ينضم مستشار لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى مسؤولة في وزارة التجارة الأمريكية وخبير معني بالشؤون التنظيمية في الشرق الأوسط لمناقشة كيف بإمكان الشركات الأمريكية توسيع وصولها إلى الأسواق المربحة بل غير المستغلة إلى حد كبير في العراق.
“في 14 آب/أغسطس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع ميس عباس العبوسي وصفوان الأمين وعامر العضاض. والعبوسي هي محامية أقدم في “برنامج تطوير القانون التجاري” في “مكتب المستشار العام” بوزارة التجارة الأمريكية. والأمين هو محامٍ دولي ومستشار للسياسة العامة يقدم الاستشارات للشركات والحكومات الإقليمية بشأن المسائل التشريعية والتنظيمية. والعضاض هو خبير اقتصادي أمريكي عراقي يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التنفيذي لـ “خلية إدارة الإصلاح” الحكومية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
ميس عباس العبوسي
عندما تنظر الشركات الأمريكية إلى العراق، ترى بلداً غير مستقر في مرحلة ما بعد الصراع لا تتاح فيه سوى فرص قليلة خارج إطار العقود الأمنية وقطاع النفط/الغاز. وقد حجب هذا التصور انتباهها عن التغييرات الصغيرة بل المؤثرة التي تقوم بها بغداد لتحرير الاقتصاد بصورة أكثر، مثل التصديق على “اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية” المعروفة أيضاً باسم “اتفاقية نيويورك” و”اتفاقية النقل البري الدولي” [اتفاقية النقل الدولي للبضائع تحت غطاء بطاقات النقل الروتينية الدولية]. وبذلك يُظهر العراق للعالم أنه منفتح على الأعمال.
كما أشارت الشركات الأمريكية إلى الفساد المستشري باعتباره رادعاً أيضاً. ولكن العديد منها على استعداد للقيام بأعمال تجارية مع مصر، وهي بيئة تولّد مخاوف مماثلة على تلك الجبهة. على سبيل المثال، احتل العراق المرتبة 157 في “مؤشر مدركات الفساد” لعام 2022، لكن مصر لم تسبقه بكثير بحيث احتلت المرتبة 130، وهو فارق ضئيل. وتخاطر الشركات الأمريكية بفقدان موطئ قدم لها في السوق العراقية إذا لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لتغيير تصوراتها بشأن بيئة الأعمال المحلية.
وعلى الرغم من هذا التحفظ بين الشركات الفردية، تشهد التجارة العامة بين الولايات المتحدة والعراق نمواً، وهو ما يُعد علامة جيدة على زيادة الثقة. وإذا استمر هذا النمو، فقد يؤدي إلى تحسين التعاون والمشاركة الثنائية ويفتح الباب أمام التصنيع والتوزيع والبنية التحتية. ويزداد الاستثمار أيضاً – فلدى “مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية” مشاريع حالية في شمال العراق ووقعت مذكرة تفاهم في عام 2020 لاستثمار ما يصل إلى مليار دولار في البلاد.
وتشير هذه التغييرات المتزايدة إلى عراق مختلف ولا ينبغي تجاهلها. وتُفوت الشركات الأمريكية فرصاً للمساهمة في بناء الاقتصاد العراقي.
صفوان الأمين
جعلت التغييرات الأخيرة في القانون العراقي شروط الاستثمار الأجنبي المباشر غير مرغوب فيها في أحسن الأحوال، وغير ودية في أسوأ الأحوال. على سبيل المثال، يحدد “قانون الشركات” حالياً الملكية الأجنبية “للشركات ذات المسؤولية المحدودة” والشركات المساهمة العراقية بنسبة 49 في المائة، بينما يفرض “قانون تنظيم الوكالات التجارية” تعيين وكيل عراقي إذا أرادت شركة معينة استيراد البضائع إلى البلاد.
كما أن عزيمة الشركات الأمريكية مثبطة بفعل التصور السائد لديها بأن سيادة القانون في العراق ضعيفة فيما يتعلق بالمعاملات التجارية. وتقلق هذه الشركات على وجه التحديد من اللوائح الحكومية غير الواضحة، وقدرة الحكومة المشكوك فيها على إنفاذ العقود، وميلها إلى تغيير القوانين في أي لحظة وتطبيقها عشوائياً. وعلى الرغم من ميل المحاكم إلى إصدار أحكام ضد الحكومة في القضايا المتعلقة بالعقود الملغاة، إلّا أن التصور العام هو أن العراق يفتقر لسيادة القانون.
ويتم ردع الشركات أيضاً من خلال الأنظمة الأمريكية مثل “قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة” (FCPA)، الذي يفرض تكاليف أعلى على الشركات الأمريكية. وغالباً ما يكون احتمال إجراء تحقيق داخلي مكلف واتخاذ إجراءات من قبل وزارة العدل الأمريكية كافياً لمنع الشركات الأمريكية من التفكير بالاستثمار في العراق. ولكن واشنطن لن تُدخِل (عن حق) استثناءات على “قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة” للشركات الساعية إلى القيام بأعمال تجارية في العراق.
وفي المقابل، يشهد الاقتصاد العراقي مشاركة أكبر بكثير من دول الخليج العربي، حيث تقدم الحكومات دعماً مباشراً للشركات التي تسعى إلى القيام بمثل هذه الأعمال وليس لديها قيود مماثلة لـ “قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة”. وهناك مزايا خليجية أخرى تعزز هذا النمو، من بينها معاهدات جامعة الدول العربية التي تحمي الاستثمارات، والدراية الأكبر بثقافة الأعمال في العراق، وغياب الحواجز اللغوية، والعلاقات التاريخية الأوسع نطاقاً، وسهولة النقل بسبب قرب دول الخليج من العراق.
وفي النهاية، تُعد القدرة على التمييز العامل الرئيسي الذي يمنع الشركات الأمريكية من ممارسة الأعمال التجارية في العراق. فالتصديق على “اتفاقية نيويورك” كان تطوراً إيجابياً، لكن واقع الأمر هو أن بغداد اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة من أجل الحصول على لقاح “كوفيد-19″، الأمر الذي ينعكس سلباً على موقف الحكومة تجاه الاتفاقيات الدولية. ولإقناع الولايات المتحدة بزيادة استثماراتها، ستحتاج بيئة الأعمال في العراق إلى صورة جديدة.
عامر العضاض
بعد مرور عشرين عاماً على حرب 2003، تُطبق الحكومة العراقية قوانين وأنظمة لجعل الاقتصاد منفتحاً. فقد وضع رئيس الوزراء السوداني نصب أعينه هدف بناء عراق أكثر ازدهاراً، ويتخذ خطوات لتحرير الاقتصاد بصورة أكثر، وتعزيز بيئة الأعمال الإيجابية، واجتثاث الفساد الذي يخلق حواجز أمام دخول الشركات الأجنبية والاستثمار الأجنبي.
وتحقيقاً لهذه الغاية، شرع في تغيير القوانين الحالية التي أدت إلى انغلاق الاقتصاد. ومن بين مقترحاته إجراء يعيد السماح للأجانب بامتلاك حصة أغلبية من الأعمال التجارية في العراق. بالإضافة إلى ذلك، يعمل على قانون شراكة بين القطاعين العام والخاص من شأنه حماية العقود من التغيير من خلال ضمان تطبيق الأنظمة المعمول بها بصورة دائمة عند توقيع العقود على أي حالات ذات صلة. كما تعمل الحكومة على تحفيز الاستثمار في القطاع الصناعي بشكل كبير، حيث يستفيد المستثمرون مما يصل إلى عشر سنوات من المزايا مثل الإعفاء الضريبي، وتقليل القيود، والحق في امتلاك الأرض المعنية (التي يقع عليها المصنع).
وفي الوقت نفسه، يقوم رئيس الوزراء السوداني بتحديث الحكومة بشكل منهجي. على سبيل المثال، قام بتعيين مسؤول تنفيذي أمريكي عراقي من الإدارة العليا لشركة “مايكروسوفت” لبناء الأسس اللازمة للحوكمة الإلكترونية. ومنذ ذلك التعيين، أصبحت الشكاوى المقدمة من خلال “هيئة النزاهة” إلكترونية بالكامل. ولا تُعتبر هذه التغييرات سريعة بأي حال من الأحوال، لكنها ذات دلالة.
وفيما يتعلق بالفساد، قام رئيس الوزراء مؤخراً بإعفاء حوالي ستين مديراً عاماً (والعد مستمر) من مسؤولياتهم على خلفية مشاكل في أدائهم قد تكون مرتبطة أو غير مرتبطة بالفساد. ولا يمكن التقليل من أهمية هذه الخطوة بما أن هؤلاء المسؤولين يعملون بصفة تنفيذية ولديهم صلاحيات واسعة في التعاملات التجارية. ويجب أن تستنتج الشركات الأمريكية من رغبة الحكومة في التحقيق مع هؤلاء المسؤولين بشكل منهجي أن العراق جاد في استئصال الفساد.
ومع ذلك، فإن تحول الاقتصاد العراقي وتحديثه سيستغرق وقتاً. وتعود هذه العملية في النهاية إلى مجلس النواب، إلا أن المستقبل يبدو مشرقاً. وتشير الخطوات التي تتخذها الحكومة الحالية إلى أن العراق مستعد لاتخاذ خطوة أخرى للانخراط في الاقتصاد العالمي.
معهد واشنطن