات التخادم السياسي بين واشنطن وطهران بعد تراجع العمليات التعرضية للفصائل المسلحة المدعومة من إيران والتي تستهدف القواعد والمقررات والأليات الأمريكية في العراق وسوريا، وهل ستشهد العلاقة بين الطرفين اتفاقيات أكبر وأكثر أهمية مع إقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وهل سيؤكد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية نهاية شهر أب 2023 ماذهب اليه المسؤولين الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي؟؟ بعد الخبر الذي اطلقته وكالة فارس الإيرانية في الثاني عشر من هذا الشهر بأن الأنشطة النووية الإيرانية مستمرة دون انقطاع في جميع المجالات وفق الخطط السابقة لمنظمة الطاقة الدولية.
هذا ما سنراه في الأيام القادمة.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية