منذ العقد الماضي أو قبله أصبحت المرأة عاملا حاسما في السياسة التركية. ففي حين يعتقد الكثيرون أن المؤسسة العلمانية هي التي سهّلت مشاركة المرأة في الحياة السياسية، إلا أن الحقيقة تقول إن القيود التي فرضت على الأجزاء المحافظة من المجتمع التركي هي التي دفعت بالمرأة لتصبح أكثر نشاطا في مجال السياسة.
فبالنسبة لتركيا، وعلى الرغم من أن أحزاب اليمين الوسط واليسار الوسط لها أساليب مختلفة تجاه تمثيل المرأة و فاعليتها في الحياة السياسية، إلا أن نتائج تطبيق هذه الأساليب أنتجت مخرجات متشابهة. ففي حين يبدو أن الأحزاب اليسارية هي الوحيدة الداعمة لتمثيل المرأة، إلا أن جميع الأحزاب تتشارك في التركيز الأيديولوجي تجاه هذا الموضوع.
فأحزاب يمين الوسط – مثلا- تطبّق مفهوم الحصص (الكوتا) الناعمة. ولكنها لا تطبق توزيع الحصص على أساس الجنس، مع أنها تولي اهتماما معيّنا لانتخاب المرأة. فحزب العدالة والتنمية – كحزب يمين الوسط – يؤيد تمثيل المرأة في الحياة السياسية.
الأحزاب والمرأة
في تصريح لصحيفة “ديلي صباح” تقول المحامية اوزليم زنقين – عضو اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول ــ “إن أي حزب في تركيا يريد أن يصل إلى السلطة، لا بد له أن يكسب أصوات الناخبات النساء، وبدون ذلك لن يستطيع الوصول إلى السلطة”. فقبل فوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية الساحقة في انتخابات الأول من نوفمبر لهذا العام، كان الرجال هم المسيطرون على وسائل الإعلام أثناء الحملة الانتخابية، ولكن النساء كن هن اللاعب الحقيقي في الدفع بالدعاية الانتخابية.
فعلى الرغم من بقاء المرأة لسنوات عديدة في وضع غير مشجّع يسيطر عليه الرجال، إلا أن المحامية “زنقين” شاركت في اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية لثلاث سنوات متتالية، حيث قدّمت نموذجا لمدى وجود المرأة كقوة دافعة للتحركات السياسية. حيث تقول “زنقين” أن حزب الشعوب الديموقراطي(HDP)، على سبيل المثال، يبدو ظاهريا أنه حزب يثمّن المرأة من خلال نظامه الرئاسي التشاركي، إلا أن هناك وضع مختلف الآن، لأن أغلب الذين يصوتون لهذا الحزب هم من الرجال. وكذلك الحال في حزب الحركة القومية (MHP) الذي يهيمن عليه الرجال مقارنة بالأحزاب الأخرى. أما النساء في حزب الشعب الجمهوري (CHP) فلهن وجود أكثر وضوحا، إلا أن الحزب لم يستطع إلى الآن جذب الأصوات النسائية في الانتخابات.
كما تؤكّد “زنقين” أن حزب العدالة والتنمية لديه أعلى نسبة من أصوات النساء، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان كان مدركا لأهمية دور المرأة داخل التنظيم الحزبي منذ بداية نشاطه السياسي. كما أن أهم شيء اكتشفه أردوغان هو أن المرأة هي مصدر آليات صنع القرار والتحولات السياسية في تركيا.
ووفقا لدراسة حديثة أجراها مركز الاستشارات والبحوث (جينار)، أن المرأة كعضو مهم في المجتمع، في الغالب تصوت لحزبي العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، بمعنى أن هذه الأحزاب تدين للمرأة بحصولها على مقاعد البرلمان، سواء للحكومة أو للمعارضة. ففي الانتخابات العامة عام 2011 كان 48.7% من الذين صوّتوا لحزب العدالة والتنمية هم من النساء، كما بلغت نسبة المصوتين لحزب الشعب الجمهوري 31.4% من النساء.
التحديات في طريق السياسة
وإذا ما تحدثنا عن فترة “انقلاب ما بعد الحداثة” بتاريخ 28 فبراير 1997، الذي مثّل كابوسا بالنسبة للنساء المحافِظات في حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى، تقول “سيلفا تشام” – الرئيس الحالي لفرع النساء في العدالة والتنمية – “عندما كنت طالبة في جامعة الشرق الأوسط التقنية تم إيقافي لمدة عام كامل بسبب ارتدائي للحجاب. وكانت هذه تجربة فاصلة في حياتي وحياة البنات في عمري. مع أنه لم يكن لدينا رغبة في أن نصبح شخصيات سياسية، إلا أننا اضطررنا لمتابعة الأجندة السياسية. لذلك فالتطورات السياسية هنا غيّرت المرأة المحافِظة”. وبعد عام من تلك الحادثة عادت “تشام” إلى الجامعة و في نهاية المطاف تخرجت وهي تحمل الحماسة لممارسة السياسة بسبب تجربتها السابقة. كما أن هناك العديد من الفتيات ممن اتبعن نفس هذا الطريق نحو السياسة.
وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن النساء المحافِظات تم استبعادهن من قبل المؤسسات العلمانية والرجال المحافظين. فكل امرأة كانت تطالب بالتغيير وتحاول أن تضمن وصول صوت المرأة، كانت تواجه عوائق لا تقهر. وحينها تدخّل الرئيس أردوغان وعمل على أن يكون للمرأة صوتها المسموع. حيث تقول “سيبل أرسلان” التي كانت تشغل منصب رئيس الفروع النسائية في حزب الرفاه إن أردوغان يعتبر الشخص الرئيسي الذي بدأ في تغيير المرأة المحافظة. وتضيف ” إن أردوغان هو من حوّل الهوية السياسية للمرأة من كونها ضحية إلى لاعب قوي، حيث أن المرأة كسبت ثقتها بنفسها، وهذا ما كانت بحاجة إليه، ثم طورت نفسها تعليميا ومهنيا”.
وتضيف “أرسلان” أنه إذا عدنا إلى الماضي، فمرّة كنا ننظّم برنامجا حول ” لمرأة والدستور” في نادي اليخوت بمنطقة “كادا كوي” في إسطنبول. وكان بإمكاننا الحصول على الإذن عبر الهاتف، ولكن عندما رأونا نرتدي الحجاب، تم رفض طلبنا. ولكن أردوغان تفهّم موقفنا و طلب منا الانتظار حتى فوز العدالة والتنمية في الانتخابات. حيث قال بالحرف الواحد: “سيأتي زمان يكون فيه الذين لم يسمحوا لنا بتنظيم فعالية اليوم، يغلقون ستراتهم احتراما لنا، صدقوني نحن نستطيع أن نحقّق ذلك”. وفي النهاية، ما توقعه أردوغان أصبح حقيقة. لقد عملنا بجد وبدون توقف وبإيمان، ففزنا بالانتخابات. وفي مدينة “ببك” بإسطنبول عقد نقاش بعنوان “المرأة والدستور الجديد” حيث طالب المجلس بعدم السماح للكلاب والحجاب في الأماكن العامة، وعلى الرغم من سخافة الطلب، إلا أنه استمر منتشرا إلى فترة ليست بالبعيدة.
كفاح المرأة داخل العدالة والتنمية
المرأة المحافظة لم تحارب فقط لمواجهة التحديات السياسية، ولكنها أيضا كافحت للحصول على مقعد بين الرجال. حيث تقول “زنقين” أن هذه المشكلة ظهرت بسبب النظرة التقليدية المحافظة عند الرجال ومواقفهم تجاه المرأة، حيث كانوا يعتبرونها مصدر تهديد لهم. ففي السابق كان الرجال والنساء يجلسون بشكل متفرّق في اجتماعات الحزب، بالإضافة إلى أن الممثلين لفروع النساء كانوا من الرجال. و عندما رأى أردوغان عزيمة النساء، اقترح خيارا يقضي بتخصيص مكان محدد للنساء حيث يمكنهن العمل بارتياح ويتفاعلن سياسيا مع زميلاتهن النساء بشكل أكثر سهولة. وتضيف أيضا أن النساء ما بين حزب الرفاه إلى حزب العدالة والتنمية تغلّبن على العديد من التحديات، ولكن ما زال هناك العديد من المشاكل المتعلقة بنظرة الرجال المحافظين تجاه النساء المحافظات، كموضوع ظهور المرأة في المجتمع ومشاركتها في صنع القرار.
وتقول ايضا أنه ينظر للرجال كمقاومين للمرأة، ولكن أردوغان هو الاسم الذي كسر هذه القاعدة، ودفع بمشاركة المرأة، خاصة خلال فترة الانتخابات. فأثناء تجهيز قوائم الانتخابات المحلية، حثّ أردوغان رؤساء المدن داخل الحزب على جلب المزيد من النساء إلى القوائم. حيث قال “يجب أن نشعر بالخجل إذا لم يتم انتخاب المرأة، أو عندما يكتب اسمها في آخر قائمة المرشحين، يجب أن نكتب المزيد من أسماء النساء على رأس القوائم بقدر ما نستطيع”.
وتقول “زنقين “إنه من الملاحظ أن العدالة والتنمية لدية 40 امرأة كعضو في مجلس بلديات إسطنبول، وهذا يعتبر أكبر رقم للنساء الأعضاء في المجالس المحلية لأي حزب في تركيا. وقد تسبّبت السياسات الناجحة للعدالة والتنمية تجاه المرأة في تغيير وضع المرأة في الأحزاب الأخرى والمجتمع التركي ككل. بدأ هذا النجاح عن طريق قصة نجاح من امرأة إلى أخرى. وخطوة بخطوة شكّلت النساء سلسلة من النجاحات في الحياة السياسية. هذا التحول بدأ بسبب نظرة أردوغان، وحينها لم تبق المرأة مجرد أداة للعرض، ولكنها تحوّلت إلى لاعب حقيقي في الحياة السياسية. ونتيجة لذلك فقد كوّن حزب العدالة والتنمية علامة نسائية خاصة به أو ما يسمى “المرأة الاستثنائية” التي تعلّم غيرها من النساء داخل الحزب.
دعم حكومي خاص للمرأة
وتؤكّد “زنقين” على أهمية انتخاب المرأة داخل التنظيم الحزبي. فالنساء اللواتي تم انتخابهن داخل العدالة والتنمية يعملن بجد وأضفن قيمة إيجابية للحزب، كما شكّل هذا عاملا تحفيزيا لدى النساء لخلق أهداف ورؤية سياسية في حياتهن. وإذا تساءلنا لماذا تفضّل النساء أن يكون العدالة والتنمية هو من يفوز بالحكومة؟ فالإجابة تكمن في أن العدالة والتنمية يسعى نحو عمل قانون العمل البديل بالنسبة للنساء بحيث تستطيع المرأة أن تعمل وتعتني بأطفالها بشكل أكثر سهولة. يتضمن هذا القانون بعض التعديلات التي تسمح للمرأة بالعمل لأيام محددة داخل الأسبوع، كما يعمل الحزب أيضا على تطوير نظام مرن للعمل بحيث يتم اعتماده رسميا خلال الفترة الحالية للحكومة.
بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن هناك تشريع يتضمن تقديم الدعم المالي للمشروعات الصغيرة التي تديرها النساء. حيث تقول “خديجة أتان” مسؤولة النساء في فرع مدينة “شرناك” أن نظام المشاريع الصغيرة سيساعد النساء على دعم أنفسهن، وخصوصا النساء في مناطق شرق تركيا. وهذا سيساعد المرأة في أن تكون لها كلمتها داخل الأسرة. فعلى المرأة أن تدخل مجال السياسة كمؤثر فاعل، حيث أن سياسة أردوعان تجاه المرأة سهّلت بشكل إيجابي هذه العملية. كما أن حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان سيستمرون في تحسين تمثيل المرأة في جميع المجالات. وهذا لن يتحقق من قبيل المصادفة ولكن سيكون نتيجة مباشرة لسياسات مدروسة وحاسمة
دور مختلف للمرأة
كما تقول “زنقين” أن حزب الشعوب الديموقراطي (HDP) يستخدم النساء لمهمات أخرى، بدلا من إعطائهن الأولوية السياسية. فهو يستخدم النساء كأداة سياسية للتخفيف من خطابة الحاد، لذلك فإن ما يقوم به هذا الحزب ليس حركة نسائية بريئة، لم ولن تكون.
كما تضيف أن الرئيس المشارك للحزب “صلاح الدين دميرطاش” يسرق الأضواء في كل الاجتماعات التي تحضرها “فيغان يوكسك دا” الرئيس المشارك لنفس الحزب. كما أدركت النساء أنه يوجد داخل حزب الشعوب الديموقراطي خطاب مؤيد لحزب العمال الكردستاني وللإرهاب. ولذلك عملت النساء على تخفيف الخطاب الإرهابي الموجّه للعامة. وردا على سؤال لماذا قامت ” يوكسك دا” بدلا من “صلاح الدين دميرطاش” بالتصريح القائل “إننا تعتمد على حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات الحماية الشعبية –الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديموقراطي-” تقول “زنقين” أن هذا تمويه لبشاعة الإرهاب، لكي يظهر في المجتمع على أنه شيء طبيعي.
ولذلك، فإن اختيار النساء في حزب الشعوب الديموقراطي ليس لنوايا بريئة، فجعل المرأة في الصدارة ما هو إلا تكتيك بهدف تخفيف اللهجة الإرهابية لدى الحزب. كما أن هذا الحزب لا يستخدم النساء فقط بل يستخدم الأطفال والشباب أيضا. لذلك نجدهم في مقدمة الصفوف أثناء المظاهرات وأعمال الشغب. كما أن النساء تستخدم كعازل للصدمات بين الإرهاب والمجتمع. ولذلك نجد أن حزب العمال الكردستاني بعد أن يقوم بإثارة المشاكل مع قوات الأمن، يخرج بتصريح قائلا: “لماذا كل هذه التصرفات الأمنية يتم عملها تجاه الأطفال” محاولة منه لإثارة أزمة اجتماعية.
موقع ساسة بوست