يعقد الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الجمعة، قمة غير مسبوقة مع رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في منتجع كامب ديفيد. القمم في هذا المكان الذي لم تجرِ استضافة قيادات أجنبية فيه منذ 2015، مخصصة عادة لملفات أو صفقات كبيرة، ويبدو أن هذه القمة ينطبق عليها هذا التصنيف.
سياقها، وظروفها، والتلميحات التي وردت في تقديمها من جانب البيت الأبيض ووزارة الخارجية، تضعها في خانة الحدث التأسيسي لإقامة تحالف ثلاثي، بدلاً من التحالف الثنائي المستمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة وكلّ من الدولتين على حدة. لكن رواسب الاحتلال الياباني لكوريا منذ 1910 ولغاية 1945، حالت دون التقارب التحالفي بينهما، على الرغم من خصومتهما المشتركة للصين وكوريا الشمالية.
ردم هذه الهوّة بين أقرب حليفين آسيويين لواشنطن بدأ في أواخر ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من خلال لقاءات ثلاثية على مستوى الصفين الثاني والثالث، شارك فيها نائب الرئيس آنذاك جو بايدن ومعاونه الأول أنتوني بلينكن في ذلك الوقت. وتكررت الجولات لمرات عدة، بحسب بلينكن، وكان الغرض منها إذابة الجليد بين الجارين، كمقدمة لترجمة طرح أوباما حينذاك “بضرورة تحوّل أميركا نحو الشرق الأقصى، بدلاً من الشرق الأوسط”.
منذ ذلك الوقت، والهاجس الصيني يشغل بايدن الذي انزلق في النصف الأول من رئاسته إلى لغة التصعيد مع بكين، ليستدير في الأشهر الأخيرة باتجاه ترطيب الأجواء مع العملاق الآسيوي، حيث توالت الزيارات الرسمية إلى بكين، خصوصاً زيارتي وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والمالية جانيت يلين، وهو ما أدى إلى شيء من خفض التوتر بين الجانبين. الوزير بلينكن أكد خيار التواصل مع الصين، “لكن علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان سينتج عنه تعاون أم لا”، كما قال في حديث له يوم الاثنين الماضي.
على هذه الخلفية تأتي قمة كامب ديفيد. الإدارة، رغم تبريد خطابها الصيني، ما زال تركيزها على بكين كأولوية، ولو بمقاربة مختلفة. بلينكن أوضح أن الأمن هو “جوهر” هذه القمة، التي ستتناول التنسيق في قضايا أخرى، اقتصادية، وصحية، والعلاقات الثنائية، من ضمن “أجندة طموحة”، لكن الأمن يبقى محوره وسط “وضع جيوسياسي عالمي” معروف، وهو ما سيدفع القمة “نحو المزيد من مأسسة التعاون” كما قال، أي وضعها في إطار تتحدد بموجبه المسؤوليات والالتزامات، وبما يحوّل التحالف إلى كتلة دفاعية في المحيط الآسيوي القريب، والذي تعتبر هذه الأطراف الثلاثة أنه مهدَّد “بالخطر الصيني والكوري الشمالي”، وخصوصاً أن بيونغ يانغ تزايدت تلويحاتها الصاروخية في الفترة الأخيرة.
وازداد التصويب على كوريا الشمالية بعد حضور مسؤولين كبار صينيين وروس، من بينهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أواخر يوليو/ تموز الماضي، إلى بيونغ يانغ، للمشاركة بذكرى نهاية الحرب الكورية. تجمّع غير اعتيادي في لحظة يسودها التوتر، أثار تساؤلات عما إذا كان يؤشر إلى بداية تعزيز التحالف بين المثلث الصيني الروسي الكوري الشمالي، وكان من شأنه أنه ساهم في تبرير عقد القمة لإقامة المثلث المقابل، الذي تعتبر الادارة أن طرفيه الياباني والكوري الجنوبي يشكلان “الركيزة الآسيوية بالنسبة لنا”، على حدّ تعبير بلينكن في حديثه مع المعلق ديفيد إغناتيوس في “واشنطن بوست” هذا الأسبوع.
وتأتي القمة لتوفر للركيزة “الأساس لقوة الردع النووي الأميركي ضد التهديد الصيني أو الكوري الشمالي”، حسب استنتاج إغناتيوس من كلامه مع الوزير بلينكن، وفي ذلك مؤشر إلى توجه أميركي ياباني كوري جنوبي نحو حلف بضمانات استراتيجية، يشكل الاعتداء على أحد اطرافه اعتداءً على الباقين، بما يجعله أقرب إلى مشروع “ناتو” آسيوي قيد البناء.
القمة تطوّر نوعي يحظى بترحيب أوساط أميركية كثيرة، لا تقتصر على الصقور المناوئين للصين، فضلاً عن أنه يوفر لواشنطن المشاركة اليابانية والكورية الجنوبية في تحمّل أعباء التصدي للصين وكوريا الشمالية.