الخليل ـ بعد نحو عام ساخن وملتهب شمالي الضفة الغربية، شهدت مدينة الخليل جنوبي الضفة اليوم عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل مستوطنة إسرائيلية وإصابة مستوطن آخر بجراح.
ومنذ مطلع العام لم يُقتل إسرائيليون في عمليات فلسطينية جنوبي الضفة، وإن وقعت عمليات إطلاق نار متفرقة، وزعم الاحتلال وقوع محاولات دعس أو طعن، واعتقل فلسطينيين بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات.
وتطرح عملية اليوم، تساؤلات عن دلالات اتساع رقعة العمليات ومدى التكامل بين المحافظات الفلسطينية في العمل المقاوم، وفيما إذا كانت العمليات ذات بعد تنظيمي يتولى توزيع الأدوار.
وتعد عملية محمد الجعبري في مستوطنة كريات أربع يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أبرز عمليات الخليل في العام الأخير، في حين اتهمت سلطات الاحتلال، فلسطينيين من المدينة بتنفيذ عملية شرقي بيت لحم في 16 يوليو/تموز الماضي.
استعداد للانخراط
ووفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي فإن العملية تعكس “وجود استعداد لدى جزء من أبناء مختلف المناطق في الضفة الغربية للانخراط في أعمال نضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي”.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن مقدار نجاح هذه الفئات في تنفيذ العمليات مرتبط بالمقدرات والظروف الأمنية لكل منطقة، مشيرا إلى “حالة تفاوت في الإمكانيات والقدرات وخصائص كل مكان في الضفة بحيث لا يمكن المقارنة بين ظرف جنين ونابلس من جهة وظرف الخليل من جهة ثانية”.
ويرى المحلل الفلسطيني في عملية الخليل واتساع نطاق العمليات المسلحة ليشمل مختلف محافظات الضفة في غضون عام جملة رسائل بينها أن “كل المناطق لديها الاستعداد، لكن أن تصل الخليل، فهذا يعني تجاوز كل العقبات التي وضعت أمامها من سياسيات اقتصادية وأمنية”.
ويضيف الشوبكي أن كثافة النشاط النضالي الفلسطيني شمالي الضفة “أدت إلى تغذية الحالة النضالية وعملية تحفيز نفسي في مناطق أخرى”، مشيرا إلى البعد النفسي في حالة المنافسة بين المناطق الفلسطينية ومَن التي ستسبق الأخرى في النضال”.
غياب البديل
من جهة أخرى، يقول الشوبكي إن اتساع رقعة المقاومة يأتي في ظل غياب خطاب بديل ومنافس للخطاب النضالي المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن ارتباطها بتصاعد اقتحامات وجرائم جيش الاحتلال وإطلاق يد المستوطنين “كل هذا يحفز الفلسطينيين ليكون لديهم ردة فعل على تلك الاعتداءات”.
وفيما إذا كان لِعمليات الضفة بعدٌ تنظيمي يسعى لإحداث تكامل بين المحافظات في العمل المقاوم، لا يرى أستاذ العلوم السياسية “ما يكفي من المؤشرات للقول إن هناك سلسلة تنظيمية تعمل في الضفة”، معتبرا أن غياب السلسلة التنظيمية “نقطة القوة في العمليات حيث لا وجود للنمطية ولا سلسلة تنظيمية يمكن تتبعها”.
اهتزاز وفشل
من جهة ثانية، يلفت الشوبكي إلى أن الأمن الإسرائيلي يقوم على 3 نقاط: الردع والتحذير والحسم، وجميعها أثبتت فشلها.
وأضاف: “الاحتلال الإسرائيلي فقد الردع منذ مدة طويلة حيث استمرت العمليات، ولم نعد نسمع عن تحذيرات كما في السابق بل نشهد الآن ردود فعل ينتابها الارتباك “ليس من الطبيعي أن يستنفر جيش بأكمله لإغلاق مداخل القرى والمدن، وإعاقة حركة المواطنين، هذا ليس سلوكا أمينا، بل سلوك مرتبك يعكس غياب بُعد التحذير”.
أما عن بُعد “الحسم” فيقول إنه يتطلب عمليات واسعة النطاق، وهذا خيار ترفضه الجهات الرسمية والعسكرية في إسرائيل لعدة اعتبارات بينها إمكانية المساس بالبنية المؤسساتية الفلسطينية “التي لا يبدو أن إسرائيل معنية بإنهائها”.
تكامل المشهد
من جهته يربط الكاتب المتابع للشأن الإسرائيلي هاني أبو السباع بين ما جرى في الخليل و”الأوضاع الأمنية المتدهورة في عموم الضفة”، مضيفا أن عملية الخليل شكلت تطورا مهما كونها أكبر عملية تنفذ في منطقة جنوب الضفة الغربية منذ اندلاع الأحداث المسلحة خاصة مطلع العام الحالي.
وأضاف أن عملية الخليل “شكلت ضربة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لعدة أسباب، منها أنها وقعت في منطقة خاضعة لها وقريبة جدا من مركز قيادة الجيش في الخليل ومربع أمني معروف”.
وتابع أن العملية أيضا “نفذت في ظل انتشار أمني مكثف، أي في ذروة الاستنفار، وفي المدينة الوحيدة التي يتواجد بداخلها مستوطنون وتفشل المؤسسة الإسرائيلية في حمايتهم”.
ويرى أبو السباع أن “العملية تعكس تكامل المشهد المقاوم في الضفة، ودخول الخليل يعني أن الثمن الذي سيدفعه الاحتلال سيكون باهظا”، موضحا أن الاحتلال “أيقن أن الهدوء السابق في المدينة كان خداعا، وكل عمل مقاوم سيربك حسابات العدو أكثر”.
وتشهد الضفة الغربية تصعيدا إسرائيليا أسفر منذ مطلع العام عن استشهاد 187 فلسطينيا، بينهم 69 في مدينة جنين و52 بمدينة نابلس، وفق معطيات “مرصد شيرين” الذي أنشأه ويديره إعلاميون فلسطينيون ويرصد الانتهاكات الإسرائيلية.
كما شهد شمال الضفة سلسلة عمليات فلسطينية أدت إلى مقتل عدة إسرائيليين تركزت في محيطة مدينة نابلس، آخرها عملية السبت التي أدت إلى مقتل إسرائيليين، قرب بلدة حوارة جنوبي نابلس.
ووفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، قتل 23 إسرائيليا في عمليات فلسطينية منذ مطلع العام.
المصدر : الجزيرة