الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية:

الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية:

في خضم المحادثات النووية التي أعيد إحياؤها مع الولايات المتحدة، أطلقت إيران أخيراً “صاروخها «الفتاح» الذي تفوق سرعته سرعة الصوت” – وذلك مباشرة بعد إطلاقها التجريبي لصاروخ باليستي متوسط المدى، مُحسّن وذو حمولة كبيرة – في محاولة واضحة لإثبات قدرة الردع العسكرية التقليدية التي تتمتع بها.

دفي 25 أيار/مايو 2023، كشف وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا قرايي آشتياني، عما يعرف بالجيل الرابع من صاروخ “خرمشهر” الباليستي الذي يعمل بالوقود السائل، والمعروف أيضاً باسم “خيبر”، وسط توترات متصاعدة مع إسرائيل والغرب فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي وتجدد الحديث عن ضربات استباقية ضد المواقع النووية الإيرانية الرئيسية. وألقى آشتياني كلمته في مجمع “منظمة الصناعات الجوفضائية” في منطقة حكيمية شرق طهران، وظهر في الخلفية الصاروخ الجديد ومجسم كبير لقبة الصخرة في القدس.

وتأتي تسمية “خيبر” من واحة محصنة في شمال المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، سكنتها قبائل يهودية قبل العصر الإسلامي. وفي عام 628 م، هُزم اليهود هناك على يد الجيش الإسلامي بقيادة علي بن أبي طالب، الذي أصبح شخصية أسطورية في الإسلام الشيعي. لذا، فإن الرسالة الضمنية الموجهة إلى إسرائيل من خلال الإعلان عن خيبر تبدو واضحة.

يُعد صاروخ “خرمشهر” الصاروخ الباليستي الذي يعمل بالوقود السائل الأكثر تطوراً في إيران، وهو ربما أول صاروخ يستخدم وقوداً سائلاً قابلاً للتخزين، وتم تقديم النسخة الأولى منه خلال عرض عسكري في 22 أيلول/سبتمبر عام 2017. ويُعتقد أن الصاروخ يملك قواسم مشتركة كثيرة من الناحية التقنية مع صاروخ “هواسونغ-10” الكوري الشمالي، الذي تم تصنيعه بناء على مواصفات الصاروخ الباليستي الروسي منتهي الصلاحية “آر-27” الذي يُطلق من الغواصات. وحصلت إيران، وفقاً لبعض التقديرات، على الكثير من صواريخ “هواسونغ-10” من كوريا الشمالية في عام 2005 لأغراض الهندسة العكسية. ويُعد “خرمشهر” أيضاً أول تخلي لإيران عن صواريخ “سكود” الروسية وأنظمة الدفع المتدرجة للصواريخ من جيل “سكود”.

الخلفية التاريخية والميزات التقنية لصاروخ “خرمشهر”

أشارت التقارير بين عامَي 2016 و2018 إلى أن إيران كانت تجري تجارب إطلاق لصاروخ “خرمشهر”، وأثار الصاروخ على الفور مخاوف دولية نظراً لتصميمه ونظام دفعه الجديدين وإمكانياته الكبيرة فيما يتعلق بالمدى والحمولة.

يتكون نظام الدفع “أروند”، الذي سُمي تيمناً بالنهر الذي يفصل بين إيران والعراق جنوباً، من محرك رئيسي ومحركين أصغر حجماً للتحكم في الدفع الموجَّه، ويُقال إنه يشتمل على دفع تلقائي الاشتعال، ما يعني أنه يستخدم وقوداً قابلاً للتخزين ومؤكسدات تشتعل تلقائياً عند احتكاكهما ببعضها البعض، دون الحاجة إلى نظام اشتعال معقد وعرضة للفشل.

وعلى الرغم من أن إيران لم تنشر تفاصيل إضافية حول مزيج الوقود/المؤكسد، إلا أن أكثر المؤكسدات شيوعاً هو رباعي أكسيد ثنائي النتروجين (N2O4)، وأكثر أنواع الوقود شيوعاً هو ثنائي ميثيل الهيدرازين غير المتماثل (UDMH)، أو مونوميثيل الهيدرازين (MMH)، أو الهيدرازين، أو خليط من الهيدرازين وثنائي ميثيل الهيدرازين غير المتماثل. ويستخدم صاروخ “هواسونغ-10” الكوري الشمالي مزيجاً تلقائي الاشتعال من ثنائي ميثيل الهيدرازين غير المتماثل كوقود وإما رباعي أكسيد ثنائي النتروجين أو حمض النيتريك المدخن الأحمر (RFNA) كمؤكسد لمدى يصل بأقصى حد إلى 4000 كيلومتر، وفقاً للتقديرات، لكل من الرؤوس الحربية التقليدية والنووية. ويمكن إدماج نظام “أروند” في صاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM) مستقبلي يستخدم على الأرجح تصميماً من مرحلتين، مع محركين يشغّلان المرحلة الأولى.

ومن المزايا الإضافية للوقود والمؤكسدات التلقائية الاشتعال هي أنها بسيطة، على الرغم من كونها سامة للغاية، وأكثر كثافة وبالتالي قابلة للتخزين في خزانات أصغر حجماً، وتنتج اندفاعاً نوعياً أكبر (طاقة دفع). والأهم من ذلك، أنها تبقى مستقرة لسنوات في درجة حرارة الجو المحيط عند تخزينها في خزانات الوقود والمؤكسدات الخاصة بالصاروخ، المصنوعة من مواد خاصة مقاومة للتآكل. وهذا يجعل من غير الضروري تزويد الصواريخ بالوقود قبل الإطلاق، ويحد بشكل كبير من وقت التحضير إلى نحو خمسة عشر دقيقة وفقاً لبعض التقارير (في المقابل، يستغرق صاروخ “سكود” من الفئة “ب” النموذجي المزود بوقود ومؤكسد غير قابلَين للاشتعال تلقائياً نحو ستين إلى تسعين دقيقة لإنهاء سلسلة الإطلاق). ويقال بأن فترة تخزين الوقود في خزان صاروخ “خرمشهر 4” هي ثلاث سنوات، ويتعيّن بعد هذه المدة إفراغ الوقود من الصواريخ وغسل خزانات الدفع قبل إعادة ملئها بالوقود. ومن الناحية النظرية، يمكن تمديد هذه الفترة إلى عشر سنوات، على غرار الصواريخ الإيرانية التي تعمل بالوقود الصلب.

يعتمد الاندفاع النوعي على عدة عوامل إلى جانب تركيبة الوقود الدافع، بما في ذلك نسبة مزج الوقود/المؤكسد، وضغط غرفة الاحتراق، ونسبة تمدد الفوهة. وتدّعي وزارة الدفاع الإيرانية أن صاروخ “خرمشهر 4” لديه اندفاعاً نوعياً يبلغ 280 ثانية عند مستوى سطح البحر و 300 ثانية في الفراغ، وهما مستويان مماثلان لمستويات صاروخ “هواسونغ-10”. ويبلغ الاندفاع النوعي لصاروخ “سكود ب” الأخف وزناً والأصغر حجماً 220-260 ثانية، حسب الارتفاع، ويقدَّر الاندفاع النوعي لصاروخ “شهاب 3” بـ 240 ثانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام التحكم في الدفع الموجَّه بدلاً من دوارات التحكم المتحركة من فئة “سكود” والزعانف الثابتة قد قلل على ما يبدو من السحب والاضطراب وساهم في تحسين دقة صاروخ “خرمشهر”.

وهذه الميزات قد تجعل من صاروخ “خرمشهر 4” صاروخاً تكتيكياً واستراتيجياً في الوقت نفسه. فإلى جانب الهيكل الأكثر ثباتاً ونسبة الرفع إلى السحب الأدنى بفضل وضع المحرك داخل خزان الوقود ومقاس الصاروخ حيث أنه أقصر بثلاثة أمتار مقارنةً بالأنواع السابقة مثل “شهاب 3” و”قدر”، فمن شأن هذه المميزات أن تحسن مهمة نقل هذا الصاروخ على الطرق البرية وتسريع مدة إطلاقه.

كان السوفييت الرواد في تطوير هذه المواصفات في ستينيات القرن الماضي مع صاروخ “آر-27” الذي يُطلق من الغواصات، أما بالنسبة لصاروخ “خرمشهر فقد تركزت الأولوية على إمكانية النقل البري بطريقة آمنة وهو مليء بالوقود، لتجنب تزويده بالوقود الذي يستغرق وقتاً طويلاً في موقع الإطلاق المكشوف. ويتطلب ذلك قوة هيكلية كبيرة واستخدام خزانات الوقود المتساوية الانحراف للحد من تخضخض الوقود. وفي المستقبل، سيصبح من الممكن نقل صاروخ “خرمشهر”، الذي لم يدخل أيا من إصداراته حيز التشغيل حتى الآن على ما يبدو، في قاذفات ناقلة أكثر حركية مناسبة لجميع التضاريس على غرار تلك المستخدمة في كوريا الشمالية.

الصواريخ الباليستية الإيرانية “الأكثر تقدماً”

في مقابلة بثها التلفزيون الإيراني الحكومي في 26 أيار/مايو، صرح الجنرال سيد مهدي فرحي، النائب الأول لوزير الدفاع حالياً والمدير السابق لذراعين من الوزارة، هما “منظمة الابتكار والبحث الدفاعي” و”منظمة الصناعات الجوفضائية” الجوية، أن صاروخ “خرمشهر 4” يُعتبر أكثر الصواريخ الباليستية الإيرانية تطوراً وقدرةً على التحمل. وأضاف أنه يجمع بين المرونة والقدرة على التحمل (المرحلة النهائية “الميكانيكية”، والسرعة العالية جداً، والمقطع العرضي للرادار الصغير، وقدرات الدفاع الإلكتروني) من جهة، والدقة “الفائقة” والذكاء الاصطناعي من جهة أخرى لتحديد مناورات المراوغة الأكثر فعالية.

أظهر مقطع فيديو لإطلاق تجريبي ناجح (تاريخ غير محدد) ترافق مع عرض حي لبيانات الصاروخ عبر تقنية الارتباط السفلي، عملية الإطلاق من موقع في سمنان تخللها عمود دخان العادم بالحد الأدنى وانفصال الرأس الحربي/المركبة العائدة خارج نطاق الغلاف الجوي (WH/RV) عن جسم الصاروخ عند الانتهاء من مرحلة منتصف المسار قبل توجهه إلى هدفه في جنوب شرق إيران. وأظهر موجز العرض الحي المصاحب لبيانات الصاروخ تسعة محركات ورنية صغيرة تساعد على استقرار المركبة العائدة خارج الغلاف الجوي وتوجيهها إلى موقع دقيق لإعادة الدخول حيث يمكنها بدء مرحلة الطيران النهائية نحو الهدف. إن القدرة على إمالة طرف المقدمة نحو الأرض في وقت مبكر خلال هذه المرحلة تقلل من المقطع العرضي لرادار المركبة العائدة. وفي بداية المرحلة النهائية، تم عرض أربعة من الورنيات وهي تطلَق في أزواج في اتجاهات معاكسة لبدء دورة سريعة تهدف إلى ضمان الاستقرار خلال إعادة الدخول. ثم تم “تعطيل” المركبة العائدة بشكل متعمد، إذ أُطفئت أنظمتها الإلكترونية وأصبحت عنصراً يعمل في الوضع الميكانيكي، وذلك لحمايتها من الإجراءات المضادة الإلكترونية والتداخل الكهرومغناطيسي خلال المرحلة النهائية. ووفقاً لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، صُنعت المركبة العائدة لصاروخ “خرمشهر 4” من مواد مركبة لضمان تفادي كشف الرادار لها وتتبعها، وتبلغ سرعة منتصف مسارها 16 ماخاً، مع سرعة إعادة دخول تفوق سرعة الصوت بثمانية أضعاف، أي أسرع بمرتين إلى ثلاث مرات من صواريخ “سكود ب”. ويهدف هذا المزيج من السرعة والقدرة على المناورة والتخفي إلى جعل “خرمشهر” قادراً على الصمود في وجه دفاعات العدو المضادة للصواريخ.

ووفقاً لمصادر إيرانية غير رسمية فإن الخطأ الدائري المحتمل لدقة استهداف النسخة الأخيرة من صاروخ “خرمشهر” هي أفضل من 30 متراً بناء على مدى 2000 كيلومتر. وإذا صح ذلك، تُعد هذه النتيجة تحسناً كبيراً عما ادعى به اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بشأن نسخة سابقة من الصاروخ، والتي كانت “أفضل من 60 متراً بناء على مدى 1300 كيلومتر”. ويُظهر مقطع فيديو نُشر في عام 2019 رأساً حربياً يرتطم تقريباً في وسط مربع تم رسمه على الأرض تبلغ مساحته 40 × 40 متراً، أو 30 × 30 متراً وفقاً لرواية أخرى. لذلك يمكن الافتراض أن عائلة صواريخ “خرمشهر” تتمتع بدقة جيدة في جميع مداها.

في أحدث إصدار من “خرمشهر”، أُعيد استخدام القطر الأصلي للمركبة العائدة، بينما تمت إطالة الجسم قليلاً لاستيعاب إما أجهزة إلكترونية إضافية أو خزانات وقود ومؤكسدات أكبر حجماً. وتزعم مصادر عسكرية إيرانية أن الصاروخ يمكن أن يحمل رأساً حربياً عنقودياً قادراً على إلقاء ما يصل إلى ثمانين ذخيرة فرعية من نوعين على الأقل من الأنواع المضادة للأفراد والمضادة للمدارج لتغطية مناطق واسعة الأهداف مثل المستودعات العسكرية والمطارات والمدن. ومن المرجح أن تكون هذه الذخائر الفرعية قابلة للتصحيح مع مراعاة الرياح من أجل تحسين تغطية الأهداف وليست موجهة بشكل فردي، ولكن يمكن توقع نسخة مستقبلية يمكن توجيهها بشكل فردي.

اتضحت منذ البداية قدرة “خرمشهر” على حمل رأس حربي نووي مثل ذلك الذي صممته إيران في أوائل العقد الأول من القرن الحالي وربما لاحقاً. ووفقاً لوثائق من قرص صلب هرّبته زوجة عالم نووي إلى خارج إيران في عام 2004 وتحققت منه “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وأجهزة الاستخبارات الغربية، ووفقاً للأرشيف النووي أيضاً الذي حصلت عليه إسرائيل خلال مهمة سرية في كانون الثاني/يناير عام 2018، بدأت إيران بتصميم رأس حربي نووي وما يرتبط به من أجهزة إلكترونية، ومفجر، وآليات مولد الموجات الصدمية في إطار مشروعَي وزارة الدفاع “110” و “111” اعتباراً من أوائل عام 2002. وركز “المشروع 111” بشكل أساسي على تحويل الأجزاء الداخلية لمخروط المقدمة في صاروخ “شهاب 3” الباليستي من “مجموعة شهيد همت الصناعية” لاستيعاب رأس حربي بقياس 1220 ملم وقطر 560 ملم. ووفقاً لتقارير مختلفة من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، تمتلك إيران، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خبرة كافية لتصميم نظام انفجار داخلي صغير يلائم مقدمة صاروخ “شهاب 3”. وبالتالي، فإن صاروخ “خرمشهر” ذو المقدمة المخروطية الأوسع نطاقاً (قطره 1.5 متر، مقارنة بـ 1.3 متر لصاروخ “شهاب-3”) لن يواجه مشكلة في استيعاب جهاز أكبر حجماً مع مردود أعلى إذا تمكنت إيران من تصنيع جهاز قادر على القيام بهذه المهمة. ولكن من الناحية النظرية، سيستوعب أيضاً التصميم الأصغر للمركبة العائدة في “خرمشهر 3″، مع حد أدنى من التغييرات، الرأس الحربي النووي الأصلي الذي تم تطويره لـ “شهاب 3”.

وفي سياق متصل، أعربت مؤخراً مجموعة ناشئة من مناصري الردع النووي في إيران عن دعمها لترسانة من الأسلحة النووية التكتيكية القائمة على البلوتونيوم. ويعتقد هؤلاء المناصرون أن هذه الأسلحة لا تندرج ضمن ما يسمى بالفتوى المناهضة للأسلحة النووية المستمدة من البيان العلني للمرشد الأعلى الذي تمت قراءته في مؤتمر حظر انتشار الأسلحة النووية في طهران في 17 نيسان/أبريل عام 2010، بما أنها تُستخدم أساساً ضد أهداف عسكرية.

إلى أوروبا وما يتخطاها

لا يُعد صاروخ “خرمشهر” الصاروخ الباليستي الإيراني الوحيد الذي يتجاوز مداه 2000 كيلومتر، ولن يكون الأخير، ولكنه يبدو أنه من أكثر الصواريخ مرونة وفتكاً نسبة لقدراته الخاصة بحمل الشحنات والمدى الذي تقطعه. وبتطوبرها لتصميم “خرمشهر”، تُظهر إيران أيضاً إمكانات صاروخ باليستي متوسط ​​المدى قد يمكّنها عما قريب من تهديد القواعد الجوية والبحرية الأمريكية الحيوية استراتيجياً في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، والتي تبعد حوالي 3800 كيلومتر عن أقرب شاطئ إيراني. والأهم من ذلك هو أن التكنولوجيا المطورة لصاروخ “خرمشهر” قد تمثل تقدماً كبيراً نحو تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات. ومن السهل على قطاع تصنيع الصواريخ في إيران زيادة مدى “خرمشهر” ليشمل هذه المسافات، إن لم يكن قد قام بذلك فعلاً. علاوة على ذلك، وكسباً للوقت، يجب ألا نستبعد إمكانية حصول إيران على المساعدة التقنية من كوريا الشمالية أو حتى روسيا. وقد صوّرت طهران “خرمشهر” على أنه تهديد مباشر لـ”حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”) وأوروبا، بما في ذلك ظاهرياً مواقع الدفاع المضاد للصواريخ “إيجيس آشور” العاملة في رومانيا وبولندا، والتي تُستخدَم أساساً للدفاع ضد تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية.

وتحسباً لتلك التهديدات الإيرانية، اقترحت إدارة الرئيس جورج بوش الإبن في عام 2007 نصب منظومة دفاع أرضي مضادة للصواريخ في نقطة منتصف المسار في أوروبا. وعارضت روسيا وإيران نشر “نظام الدفاع الصاروخي ذي النهج التكيفي المرحلي”، الذي تم الإعلان عنه للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر عام 2009، ودخل حيز التشغيل في أيار/مايو عام 2016، ويتضمن محطة الرادار الأمامي الطويل المدى TPY-2 في كورسيك في جنوب شرق تركيا ومركز قيادة وتحكم وإدارة معارك واتصالات (C2BMC) في “قاعدة رامشتاين الجوية” في ألمانيا. وتفصل مسافة 3300 كيلومتر بين “رامشتاين” وقاعدة رئيسية للصواريخ الباليستية تابعة لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” بالقرب من تبريز، في حين يبعد الموقع الروماني في “ديفسيلو” 1840 كيلومتراً عن قاعدة تبريز. ويقع الموقع البولندي الذي سيتم تشغيله بكامل طاقته قريباً في قرية “ريدزيكوفو” على بعد 2860 كيلومتراً من قاعدة تبريز. وستتيح الدفاعات المنصوبة على هذه المسافات للقوات الغربية اعتراض الصواريخ الباليستية الإيرانية المتوسطة المدى مثل “قدر” و”سجيل” و”خرمشهر” قبل أن تصل إلى أهدافها في شرق أوروبا وجنوبها. تم تصميم مواقع “إيجيس آشور” لحماية حلفاء “الناتو” الأوروبيين والقوات الأمريكية المنتشرة في أوروبا من تهديدات الصواريخ الباليستية من خلال رصد الصواريخ وتعقبها والاشتباك معها وتدميرها قبل أن تدخل الغلاف الجوي مرة أخرى، وذلك بالتنسيق مع مدمرات “إيجيس” المنتشرة أمامياً، مثل تلك المنتشرة حالياً في المنطقة.

وصرح قائد “القوة الجوفضائية” في “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” الجنرال أمير علي حاجي زاده، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، أن إيران حددت لنفسها مدى 2000 كيلومتر، الذي يُعتبر كافياً للوصول إلى إسرائيل من أي مكان في إيران، وتم تحديده “احتراماً للدول الأوروبية، ولكن يمكن إزالته إذا غيرت سلوكها”. (راجع مقالتا المؤلف من آذار/مارس 2019وكانون الأول/ديسمبر 2019 للحصول على المزيد من المعلومات حول التهديد المحتمل للصواريخ الباليستية على أوروبا). وأشار حاجي زاده إلى أن الدفاعات المضادة للصواريخ كانت تعتبر الأهداف الرئيسية للصاروخ الإيراني الجديد، ومن المتوقع أن يكون “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” قد تابع باهتمام الصواريخ التي أطلقها الحوثيون على المملكة العربية السعودية وأنه يراقب الآن الاشتباكات الروسية الأوكرانية فوق كييف باهتمام شديد.

وتواصل إيران الاستثمار بكثافة في برامجها الصاروخية، والنظام واثق من قدرته على حماية قوته الرادعة وتعزيز قدراته الهجومية. ويُعد “خرمشهر” خيار إيران الأكثر قابلية للتطبيق لحمل وتوصيل رأس حربي نووي إلى مدى متوسط أو فوق المتوسط، وفقاً لوزن الرأس الحربي، إذا قررت تحويل المواد الانشطارية المتاحة لديها إلى أسلحة نووية. ويملك الصاروخ محركاً قوياً يمكن الاعتماد عليه إلى حد بعيد، ونظام توجيه مرن، وأداءً عالياً للغاية للحمولة المتفجرة قياساً على المدى، وجسماً قوياً بما يكفي وفق التقارير لتسريع نقله براً وعلى طرق أكثر وعورة. ويزعم مسؤولو الدفاع الإيرانيون وقادة “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” أن الصاروخ يتمتع بدرجة عالية جداً من الدقة، مما قد يعني أيضاً أنه يمكن أن يصيب مبنى معين أو محيطه في المدى الأقصى له تقريباً برأس حربي تقليدي.

ومن المثير للإهتمام أيضاً توقيت الكشف عن الصاروخ، الأمر الذي يندرج ضمن سلسلة إعلانات بارزة تسلط الضوء على الصواريخ وإطلاق الأقمار الصناعية والقواعد المحصنة التي تهدف إلى تعزيز الردع الإيراني. ولا يتزامن ذلك مع تصاعد التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن التقدم النووي الذي تحرزه طهران وسلوكها الإقليمي ومشاركتها في الحرب في أوكرانيا فحسب، ولكن أيضاً مع بروز تقارير عن محادثات سرية “لوقف التصعيد” بين واشنطن وطهران في عُمان، مع “تفاهم” نووي محدود جديد قد يلوح في الأفق. ويمكن لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” من خلال عرض صواريخه الجديدة أن ينسب الفضل إليه في “الاستسلام الغربي” وأن يطالب بالمزيد من التمويل المحلي والدعم لبرامجه.

ويُعد تطوير صواريخ “خرمشهر” والصواريخ الإيرانية المماثلة وإدخالها في الخدمة انتهاكاً واضحاً لـ “قرار مجلس الأمن رقم 2231″، الذي يمنحالصفة القانونية لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015 ويدعو إيران إلى عدم مزاولة أي نشاط متعلق بالصواريخ الباليستية “القادرة بطبيعتها على حمل أسلحة نووية”، حتى لو كانت هذه الصياغة خاوية المضمون كما يُزعم، حتى تشرين الأول/أكتوبر عام 2023. وفي 28 حزيران/يونيو، أبلغت دول من أعضاء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى إيران بقرارها الإبقاء على عقوبات الاتحاد الأوروبي بشأن الصواريخ الباليستية المقرر أن تنتهي صلاحيتها في 18 تشرين الأول/أكتوبر بموجب “القرار رقم 2231”. ويمكن تفسير هذه الخطوة على أنها بديل أكثر أماناً لآلية إعادة فرض العقوبات المنصوص عليها في “خطة العمل الشاملة المشتركة”، والتي يمكنها إعادة تطبيق جميع عقوبات الأمم المتحدة السابقة إذا فشلت المفاوضات النووية الحالية بقيادة الولايات المتحدة في تحقيق نتائج ملموسة.

الضجة بشأن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت

في المشهد الحالي، تعمل إيران بلا هوادة على تعزيز قدرتها على الردعوعلى تنفيذ ضربات استباقية، ولطالما اعتبرت، في هذا الإطار، أن صنع صاروخ فائق السرعة هو بمثابة الحل السحري. وفي رسالة خاصةمكتوبة بخط اليد إلى المرشد الأعلى علي خامنئي بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر عام 2005، أفاد الجنرال حسن طهراني مقدم، الذي كان آنذاك رئيس سلاح المدفعية والقوات الباليستية في “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” و”منظمة جهاد الاكتفاء الذاتي”، والذي قُتل في انفجار مرتبط بالمهام الوظيفية الموكلة له في عام 2011، بفخر أن منظمته بدأت للتو العمل على “صاروخ فائق السرعة يملك القدرة على ضرب وردع إسرائيل”. وفي ذلك الوقت، لم يكن تطوير الصواريخ الاعتراضية الغربية والإسرائيلية المتقدمة مثل “حيتس 3” قد بدأ بعد.

ويبدو أن برنامج التطوير استمر تحت إدارة مقدم لمدة عقدين من الزمن تقريباً حتى كشف “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” أخيراً، في 6 حزيران/يونيو عام 2023، عن “صاروخ باليستي فائق السرعة” أُطلق عليه اسم “فتّاح”، أي “الذي يفتح أبواب النصر”، وذلك بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وكبار قادة “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”. وجاء ذلك في أعقاب سلسلة من الخطابات والمقابلات التلفزيونية التي ألقاها وأجراها قائد “القوة الجوفضائية” في “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” الجنرال أمير علي حاجي زاده، الذي أعرب عن فخره بمميزات الصاروخ، مثل السرعة القصوى البالغة 12-13 ماخاً، والقدرة على إجراء مناورات وتصحيح المسار في منتصف الرحلة خارج نطاق الغلاف الجوي والمرحلة النهائية ضمن الغلاف الجوي، والقدرة على تنفيذ ضربات دقيقة دون التعرض لنيران أنظمة الدفاع الحالية المضادة للصواريخ.

إن الصاروخ الذي تم عرضه على الملأ والذي طُلي باللون الأسود وليس باللون الرملي المعتاد، يشبه الجسم الرئيسي لصاروخ “خيبر شكن” الذي يعمل بالوقود الصلب والذي تم الكشف عنه في شباط/فبراير عام 2022، في الوقت الذي كانت فيه المحادثات النووية في فيينا تقترب من مرحلة حرجة. ومع ذلك، فإن الفتاح يحمل رأساً حربياً/مركبة عائدة مخروطية جديدة مزودة بمحرك مخصص لتوجيه الدفع يعمل بالوقود الصلب ويتم تفعيله وفقاً لبعض التقارير على مسافة تتراوح بين 900 و300 كيلومتر من الهدف المنشود، وفقاً لمعطيات الرحلة، ويحوّل بشكل فعال مجموعة المركبة العائدة إلى منصة ثانية. إن محرك الصاروخ ذو الخزان الكروي والمحسن لناحية الفراغ الفضائي هو النوع ذاته الذي تم استخدامه في عامَي 2020 و 2022 في الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية “قاصد” التابعة لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، كوحدات مناورة مدارية لوضع قمريْ “نور 1” و “2” الصناعيَين من فئة “كيوبسات” في مدارهما المنخفضان حول الأرضية على مسافتَي 425 و 500 كيلومتر على التوالي.

ويُقال إن محرك صاروخ المناورة المدارية الفريد من نوعه، إلى جانب الزعانف المتحركة، يسمح لمركبة “فتّاح” العائدة بإجراء تعديل كبير للمسار المحدد مسبقاً ومناورات تجنب الدفاع الصاروخي خارج الغلاف الجوي وداخله. وربما ساهم المحرك في السرعة العالية والفائقة المزعومة في بداية المرحلة النهائية. بالإضافة إلى ذلك، قبل إعادة الدخول مباشرةً، يبدو أن المركبة العائدة تتجه نحو الأسفل لإعادة توجيه ذاتها والحد من المقطع العرضي للرادارات الأرضية. وفقاً لحاجي زاده، يهدف مجموع هذه القدرات إلى جعل حساب المسار والاعتراض بواسطة الدفاعات المضادة للصواريخ “مستبعداً جداً لعقود مقبلة، إن لم يكن مستحيلاً تماماً”.

إذا نظرنا إلى القدرات الظاهرية التي تدّعي إيران امتلاكها في صاروخها الفائق السرعة، يمكن اعتبار أن صاروخ “فتّاح”، بتصميمه الحالي، يندرج ضمن فئة فرعية خاصة به. هذا لأن محرك الصاروخ الكبير نسبياً الذي يعمل بالوقود الصلب مع توجيه الدفع في قسم الرأس الحربي/المركبة العائدة يسمح بمناورات كبيرة خارج الغلاف الجوي، في حين أنه لا يزال بطبيعة الحال غير قادر على إجراء مناورات جوية كبيرة ومستمرة باستثناء تصحيحات طفيفة في المسار. وفي سياق منفصل، حاول مقطع فيديو قصير نُشر في يوم الكشف عن الصاروخ الإشارة إلى نجاح تجربة الإطلاق، إلا أن الفيديو أظهر على الأرجح اختباراً سابقاً لصاروخ “خيبر شكن” بحجم مماثل، مما يعني أن “فتّاح” لا يزال بحاجة إلى بعض الوقت ربما ليخضع للاختبار التجريبي الأول وإلى عدة سنوات ربما ليصبح جاهزاً للإستخدام. وقد يمنح ذلك المزيد من الوقت لشركات الدفاع مثل “نورثروب غرومان” و”رافائيل” لتطوير تكنولوجيا مقاومة للصواريخ الفائقة السرعة.

الخاتمة

يمكن توقع استمرار إيران في تخصيص مبالغ مالية ضخمة وعدد كبير من القوى العاملة لتطوير صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار أكثر فعالية وأطول مدى، وبنفس القدر لدعم سياساتها العسكرية في المنطقة. وستقوم بذلك ليس لتعزيز قوة الردع الخاصة بها ونفوذها التفاوضي فحسب، بل لزيادة الضغط النفسي والحركي تدريجياً على الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً. ولإحداث المزيد من التعقيدات لهؤلاء الخصوم وكسب المزيد من الوقت، ستحافظ إيران على الأرجح على مبادراتها الرامية إلى وقف التصعيد الإقليمي، كما حدث عندما استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية في آذار/مارس الماضي.

إن امتلاك الجمهورية الإسلامية لقدرات صاروخية فائقة السرعة يمكن الاعتماد عليها كالتي يتمتع بها صاروخ “فتاح” والتي تمكّنها من إصابة أهداف عالية القيمة بدقة وسرعة وبشكل غير متوقع على بعد مئات، لا بل آلاف الكيلومترات، يمكن أن يمثل تحدياً كبيراً لأنظمة الإنذار والدفاع الصاروخية القائمة حالياً أو لتلك التي في مرحلة التطوير وسيشكل ذلك تطوراً مقلقاً. وقد يتحول في النهاية إلى نظام قصف مداري أكثر إثارة للقلق قادر على ضرب أي مكان في العالم في وقت قصير. وهذا هو الحال على الرغم من أن “فتّاح” ما زال بحاجة إلى عدة سنوات على ما يبدو قبل نشره بشكل كامل.

وفي الوقت نفسه، فإن طهران قادرة تماماً على تصنيع صاروخ وتحضير قدرته التشغيلية الأولية. وفي هذه الحالة، إن الصاروخ هو “خرمشهر 4” الذي يمكنه نقل رأس حربي نووي إلى مدى الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى ولاحقاً الصواريخ الباليستية ذات المدى فوق المتوسط. ويمكن توقع إدراج مثل هذا الصاروخ في ترسانتها الصاروخية قريباً، هذا إن لم تكن تمتلكه أساساً بكميات محدودة. وفي الوقت الذي يكتسب فيه النظام الإيراني ثقة متزايدة في قوة الردع التقليدية التي يملكها، إلا أنه يدرك أيضاً أنه في حال مواجهته لقوى نووية راسخة، فإن القدرة على الردع النهائي تعتمد على استخدام الأسلحة النووية المنتشرة.

وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يمكن فعله للحد من مخاطر هذه القدرات الإيرانية المتنامية إلى جانب نهجها الرامي إلى امتلاك سلاح نووي. وتعمل الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية وإسرائيل أساساً على تطوير أجهزة متقدمة تكنولجياً لكشف واعتراض الصواريخ الفائقة السرعة، ولكن يجب إعطاء أولوية أكبر لهذه الجهود وتكاملها بشكل أفضل عبر الحدود الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن على وجه الخصوص أن تساهم في كبح جماح طهران التي تزداد جرأة، من خلال نشر ما يمكّنها من تسديد ضربات دقيقة تقليدية طويلة المدى في المنطقة يكون لها سرعات فائقة والقدرة على المناورة، إلى جانب اختراق اختياري للأهداف المحصنة. إن سلاح الجيش الأمريكي البعيد المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت (LRHW) الذي يمكن نقله براً، وهو نظام صاروخي معزز الانزلاق يتم إطلاقه من الأرض ويبلغ مداه حوالي 2800 كيلومتر، سيدخل قريباً حيز التشغيل، وبينما تُعتبر منطقة الهندي-الهادئ غالباً المسرح المفضل لنشر مثل هذه الأنظمة المتقدمة، يجب أيضاً النظر في إمكانية استخدام الشرق الأوسط لأي نشر مبكر. وبهذه الطريقة، يمكن للولايات المتحدة طمأنة جيران إيران وإظهار قدرتها على ضرب أي عدد من الأهداف العسكرية بسرعة في جميع أنحاء إيران والمنطقة بثقة ودون أن يكون لهذه الضربات أي تبعات.

فرزين نديمي

معهد واشنطن