الولايات المتحدة تتحدى الصين بتحالفات ناتو آسيوي؟

الولايات المتحدة تتحدى الصين بتحالفات ناتو آسيوي؟

تكرر وتؤكد وثيقة الأمن الوطني الأمريكي التي تصدرها الإدارات الأمريكية سنوياً، وآخرها في أكتوبر الماضي: «تشكل كل من الصين وروسيا أكبر تحديين للولايات المتحدة الأمريكية وأمنها الوطني ومصالحها. وتؤكد الاستراتيجية أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تهدد الهيمنة والدور الأمريكي على المدى البعيد، وتشكل التحدي الأكبر والحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية. لذلك على الولايات المتحدة تطوير قدرات قواتها المسلحة وقدرتها التنافسية والابتكار والديمقراطية، والعمل مع الحلفاء والشركاء لمواجهة الصين والدفاع عن مصالحها وتحقيق رؤية المستقبل.
تؤكد استراتيجية الأمن الوطني الأمريكي السعي لمنع تطور التحالف الصيني ـ الروسي لتحالف استراتيجي، وتسريع تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب. خاصة بعد حرب روسيا على أوكرانيا. تؤكد الاستراتيجية «تشكل روسيا تهديدا فورياً وتنتهك القوانين الأساسية للنظام الدولي. وهذا ما تقوم به روسيا في حربها العدوانية ضد أوكرانيا».
سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على التحذير أن الدولة الوحيدة التي تملك القدرات والإمكانيات والتصميم والاقتصاد والتكنولوجيا على تحدي وإنهاء هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي منذ خمسينيات القرن الماضي، هي الصين. وهذا ما تحذر منه وتكرره أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن الصين المهدد الأول، بما تملكه من قدرات عسكرية واقتصادية وتجارية وصناعية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجي، وحتى المنافسة في الفضاء الخارجي، وكذلك مشروع الصين العملاق الحزام والطريق الواحد وطريق الحرير الذي يمتد ليشمل قارات العالم بتريليونات الدولارات.
لذلك وضعت الاستراتيجيات الأمنية والدفاعية الأمريكية أولوية رئيسية لمواجهة واحتواء وعرقلة خطة الصين للوصول لمرحلة إزاحة الولايات المتحدة من صدارة النظام العالمي.
ولتحقيق ذلك سعت الولايات المتحدة لتشكيل وقيادة تحالفات تحاصر بها الصين وتحد من تمددها وحضورها في مناطق نفوذها في بحر الصين الجنوبي والشرقي وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة القلقين من تمدد وبناء جزر وقواعد عسكرية لترهيب حلفاء واشنطن وخاصة كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا والفلبين ـ بزيادة عدد القواعد العسكرية لـ120 قاعدة عسكرية أمريكية في اليابان و53 ألف عسكري من مختلف القطاعات العسكرية، و73 قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية و26 ألف عسكري أمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تؤكد وثيقة الأمن الوطني الأمريكي التي تصدرها الإدارات الأمريكية سنوياً أن الصين وروسيا تشكلان أكبر تحديين للولايات المتحدة الأمريكية وأمنها الوطني ومصالحها

كما نشطت أمريكا منذ إعلان الرئيس أوباما قبل عقد من الزمن «الاستدارة إلى آسيا لاحتواء الصين» ولأن مركز الثقل العالمي انتقل من ضفتي الأطلسي خلال الخمسمائة عام الماضية إلى ما تعرّفه الاستراتيجية الأمريكية منطقة المحيطين الهندي والهادئ. بعيداً عن حروب والتزامات أمريكا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي وحروبها الدائمة والمستنزفة. وبعد ثورة النفط الأحفوري-الصخري حتى أصبحت الولايات المتحدة الدولة الأولى المنتجة للنفط في العالم ب12.5 مليون برميل نفط يومياً، لذلك تراجعت أهمية وأولوية الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية
شكلت الولايات المتحدة سلسلة تحالفات لمواجهة الصين: QUAD ـ مبادرة يابانية عام 2007 ـ لتحالف استراتيجي ـ أمني رباعي يضم الولايات المتحدة، أستراليا، اليابان، والهند ـ يهدف لضمان أمن واستقرار وازدهار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية للمارينز في أستراليا.
تحالف ـ أكوس ـ يضم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا: تشكل في سبتمبر 2021 ـ تحالف أمني ـ دفاعي وعسكري للدول الأنكلوسكسونية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لدعم وتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية بعد إلغاء أستراليا صفقات غواصات فرنسية ما أغضب فرنسا. ويهدف التحالف لاحتواء الصين والتعاون الأمني وفي مجال الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي بين الدول الثلاث. اتهمت الصين الدول الثلاث بتشكيل تحالف يعيد عقلية الحرب الباردة.
واليوم يتعمق تحالف جديد بالقمة التاريخية والأولى التي عقدت الجمعة الماضي بمشاركة الرئيس جو بايدن ورئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء اليابان في كامب ديفيد برمزيته باتفاق السلام بين مصر وإسرائيل!
شكلت القمة ترسيخ الشراكة والتحالف الثلاثي الذي يجمع الدول في أكثر من تحالف ـ وأكدت مخرجات القمة الثلاثية توثيق العلاقات الأمنية والدفاعية. وصف الرئيس بايدن القمة بالحقبة الجديدة والحدث التاريخي. بتعميق التعاون والتنسيق الأمني والدفاعي لمواجهة التهديدات لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بعقد مؤتمر سنوي للدول الثلاث، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة سنوياً، وإطلاق خط ساخن يربط قادة الدول الثلاث للتواصل في أوقات الأزمات والطوارئ، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وتقريب وجهات النظر لحل خلافات كوريا الجنوبية واليابان للإرث التاريخي الاستعماري الياباني لكوريا الجنوبية قبل الحرب العالمية الثانية.
واضح برغم تأكيد وتكرير الرئيس بايدن ومستشاره للأمن الوطني قمة كامب ديفيد ليست عن الصين أو تستهدف الصين ـ خاصة وأن الدول الثلاث ترتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية تجعل الصين الشريك التجاري الأول، لكن كما يقول المثل الأمريكي «الصين كانت الفيل في الغرفة»!
واضح كان هدف القمة مواجهة الصين وكوريا الشمالية بالدرجة الأولى. برز ذلك بإدانة البيان الختامي للقمة الأعمال الخطرة والعدائية للصين في بحر الصين الجنوبي. وعبرت الصين وكوريا الشمالية عن استيائهما من القمة والتحالف الثلاثي بأنه استفزاز وتصعيد يستوجب مواجهته. وهدف القمة التآمر على الصين. وعبّرت صحيفة Global Times الرسمية عن موقف الصين ـ «هدف القمة تشكيل ناتو آسيوي».
وانتقد الناطق باسم الخارجية الصينية القمة الثلاثية ـ بتأكيده: «لا يحق لأي دولة (أمريكا) السعي لتحقيق أمنها على حساب السلام والاستقرار». ردت الصين بتسيير دوريات تستفز تايوان!
وغير مستبعد أن ترد كوريا الشمالية بالتصعيد. وكانت استضافت وزير الدفاع الروسي ووفدا رفيعا من وزارة الدفاع الروسية مؤخراً، ولا يستبعد أن تطلق صاروخا باليستيا كرسالة احتجاج.
لكن يجب تأكيد، برغم جميع تلك التحالفات والشراكات، وضم أمريكا اليابان وكوريا الجنوبية لمظلتها النووية-وتعهدها بالدفاع عنهما ـ ومنحهما صفة «حليف رئيسي من خارج حلف الناتو» إلا أن أمريكا لم ولن تقدم تعهدا ملزما ـ «بأن أي اعتداء على اليابان وكوريا الجنوبية هو إعتداء على الولايات المتحدة»! كما الالتزام مع أعضاء حلف الناتو!

القدس العربي