مثّلت زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، جدّة الأسبوع الماضي، محطة أخيرة مهمة في سلسلة تطورات إيجابية شهدتها العلاقات السعودية – الإيرانية منذ التوقيع على اتفاقية “المصالحة” التي رعتها الصين في العاشر من مارس/ آذار الماضي. وبموجبها اتفق البلدان على استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ يناير/ كانون الثاني 2016 وإحياء اتفاق التعاون الأمني لعام 2001. وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السعودي، قال عبد اللهيان إن العلاقات مع الرياض “تسير في الاتجاه الصحيح”، وأن في إمكان البلدين “العمل على حل الموضوعات الإقليمية العالقة”، (يقصد سورية ولبنان واليمن)، وهذه أول إشارة مباشرة من طهران بهذا الاتجاه. فوق ذلك، أعلن عبد اللهيان عن قبول بلاده دعوة تلقاها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة السعودية، وهي إن تمت ستكون الأولى لرئيس إيراني منذ زيارة أحمدي نجاد عام 2007، ما يعني أن طهران تبغي نتائج سريعة لتقاربها مع الرياض.
تناول كثيرون الأسباب التي حدَت بإيران والسعودية، بعد نحو عقدين، من الصدام وحروب الوكالة، أي منذ غزو العراق عام 2003، إلى محاولة البحث عن حلولٍ سياسية للخلافات الكبيرة بينهما، من ذلك سعي إيران إلى كسر طوْق الحصار المفروض عليها منذ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، واشتداد وطأة العقوبات الاقتصادية التي أشعلت موجات احتجاج واسعة على امتداد السنوات الماضية، والرغبة في الانفتاح على دول الجوار بعد فشل مقاربة إدارة الرئيس السابق، حسن روحاني، التوجّه غربا. تبحث السعودية، من جهتها، عن مخرج من حرب اليمن المكلفة والمستمرّة منذ عام 2015، وتريد التركيز على الداخل. كما أن اهتزاز الثقة بتحالفها مع الولايات المتحدة منذ الهجمات التي تعرّضت لها منشآت أرامكو في سبتمبر/ أيلول 2019، والتوتر الذي شاب العلاقة مع إدارة بايدن، دعاها إلى إعادة تقييم العلاقات مع طهران. لكنّ هناك عاملا إضافيا دخل على الخط أخيرا، ولعب دورا مهما في تسريع خطوات التقارب بين الطرفين، وهو العامل الإسرائيلي.
منذ يوليو/ تموز 2022، وبعد أن فقدت إدارة بايدن الأمل في إمكانية إحياء الاتفاق النووي مع إيران، بعد انهيار مسوّدة اتفاق مارس من العام نفسه على خلفية محاولة ايران استغلال حرب أوكرانيا، وحاجة الغرب إلى إمدادات طاقة بديلة عن روسيا، من أجل التقدّم بشروط جديدة، ثم انحياز طهران الكلي لروسيا في الحرب الأوكرانية عبر تزويدها بطائرات مسيّرة وصواريخ أرض – أرض، عادت إدارة الرئيس بايدن إلى التركيز على فكرة إنشاء تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران، وهو المسار الذي أطلقته إدارة ترامب عام 2020 تحت مسمّى “الاتفاقات الإبراهيمية”، وأسفر عن التوصل إلى اتفاقات “سلام” وتطبيع للعلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، مع التركيز هذه المرّة على الدولة العربية الأكثر أهمية، السعودية.
صارت هذه السياسة، خلال الشهور الأخيرة، محور تركيز إدارة بايدن في المنطقة التي لم تستأثر في العامين الأولين من حكمها بأي اهتمام خارج حدود التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران وإيقاف حرب اليمن. وقد تكرّرت زيارات المسؤولين الأميركيين (خصوصا مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية) إلى السعودية في الشهور الأخيرة، في محاولة للدفع نحو اتفاق أميركي-سعودي- إسرائيلي، تناولت تفاصيله الصحف الأميركية. يبدو قرار إيران تسريع التقارب مع السعودية مرتبطا بهذه المساعي، إذ تسابق إيران الزمن لإفشال فرص التوصّل إلى اتفاقٍ ثلاثي سوف يؤدّي، على الأرجح، إلى تغييرٍ عميقٍ في المشهد السياسي للمنطقة. إذا قرّرت إيران تغيير نهجها والتخلّي حقًا عن وهم السيطرة على عواصم المشرق العربي التاريخية (بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت)، والاتجاه بدلا من ذلك نحو تفاهم استراتيجي مع العرب، يُنهي أسباب الصراع بينهما ويقطع الطريق على جهود التطبيع مع إسرائيل، فسوف تكون قد قدّمت بذلك الخدمة الكبرى لنفسها وللمنطقة، وللقضية الفلسطينية التي تدّعي الدفاع عنها، لأنها تكون قد سحبت بذلك الذريعة التي يتذرّع بها بعض العرب للتقارب مع إسرائيل. نأمل أن يكون المسعى الإيراني جدّيا في هذا الاتجاه، وألا يكون قد جاء متأخّرا.
العربي الجديد