أحجم الإعلام الرسمي الجزائري، حتى الآن، عن مناقشة أسباب رفض منظمة «بريكس» لطلب الجزائر الانضمام إليها، مما يدلّ على حجم الإحراج الذي تعرضت له الحكومة الجزائرية بعد أن رفع رئيسها عبد المجيد تبون آمال مواطنيه بتصريحات عن تحقيق الجزائر لشروط الانضمام لبريكس، باستثناء تصريح خجول لوزير المالية، لعزيز فايد، الذي حضر قمة جوهانسبرغ ممثلا لبلاده، في تعليق عامّ يشير إلى «مقوّمات» حصول بلاده على عضوية المنظمة، ويتجاهل أسباب رفضها.
قام تبون بتدعيم ملف بلاده بتكثيف تحركاته الدبلوماسية مع روسيا والصين، حيث كان الترشح للانضمام أهم ملف في حقيبته خلال زيارتين إلى موسكو في حزيران/يونيو الماضي، وتبعها بزيارة إلى بكين في تموز/يوليو، التي أعلن منها أن بلاده راسلت مديرة بنك «بريكس» كمساهم في البنك بمليار ونصف مليار دولار، كما تحتفظ الجزائر بعلاقات جيدة مع جوهانسبرغ، التي تؤيد الجزائر في نزاعها مع المغرب حول الصحراء الغربية.
إحجام الإعلام الحكومي عن التعليق على ما جرى واستنباط دروس منه قابلته ردود فعل شعبية وسياسية عبرت عن الخيبة والانزعاج، كما فعل جيلالي سفيان، رئيس حزب «جيل جديد» الذي قال إن قمة جوهانسبرغ «سيبقى طعمها مرا».
وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، زاد الإحساس بالخيبة والمرارة، ورشّ ملحا على جرح الجزائر، حين أدلى بتصريح يحاول فيه، على ما يبدو، أن يبرّر فشل الدبلوماسية الروسية في خلق إجماع لدى دول المنظمة الخمس على طلب الجزائر.
قال لافروف إن المعايير التي أخذت في اعتبار دول «بريكس» (لضم الدول الستّ الأخرى: السعودية ومصر والإمارات وإثيوبيا والأرجنتين وإيران) تشمل «وزن وهيبة الدولة» ومواقفها على الساحة الدولية، وأن الدول الست التي تم الإعلان عن أسمائها «تستوفي هذه المعايير» مضيفا أن الجميع «متفقون على أن نوسع صفوفنا من خلال ضم ذوي أفكار مشتركة».
تصريح لافروف سيئ بكل «المعايير» لأسباب كثيرة.
من الناحية الاقتصادية فالجزائر أكبر مصدّر للغاز في أفريقيا، وفيها ثالث أكبر احتياط عالمي للفوسفات وثاني أكبر منجم للحديد، كما أن لديها احتياطات هامة من المعادن النادرة والثمينة. تتفوق الجزائر أيضا على إثيوبيا، التي تمت الموافقة على عضويتها، بحجم الاقتصاد وإنتاج النفط، وعلى الإمارات والسعودية والأرجنتين ومصر وإثيوبيا، بحجم صادرات الغاز، ولا يتفوق عليها بالمساحة سوى الأرجنتين، وعدد سكانها أكبر من سكان السعودية والإمارات ويقارب عدد سكان الأرجنتين. إضافة إلى ذلك فإن للجزائر موقعا استراتيجيا شديد الأهمية بين دول أوروبا ودول الشمال الأفريقي، ودول جنوب الصحراء، وهو ما يمنحها مجالا استراتيجيا للتأثير.
تعترف الجزائر بوجود خلل بسبب اقتصادها الريعي الذي يقوم على النفط والغاز مما يجعله متأثرا بتقلبات أسعار المادتين، أما حجم اقتصادها، حسب البنك الدولي، كان 192 مليار دولار في عام 2022، فقد اعتبره الرئيس الجزائري غير صحيح، وقدّره بـ240 مليارا، كما أن نسبة النموّ فيها أقل من نسب نموّ الدول الأخرى. غير أن تصريح لافروف، على فجاجته، يشير، بطريقة غير مباشرة، إلى الطبيعة السياسية لقرار رفض الجزائر، والذي قيل إن سببه رفض الهند والبرازيل، ولكنّ الخافي في هذا الرفض، قد يكون أكبر من الظاهر!
القدس العربي