الأولى تؤكد والثانية تنفي: أزمة النيجر تنقل التوتر بين الجزائر وفرنسا إلى الأقصى

الأولى تؤكد والثانية تنفي: أزمة النيجر تنقل التوتر بين الجزائر وفرنسا إلى الأقصى

الجزائر/ باريس – تضاربت التصريحات في الجزائر وباريس حول رخصة استغلال المجال الجوي الجزائري من طرف الطيران العسكري الفرنسي؛ ففيما سربت إذاعة الجزائر الحكومية رفض سلطات بلادها للطلب الفرنسي نفت قيادة الجيش الفرنسي أن تكون قد تقدمت بمثل هذا الطلب إلى السلطات الجزائرية، الأمر الذي يحيل أزمة النيجر إلى مجال لتصفية الحسابات بين البلدين اللذين يعيشان على وقع أزمة دبلوماسية صامتة.

ويعتقد مراقبون أن تسريب الجزائر خبر وجود طلب فرنسي لاستغلال مجالها الجوي هدفه تسجيل نقاط ضد فرنسا وإظهارها في موقف من يحتاج إلى الجزائر لإنقاذ نفوذها المتآكل في منطقة الساحل والصحراء.

ويهدف التسريب كذلك إلى إحراج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإظهاره في صورة من لا يمتلك هامشا للتدخل في ملف النيجر. لكن ذلك يمكن أن يرتد على الجزائر التي وضعت نفسها في موقع يظهرها كما لو أنها في الصف المقابل لفرنسا، أي أنها مساندة للانقلاب الذي جرى في نيامي وتعضد داعميه من وراء الستار، وتحديدا فاغنر وروسيا.

تأثير الجزائر في مسارات التدخل في النيجر معدوم تماما؛ فهي لا تقدر على منعه، ولا تستطيع أن تكون في صف مقابل له

وتحولت أزمة النيجر إلى مصدر لتغذية الخلافات بين الجزائريين والفرنسيين، وتصفية ما تبقى من الحسابات؛ فعلاوة على تناقض موقف البلدين من الانقلاب العسكري في نيامي يبدو أن الجزائر تريد إثبات مكانتها الإقليمية للفرنسيين والتأكيد على ثقل موقفها الرافض للتدخل العسكري، حتى ولو كان ذلك يخدم بطريقة أو بأخرى الأطراف الداعمة للانقلاب، والتي أظهرت رفضها للتواجد الفرنسي في أفريقيا.

وإذا تدخلت فرنسا فهل ستدافع روسيا عن سلطة الانقلاب؟ وأي فائدة ستجنيها الجزائر من أن تكون طرفا في مثل هذا الصراع؟ خاصة أنها حذّرت من أن التدخل العسكري قد يشعل منطقة الساحل بأكملها، وأقرت بأنها لن تستخدم القوة تجاه جيرانها، وهي تعرف حجم تأثيرات ذلك على أمنها القومي.

وإذا تشبثت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) -بدعم معلن أو خفي من باريس- بالتدخل عسكريا في النيجر، فهل لدى الجزائر ما يكفي من القوة لمنع هذا التدخل؟

ويرى المراقبون أن تأثير الجزائر في مسارات التدخل في النيجر معدوم تماما؛ فهي لا تقدر على منعه أو عرقلته، ولا تستطيع أن تكون في صف مقابل له. والأسوأ من ذلك أن ارتدادات هذا الصراع ستكون وخيمة على الجزائر أمنيا وإنسانيا، ومواقف مسؤوليها لن تكون أكثر من تسجيل الحضور دبلوماسيًّا وإعلاميّا.

وكان يمكن للنظام الجزائري، بدلا من السعي لتسجيل النقاط ضد فرنسا، أن يتحرك لمنع التصعيد العسكري، مثلما باستطاعته أن يوظف العلاقات بينه وبين روسيا وموقفه الرافض للتدخل العسكري في محاولة إقناع قادة الانقلاب بوجوب تليين موقفهم من شروط إيكواس.

ومن الواضح أن النظام الجزائري يبحث عن إصدار المواقف دون أن يقرأ حسابا لما يمكن أن ينتج عنها، وأن هدفه جذب الأضواء حتى لو أحرجته هذه المواقف؛ مثل ما وقع إثر تسريب خبر طلب فرنسا استعمال أجواء الجزائر، ما دفع باريس إلى النفي السريع.

ونفت قيادة الجيش الفرنسي أن تكون قد تقدمت بطلب إلى نظيرتها الجزائرية من أجل السماح لها باستغلال مجالها الجوي، تحسبا لعملية عسكرية في النيجر.

وما زال الغموض يكتنف مصادر النفي أو الرفض المتداولة في باريس والجزائر، حيث نسبت المصادر الإعلامية في البلدين معلوماتها إلى مصادر لم تسمها، كما أنها لم تصدر في شكل بيان أو تصريح علني يكشف عن حقيقة الموقفين، واكتفى الطرفان بالاستناد إلى مصدر داخل المؤسسة العسكرية فقط، الأمر الذي يبقي الشك قائما حول الخطوة برمتها.

وكانت مصادر غير رسمية قد تحدثت مؤخرا عن رفض السلطات الجزائرية عبور طائرة عسكرية فرنسية مجالها الجوي إلى دولة النيجر، وهو ما اعتبر مقدمة لموقف شامل بشأن استغلال المجال الجزائري من طرف القوات الجوية الفرنسية للمرور إلى النيجر، كما كان معمولا به إزاء الوضع في دولة مالي خلال السنوات الماضية.

وعمدت الجزائر في الآونة الأخيرة إلى أسلوب التسريبات الإعلامية للتعبير عن بعض المواقف، رغم غياب الانسجام داخل دوائر القرار حول تلك المواقف، ولذلك لا يُستبعد أن يكون التسريب الذي حظيت به هذه المرة الإذاعة الحكومية حلقة جديدة من مسلسل الارتباك الرسمي.

وكانت الجزائر قد أغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران العسكري الفرنسي لأول مرة، منذ عام 2014، في خريف عام 2021 غداة نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين، بسبب تصريحات نسبت إلى الرئيس إيمانويل ماكرون واعتبرتها الجزائر “مسيئة ومشينة”.

ويعتبر المجال الجوي الجزائري فضاء مواتيا لحركة الطيران بكل أشكاله من شمال القارة إلى جنوبها، حيث لا تتعدى الرحلة مدة الأربع ساعات إلى دولة النيجر أو مالي، بينما يتطلب الأمر عشر ساعات إذا تم استخدام رواق آخر، الأمر الذي يجعل العملية مكلفة جدا، وهو ما تريد الجزائر استغلاله لصالحها وممارسة المزيد من الضغط على الفرنسيين.

وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أصدرت بيانا في بحر هذا الأسبوع، حذرت فيه مما أسمته بـ”ملامح التدخل العسكري في النيجر”، معتبرة أنها ملامح “تزداد وضوحا”. وأعربت عن “أسفها الشديد لإعطاء الأسبقية للجوء إلى العنف عوض مسار الحل السياسي والتفاوضي الذي يسمح باستعادة النظام الدستوري والديمقراطي بشكل سلمي في هذا البلد الشقيق والجار”.

 

العرب