يرى خبراء ومحللون أتراك أن أزمة الطاقة بين الغرب وروسيا ستنعكس بشكل إيجابي على تركيا التي تهدف لتكون واحدة من أكبر أسواق الغاز عالمياً.
ولا تزال أزمة الطاقة مشتعلة على الصعيد الأوروبي والعالمي منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل نحو عام ونصف، إذ قطعت موسكو إمدادات الطاقة عن أوروبا، في حين أعلنت الأخيرة حظر استيراد النفط والغاز الطبيعي من روسيا، مما دفع الغرب إلى البحث عن بدائل.
وبحسب تقرير لموقع “TRT عربي”، برزت تركيا كوسيط مهم في الأزمة الروسية-الأوكرانية، لا سيّما عبر دورها في اتفاقية الحبوب، إذ عزّزت نشاطها لتكون محطة رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا، سواء من حيث تصدير الغاز الروسي الذي يتدفق إلى تركيا، أو غيره مثل الغاز الأذربيجاني في ظل وجود خط أنابيب تاناب ومشروع السيل التركي.
ونقل الموقع عن رئيس مركز إستراتيجيات وبحوث الطاقة في تركيا أوغوزهان آق ينر، تأكيده على أنّ أنقرة تهدف إلى أن تكون مركزاً لتجارة الغاز يستقطب عدداً كبيراً من المصدّرين والمستوردين لكميات كبيرة، وعليه يمكن أن تحدّد أو تشكّل أسعار الأسواق الإقليمية، وأنّ تركيا تطمح إلى أن تكون مركزاً يتجاوز بأبعاده مجرد موقع لتخزين الغاز أو نقله فحسب.
ويؤكد آق ينر في حديثه مع TRT عربي أنّ استمرار أزمة الطاقة بين الغرب وروسيا سيمهد الطرق لتركيا في هذا السياق، لافتاً إلى أنّ أنقرة وضعت خطوات وأهدافاً عدّة لذلك، مثل إنشاء سوق للغاز داخل تركيا.
ويضيف الخبير التركي أنّ تركيا بدأت عمليات البيع والشراء بالفعل تحت سقف هذه السوق، مشيراً إلى أنّ اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر زاد زخم هذه الخطوات.
ويلفت إلى أنّ أنقرة تواصل شراء الغاز وفي الوقت نفسه توسع إطار عمليات نقل غازها المحلي والمستورد إلى الخارج، مستشهداً باتفاقية تصدير الغاز من تركيا إلى بلغاريا التي بدأت بضخ أول دفعة منه في أبريل/نيسان الماضي.
وتهدف تركيا إلى “تدفق نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، إلى جانب 10 مليارات متر مكعب عبر خط تاناب الممتدّ من أذربيجان، فضلاً عن تدفقات الغاز من روسيا”، وكل ذلك يؤهل تركيا لتكون مركزاً لتجارة الغاز الطبيعي عبر وسائلها الخاصة والمتاحة بالفعل، وفق آق ينر.
ويؤكد أهمية اعتماد عديد من الدول الأوروبية على تركيا للحصول على الغاز الروسي رغم مقاطعته في الظاهر، حسب الخبير التركي الذي اعتبر أنّه في ظل عدم وجود خطوط مباشرة على المديَين المتوسط والبعيد بين روسيا وأوروبا ستتحول آلية التصدير بشكل “كلّي” عبر تركيا مع إتاحة التسعير داخل السوق التركية.
ويردف آق ينر بالقول: “هذا يعني أنّ الغاز الروسي الذي سيصل إلى تركيا سيخضع للتسعير من قِبل تركيا، ومن ثمّ تصديره نحو أوروبا”.
إلى ذلك، يتوقع الخبير التركي أنّه خلال 50 عاماً قد تصبح تركيا أكبر مركز للغاز في أوروبا وواحدة من أكبر أسواق الغاز عالمياً، مشدداً على ضرورة توسيع نطاق التعاون، ليس مع روسيا فحسب، بل مع عديد من البلدان الأخرى الغنية بالغاز.
فرص تركيا
من جانبه، يرى الباحث في الطاقة والاقتصاد ياسر هلال أنّ تركيا تمتلك الموقع الجغرافي والبنية التحتية المتمثلة في خطوط الأنابيب الضخمة، اللذَين يؤهلانها لتكون مركزاً إقليمياً ودولياً للغاز الطبيعي، لافتاً إلى أنّ موقعها يربط بين المصدّرين والأسواق المستهلكة.
ويشير هلال إلى وجود منشآت تخزين من “الطراز الرفيع” في تركيا، سواء تحت الأرض أو منشآت عائمة، مع تسهيلات تغويز الغاز المسال، فضلاً عن المواني التركية المجهّزة لاستقبال الغاز ومن ثمّ معالجته.
وفي السياق ذاته يقول الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية خالد فؤاد إنّ الظروف التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا عززت من موقع تركيا فيما يخص الطاقة، لا سيما في ظل اتجاه أوروبا نحو استبدال مصادر أخرى بالغاز الروسي وتنويع مصادر الاستيراد.
ويضيف فؤاد أنّ تركيا كانت تلعب دور الوسيط لنقل الغاز إلى أوروبا خلال العقدَين الماضيَين، سواء عبر خط ترك ستريم أو السيل التركي من روسيا أو تاناب من أذربيجان.
ويستدرك الباحث في الطاقة والعلاقات الدولية أنه “وبعد الحرب في أوكرانيا بات لديها (تركيا) هامش أكبر لتوسيع هذا الدور، مثل تطوير مشروع خط تاناب أو حتى نقل الغاز من دول أخرى مثل إيران والعراق وتركمانستان نحو أوروبا”.
تحديات جيوسياسية وسياسية
وحول التحديات الموجودة أمام تركيا لتحولها إلى مركز إقليمي ودولي للغاز، يشير فؤاد إلى الزيادة المستمرة لاستهلاك الغاز الطبيعي في تركيا، واصفاً إياه بـ”تحدٍّ داخلي، وقد يزيد حاجة البلاد إلى الاستيراد لسدّ الاستهلاك المحلي”.
لكنه اعتبر أنّ التحديات الخارجية هي “الأكثر صعوبة” وأنّ أغلبها جيوسياسي، مستدلاً بأزمة غاز شرق المتوسط بسبب النزاعات الحدودية بين معظم الدول المطلة على حوض المتوسط.
بدوره يرى هلال أنّ هناك تحديات أخرى، مثل تطوير الإطار القانوني والتنظيمي لتبادل الغاز وتسعيره بحرية ضمن آليات السوق دون تدخلات، لافتاً إلى أنّ تركيا قطعت شوطاً في هذا المجال.
ويلفت الباحث في الطاقة والاقتصاد إلى ضرورة وجود توافق سياسي بين الدول المعنية، لا سيّما مع دول أوروبا والمنطقة بشكل أساسي، مؤكداً أنّ أنقرة مؤخراً قطعت شوطاً كبيراً في هذا الإطار من خلال تطوير علاقاتها مع الخليج ومصر وكذلك الاتحاد الأوروبي.
ويردف بالقول: “الموقف الأكثر أهمية هو الموقف الأمريكي الذي بدأ يميل إلى تحسين العلاقات بشكل جدّي مع تركيا، وذلك يساعد على إنجاز تحوّل تركيا إلى مركز دولي للغاز”.
ويبدو أنّ الطلب على الغاز يأتي من أوروبا بشكل أساسي، إذ يقول هلال: “الأوروبيون على ما يبدو جادّون في تقليص الاعتماد على الغاز الروسي، وهو العنصر الأكثر توفراً في السوق التركية، لا سيّما أنّ المصادر الأخرى المطروحة مثل الغاز الإيراني والعراقي والقطري تعترضها تحديات سياسية ولوجستية”.
لكنّه في الوقت ذاته يرى أنّه لا بديل للأوروبيين حالياً عن الغاز الروسي لأنّ المصادر الأخرى مثل أمريكا وقطر وليبيا والجزائر عالية الكلفة وكمياتها غير كافية بالنسبة إلى أوروبا، ما يعزّز دور تركيا باعتبارها مركزاً لا غنى عنه بالنسبة إلى أوروبا للحصول على تدفقات الغاز، حسب هلال.
وبالعودة إلى آق ينر فإنّه يتفق مع هذا الطرح، ويشير إلى أنّ التحديات تكمن في الصعوبات الدبلوماسية والجيوسياسية، وهي تتنوع حسب منطقة أو بلد التصدير، لافتاً إلى الخلاف بين تركيا وجنوب قبرص، وعدم توفر بيئة استثمارية آمنة في ما يتعلق بجلب الغاز من تركمانستان أو العراق.
ويؤكد الخبير التركي أنّ حل هذه التحديات، وإن كان صعباً على المدى القريب، “ليس مستحيلاً”، مشدداً على ضرورة اتباع سياسة مستقرة.
ترك بري