تعقّد المطالب الإسرائيلية – السعودية المنادية بتوقيع اتفاق أمني رسمي مع واشنطن لردع إيران، ضمن مسار التطبيع المحتمل بين تل أبيب والرياض، مساعي إدارة الرئيس جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران واستبعاد الحل العسكري ضدها.
واشنطن – ليست المملكة العربية السعودية وحدها التي تضع شروطا للولايات المتحدة مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإسرائيل تفعل نفس الشيء.
وأدّى وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، زيارة إلى واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين، بمن في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وأخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية الشهر الماضي الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يريد معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة تركز على ردع إيران، ليكون ذلك جزءا من تطبيع العلاقات مع السعودية.
وقد لا يرغب المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون في الاعتراف بأن الطلب الإسرائيلي يعقّد جهود بايدن المعقدة بالفعل لإقناع الدولتين بفكرة إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهما غير الرسمية.
وفرضت السعودية من جهتها ثمنا باهظا على إقامة علاقات دبلوماسية تلبي مصالحها الأمنية والجيوسياسية. وهي تطالب بترتيبات أمنية مع الولايات المتحدة، وبالدعم الأميركي لبرنامجها النووي السلمي، وبالوصول غير المقيد إلى الأسلحة الأميركية المتطورة. كما حددت أن الخطوات الإسرائيلية لحل نزاعها مع الفلسطينيين ستكون شرطا مسبقا. وهي تريد مثل إسرائيل اتفاقية أمنية رسمية، حتى دون استهداف إيران بشكل صريح كما يطلب الإسرائيليون.
السعودية وإسرائيل تشتركان في الإقرار بضرورة ردع إيران، لكنهما تعتمدان خطابين مختلفيْ اللهجة
ومن المرجح أن تكون المملكة أكثر حذرا بعد الاتفاق الذي توسطت فيه الصين في مارس الماضي لإعادة العلاقات مع إيران. وكانت العلاقات بين البلدين قد انقطعت في 2016 عندما اقتحمت حشود سفارة الرياض بطهران والقنصلية في مشهد احتجاجا على إعدام رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.
ولا ترى السعودية أن الاتفاقية أثمرت كليا. لكن من المؤكد أنها أضيفت إلى التقارب الأخير بين دول الشرق الأوسط الأخرى، بما في ذلك مصر وتركيا وإسرائيل وسوريا والإمارات العربية المتحدة، وخففت من حدّة التوترات الإقليمية.
وتبادلت السعودية وإيران الزيارات الوزارية، وعادت البعثات الدبلوماسية، وتحدث الطرفان عن التعاون الأمني والاقتصادي، ودعا المسؤولون في البلدين بعضهم البعض إلى التزاور.
وزار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية.
والأهم من ذلك أن التحركات الإيرانية العدوانية الأخيرة في مياه الخليج أصبحت تستهدف السفن الأميركية والإسرائيلية بدلا من سفن دول الخليج الأخرى، وتتجنب الهجمات على النفط السعودي والإماراتي والبنى التحتية الأخرى التابعة للدولتين.
وقد يؤدي اتفاق غير رسمي بين الولايات المتحدة وإيران، يتضمن تبادل الأسرى والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، إلى امتناع إيران عن مهاجمة السفن الأميركية أيضا.
لكن التقدم لا يشير إلى عودة محتملة إلى الاتفاقية الدولية لسنة 2015 التي حدّت البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من التقارير التي تفيد بأن إيران أبطأت وتيرة تخزين اليورانيوم المخصب لاعتماده في صنع الأسلحة.
التحركات الإيرانية العدوانية الأخيرة في مياه الخليج أصبحت تستهدف السفن الأميركية والإسرائيلية بدلا من سفن دول الخليج الأخرى
لكن نتنياهو أوضح أنه لن يقبل بأقل من الإنهاء الكامل للبرنامج الإيراني. وقال مكتبه إن “موقف إسرائيل معروف ومفاده أن الترتيبات التي لا تفكك البنى التحتية النووية الإيرانية ولا توقف برنامجها النووي، وتقدم الأموال إلى طهران، تذهب في خدمة الإرهاب الذي ترعاه إيران”.
ويتناقض البيان مباشرة مع الموقف الأميركي الذي عبّر عنه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميليفي. وقال للكونغرس إن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران “بامتلاك سلاح نووي ميداني”. وكانت الكلمة المفتاحية هنا هي “ميداني”.
وقد يكون موقفا السعودية وإسرائيل متقاربين أكثر مما يبدو فيما يتعلق بإيران، لكنهما تعتمدان خطابين مختلفيْ اللهجة. كما تبقى إسرائيل أقل ميلا إلى التعامل مع النظام الإيراني الحالي من المملكة.
وقال مسؤول سعودي كبير مؤخرا، خلال اجتماع مغلق في أوروبا مع خبراء في الشرق الأوسط، إن “أمل” المملكة يكمن في حل المشاكل بينها وبين إيران، لكنه حذّر من أنه “من البساطة التفكير بهذه الطريقة… وهذا أمر خطِر أيضا، لأنك إن لم تحقق نتائج فسوف تعتقد أن التهدئة كانت عبثا أو ستكون لها نتائج”.
وشبّه العلاقات السعودية – الإيرانية بعلاقات أوروبا مع روسيا. وقال إن لأوروبا علاقات دبلوماسية مع روسيا، لكنها في حالة حرب معها.
وأقرّ المسؤول بأن آفاق التعاون الاقتصادي مع إيران بقيت محدودة دون إحياء الاتفاق النووي الإيراني بسبب العقوبات الأميركية.
وبعبارات أخرى، تعتمد العلاقات السعودية – الإيرانية إلى حد كبير على السياسات الموضوعة في الرياض وطهران مثلما تعتمد على السياسات المتبعة في واشنطن.
ويلقي كل هذا ضوءا مختلفا على مطالبة نتنياهو باتفاقية أمنية تركز على إيران مع الولايات المتحدة. ويُذكر أنه جعل إقامة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية جوهرة تاج سياسته الخارجية.
ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان رئيس الوزراء الإشارة بإيماءات تكون مقبولة لدى السعوديين مع تجنب تفكيك ائتلافه الأكثر تشددا في تاريخ إسرائيل
ولتحقيق ذلك وافقت إسرائيل على تخصيب السعودية لليورانيوم لأغراض بحثية كجزء من صفقة أميركية – سعودية.
كما أشار نتنياهو إلى أنه سيكون على استعداد للإشارة إلى الفلسطينيين إذا كانت صفقة التطبيع مع السعودية تعتمد على ذلك. ولفت إلى أنه لن يسمح لأعضاء التحالف المتدينين والقوميين المتطرفين بعرقلة الاتفاق.
وليس من الواضح ما إذا كان بإمكان رئيس الوزراء الإشارة بإيماءات تكون مقبولة لدى السعوديين مع تجنب تفكيك ائتلافه الأكثر تشددا في تاريخ إسرائيل.
ويشير تعيين أول سفير للسعودية لدى الفلسطينيين هذا الشهر إلى الفجوة التي سيتعين على نتنياهو سدّها.
ولم يعترض وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين على الخطوة لكنه أكد أن إسرائيل لن تسمح بفتح تمثيل دبلوماسي للفلسطينيين في القدس.
وتعتبر إسرائيل القدس الموحدة عاصمتها، بينما يرى الفلسطينيون شرق المدينة، الذي احتلته إسرائيل خلال حرب 1967، عاصمة لدولتهم المستقبلية.
وستتعرض السعودية التي تضم أقدس مدن الإسلام، مكة والمدينة، إلى ضغوط شديدة لتقديم تنازلات بشأن ثالثة أقدس المدن (القدس).
ونتيجة لذلك يكمن السؤال في ما يريد نتنياهو تحقيقه من وراء مطالبته بصفقة أمنية معادية لإيران مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن الصفقة ستضمن مقعدا لإسرائيل حول الطاولة وتعزز موقفها في مواجهة إيران.
كما قد يرغب نتنياهو في تعقيد المحادثات الأميركية – السعودية حول الترتيبات الأمنية، معتقدا أن غياب الاتفاق القوي مع الولايات المتحدة يعني أن للمملكة مصلحة أكبر في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل عاجلا وليس آجلا.
وفي كلتا الحالتين تبقى إسرائيل لاعبا يتمتع بالقدرة على أن يكون معرقلا وليس بنّاء. ويتوقف هذا على كيفية تعريف نتنياهو لإسرائيل ومصالحها السياسية.
العرب