حقق النظام الإيراني من خلال صفقة تبادل الرهائن مع الولايات المتحدة مكاسب مالية تسمح له بتجديد موارده المالية وتفكيك العقوبات، لكن الأهم من المكسب المالي أن النظام الإيراني حقق مكاسب سياسية أيضا.
واشنطن – يرى محللون أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الرهائن اتفاق غير حكيم وصفقة كارثية. وتعهدت طهران بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين مقابل 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية وعدد غير معلوم من الإيرانيين المسجونين حاليًا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة إلى أن الإفراج السابق عن 10 مليارات دولار من أموال طهران في العراق قد يكون مرتبطًا بهذا الترتيب. ويعدد المحللون عشرة أسباب تجعل الصفقة كارثية.
وأول هذه الأسباب أن الاتفاق يشجع على المزيد من احتجاز الرهائن، حيث يفسر نظام طهران نجاح مخطط الرهائن مقابل المال بأنه تأكيد لإستراتيجيته. وكان مسؤولون بارزون، مثل محسن رضائي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني والقائد السابق لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، يؤيدون احتجاز الرهائن كتكتيك لتجديد موارد النظام المالية.
أما السبب الثاني فإن الاتفاق يخالف السوابق الناجحة، إذ قامت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتأمين إطلاق سراح السجناء دون دفع فدية، واعتمدت بدلا من ذلك على عمليات المبادلة فقط. وفي حين أن تبادل الأشخاص المذنبين بارتكاب أنشطة شائنة مثل خرق العقوبات وانتشار الأسلحة النووية مع رهائن أميركيين أبرياء ليس بالأمر المثالي، فإنه لا يزال خيارا أفضل من دفع الفدية. وتعود الصفقة الجديدة إلى النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والذي تضمن دفع 1.7 مليار دولار إلى جانب تبادل الأسرى.
◙ مكافأة نظام طهران بالعملة الصعبة وتفكيك العقوبات الأميركية لا يتركان لواشنطن سوى الخيار العسكري
وأما السبب الثالث فيتمثل في الارتفاع الكبير في تكاليف الفدية للفرد، حيث عرضت إدارة بايدن قيمة 6 مليارات دولار لخمسة سجناء بما يعادل 1.2 مليار دولار لكل رهينة. وإذا بلغ إجمالي الحزمة المالية 16 مليار دولار، فإن الفدية سترتفع إلى 3.2 مليار دولار لكل رهينة. وهذا الارتفاع المثير للقلق في مبلغ 340 مليون دولار الذي خصصته إدارة أوباما لكل رهينة، وهو مبلغ باهظ بالفعل في ذلك الوقت، يسلط الضوء على نمط مثير للقلق.
وأما رابعا فإن إطلاق سراح الرهائن سيكون بشكل غير كامل. وعلى الرغم من الامتياز المالي الكبير، فإن بعض الرهائن، مثل شهاب دليلي، المقيم الدائم في الولايات المتحدة، وجامشيد شارمهد، المقيم منذ فترة طويلة في كاليفورنيا، لم يتم إطلاق سراحهم. وردا على سؤال حول سبب عدم كون دليلي جزءا من الصفقة، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن دليلي لم يتم تصنيفه كشخص “محتجز بشكل غير مشروع”. وأدانت طهران دليلي، المسجون منذ سبع سنوات، بتهمة ملفقة وهي “مساعدة وتحريض دولة معادية”، في إشارة على الأرجح إلى الولايات المتحدة.
وأما خامسا فيعبر الاتفاق عن انخفاض النفوذ المالي للولايات المتحدة، فمن خلال تقديم 16 مليار دولار لطهران، تقوض الولايات المتحدة نفوذها المالي على إيران. ويقول مراقبون إن مكافأة النظام الإيراني بالعملة الصعبة وتفكيك العقوبات الأميركية لا يتركان لواشنطن سوى خيار عسكري كوسيلة لثني طهران عن التحول إلى سلاح نووي.
وأما سادسا فإن الاتفاق يعزز القمع في إيران. ومن شأن تدفق الأموال أن يعزز آلة القمع التي يستخدمها النظام، والتي نجت من ثلاث موجات واسعة النطاق من الاحتجاجات على مدى خمس سنوات، مما أدى إلى مقتل وإصابة وسجن عشرات الآلاف.
وستستخدم طهران الموارد المكتشفة حديثا لمكافأة الموالين لها والقوات الأمنية والاستخباراتية، كما فعلت بعد تخفيف العقوبات بموجب الاتفاق النووي المؤقت لعام 2013، والمعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأما سابعا فإن الاتفاق يضعف معنويات الحركة المؤيدة للديمقراطية. ودعت المعارضة الإيرانية إلى تنظيم مظاهرات في إيران وفي جميع أنحاء العالم في السادس عشر من سبتمبر، في ذكرى مقتل مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، على يد شرطة الأخلاق. ويبدو أن الصفقة الجديدة، التي تأتي قبل شهر واحد فقط على الذكرى السنوية، تجعل إدارة بايدن تقف في صف النظام، مما قد يؤدي إلى إضعاف روح المعارضة.
◙ صفقة الرهائن تستحق إعادة التقييم في ضوء العيوب الكبيرة. وإذا رفض بايدن ذلك فيجب على الكونغرس التحرك
وأما ثامنا فالاتفاق يشجع القوى المعادية الأخرى. وفي الوقت الحالي، تحتجز روسيا الأميركيين كرهائن، وقد أبدت الصين استعدادها لأن تحذو حذوها. ونظرًا لأن الاتفاقية علامة ضعف، فقد تشجع الدول والكيانات المتعارضة على القبض على الأميركيين من أجل ممارسة النفوذ على واشنطن.
وأما تاسعا فيشجع الاتفاق تمويل الإرهاب والعدوان الإقليمي. وبعد الانتهاء من خطة العمل الشاملة المشتركة، زادت طهران تمويلها لمنظمات مثل وزارة الاستخبارات، ووزارة الدفاع ولوجستيات القوات المسلحة، والحرس الثوري الإيراني، وكلها ترتكب إرهاب طهران وعدوانها الإقليمي. وتظهر هذه السابقة أن النظام يستفيد من تخفيف العقوبات لتصعيد سلوكه الخبيث في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأخيرا فإن الاتفاق يعتمد على الرقابة القطرية. وكانت قطر من الداعمين الرئيسيين لحركة طالبان، والإخوان المسلمين، وحماس، وغيرها من الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
ويرى محللون أن اعتماد الولايات المتحدة على الدوحة للإشراف على الصفقة، التي يُزعم أنها تتطلب من طهران إنفاق سخاءها الجديد فقط على السلع غير الخاضعة للعقوبات، يثير القلق، لاسيما في ضوء براعة طهران السابقة في تجاوز العقوبات.
ويؤكد هؤلاء المحللون أن صفقة الرهائن تستحق إعادة التقييم في ضوء هذه العيوب الكبيرة. وإذا رفضت إدارة بايدن عكس سياستها، فيجب على الكونغرس التحرك ومنع السلطة التنفيذية من استخدام الحوافز المالية لتسهيل إطلاق سراح الرهائن الأميركيين على مستوى العالم.
العرب