سرقة مصفاة بيجي صفحة جديدة في سيناريو نهب ثروات العراق

سرقة مصفاة بيجي صفحة جديدة في سيناريو نهب ثروات العراق

تتوالى تداعيات فضيحة إعادة معدات مصفى بيجي شمال العراق، الذي جرى تفكيك وسرقة معداته بالكامل من قبل فصائل مسلحة خلال فترة الصراع العسكري بين القوات العراقية وتنظيم «داعش» الإرهابي (2014 – 2017) من دون ان تتطرق الحكومة العراقية إلى الجهة المسؤولة عن أكبر عملية سرقة في العراق رغم علمها بالفاعل.

وجاء إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، استعادة المواد والمعدات المسروقة من مصفاة بيجي التي تسببت بتعطيل أهم منشأة لتصفية المنتجات النفطية في منطقة شمال العراق، ليشكل كشفا عن فضيحة جديدة تؤكد النهب المنظم لثروات العراق من قبل قوى سياسية وميليشيات متنفذة.
وذكر السوداني، خلال لقاء جمعه قبل أيام، بشيوخ ووجهاء عشائر قضاء بيجي بمحافظة صلاح الدين وبحضور وزير النفط وعدد من المسؤولين والنواب أن المعدات والمواد والأجهزة المفصلية التي تمت استعادتها «يمكن أن تكلفنا ملايين الدولارات ولو طلبناها ستحتاج سنوات لتصنيعها». وتابع «اليوم باتت هذه المواد في الموقع، بما يضمن عودة المصفى للعمل بكامل طاقته التصميمية التي ستجعلنا نكتفي ذاتياً في موضوع المشتقات النفطية».
وأوضح رئيس الوزراء «أن استعادة تلك الأجهزة والمواد المسروقة جاءت بتعاون من أحد المواطنين الذي أعلن استعداده للمساهمة في إعادة المواد التي قد تصل حمولتها إلى 100 شاحنة، وأن الأجهزة الأمنية عملت على تأمين وصول المعدات من إقليم كردستان إلى موقعها في المصفى، ووعد «نحن على موعد زمني قريب لتشغيل المصفى بطاقته التصميمية (150) ألف برميل باليوم».
وبدوره أوضح مدير عام مصافي الشمال عدنان محمد حمود أن «الكميات التي ينتجها مصفى بيجي تصل إلى 120 ألف برميل من موقع بيجي، مصفى الصمود في الوقت الحالي بالإضافة إلى 100 ألف برميل من المصافي الخارجية متمثلة بمصفى كركوك ومصفى القيارة ومصفى الكسك ومصفى حديثة ليصبح المجموع النهائي الحالي 220 ألف برميل ينتج يوميا من شركة مصافي الشمال لمختلف مشتقات النفط مثل البنزين والكازويل والمشتقات النفطية الأخرى». وأوضح حمود «ان المصافي بمرحلة تدمير كاملة الآن وعاد الجزء الأكبر منها وباقي الجزء الثاني قيد الإعمار».
ويذكر ان مصفاة بيجي، تم انشاؤها عام 1975 من قبل شركات أجنبية، وكانت معدلات إنتاجها تصل لأكثر من 250 ألف برميل يوميا، وهي تغطي حاجة أغلب محافظات العراق الشمالية. ويقع مصفی بيجي في محافظة صلاح الدين على بعد نحو 130 كيلومترا إلى الشمال من بغداد على طريق بغداد – الموصل.

كشف أسرار سرقة المصفى

وحول خفايا سرقة مصفى بيجي أعلنت لجان برلمانية، بانها على دراية بمكان اختفاء معدات المصفى والجهة السارقة.
ففي تصريحات ولقاءات متلفزة عديدة تابعتها «القدس العربي» كشف النائب هيبت الحلبوسي رئيس لجنة النفط والغاز البرلمانية، جوانب عديدة من فضيحة تفكيك وبيع معدات المصفى من قبل فصائل معروفة.
وضمن الأشياء التي ذكرها الحلبوسي، أن مواطنا كرديا اشترى معدات مصفى بيجي من جهة لم يذكرها، ومؤخرا قام شقيق المتوفي صاحب الصفقة، بإعادة المعدات المسروقة بلا مقابل تنفيذا لوصية شقيقه الذي توفى مؤخرا، والذي كان قد اشتراها من جهة تتحكم بمنطقة المصفى بعد تحريرها من تنظيم داعش.
النائب الحلبوسي أشار إلى أن المعدات كانت موجودة في أربيل وان رئيس الحكومة محمد السوداني رحب بإعادة المعدات المسروقة دون دفع أية تعويضات للمشتري كونها أموالا حكومية مسروقة وقد تمت إعادة المواد من أربيل وبحماية القوات الأمنية وإعادتها إلى المصفى.
وكشف الحلبوسي «نحن على دراية بمكان اخفاء المعدات وكذلك الجهة السارقة» مبينا انه «بفضل حكومة السوداني تمت إعادة هذه المعدات إلى المصفى وبالتالي سيتم تقليل الكثير من الفارق الزمني لإعادة تشغيله».
وتعمد الحلبوسي عدم ذكر الجهة التي قامت بتفصيخ معدات المصفى وبيعها إلى التاجر الكردي أثناء الانشغال بالمعارك مع داعش 2014 – 2027 وقال: «نفضل أن تعلن الحكومة ذلك».
الحلبوسي بين أن المشتري ذهب إلى مرجعية النجف علي السيستاني ومقتدى الصدر لأخذ الفتوى بخصوص الاحتفاظ بالمعدات وبيعها، وانهما رفضا بيع المواد لانها ملك الشعب ومسروقة من الدولة. أما عن أسباب إعادة المواد المسروقة، ذكر الحلبوسي أنها جاءت «تنفيذا لوصية المرحوم التاجر الكردي الذي ذكر فيها انه لم يجد خيرا منذ ان اشترى المواد المسروقة، لذا طلب إعادتها إلى الحكومة».
وفي السياق ذاته، كشف خبراء في الشأن الاقتصادي، معلومات أخرى عن المصفى المسروق، حيث قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في تدوينة بعنوان «معلومات عن المصفى المسروق» إن «الطاقة الإنتاجية لمصفى بيجي 310 ألف برميل يوميا وهو أكبر مجمعات تصفية وتصنيع النفط في العراق».
وأضاف المرسومي، أن «داعش» سيطر على مصفاة بيجي في 24 حزيران/يونيو عام 2014. وتمكنت القوات المسلحة العراقية من استعادة المصفاة من قبضة تنظيم «داعش» في 16 تشرين الأول/اكتوبر عام 2015 لافتا إلى ان «المصفاة تعرضت لأضرار كبيرة إثر العمليات العسكرية التي دارت فيها، من ضمنها خطوط الأنابيب ومرافق التخزين المرتبطة بها، وقد أدى القصف الجوي والقصف بالمدافع ونهب الآلات والمعدات التي تعرضت لها المصفاة إلى تصنيف هذه الأصول على انها مدمرة بالكامل ولا تعمل».
وبين الخبير، ان «أماكن تخزين مواد المصفى المسروقة هي محافظة أربيل في كردستان، وان من قام بشراء المواد المسروقة هو تاجر كردي من أربيل» مشيرا إلى ان «قيمة المواد التي اشتراها التاجر الكردي هي 300 مليون دولار» (رغم أن قيمتها أكبر من ذلك بكثير). وأوضح ان تاريخ إعادة المواد المسروقة هو تموز/آب 2023 وان «الربع الأول من عام 2024 هو تاريخ عودة المصفى للعمل».
وكشف عن أن جهات في مجلس الوزراء ووزارة النفط كانت تعرف بمكان المواد المسروقة منذ عام 2017 وقد شكلت لجانا لإعادة المواد المسروقة ولكنهم لم ينجحوا لأنهم اختلفوا فيما بينهم حول العمولات التي ينبغي الحصول عليها، حسب قوله.
وبمجرد الإعلان عن الفضيحة الجديدة، توالت ردود الأفعال الشعبية والسياسية الغاضبة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وسط دعوات إلى القضاء للتحقيق فيها وكشف السارق ومعاقبته.
فقد دعا عضو حركة حقوق حسين علي الكرعاوي، جهاز الادعاء العام وهيئة النزاهة والقضاء بملاحقة المتورطين وتتبع المعلومات بشأن سراق مصفى بيجي. وقال الكرعاوي في تصريحات، إن «التصدي للسراق تقع بالدرجة الأساس على عاتق المؤسسات المعنية» مبينا أن «هكذا جرائم لا ينبغي السكوت أو التغاضي عنها».
وأكد الكرعاوي، أن «على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن يخرج من قوقعته وأن لا يستثني أحدا وفقا لأية اعتبارات حزبية أو طائفية أو قومية وأن يحاسب جميع الفاسدين بعيدا عن أية محسوبية وكشف المتورطين بسرقة مصفى بيجي».
وفي المقابل وردا على اتهامات لفصائل وميليشيات بالتورط في نهب مصفى بيجي، أعلن زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، أن فصيل العصائب سلّم مصفى بيجي للقوات الماسكة بعد يوم أو يومين من تحريره.
وقال الخزعلي، في مقابلة على محطة «العهد» التي يملكها، إن «العصائب في 2014 و2015 عندما شاركت في تحرير منطقة بيجي لم تمسك منطقة واحدة بعد تحريرها مطلقا» مبينا انه «في اليوم الثاني مباشرة أو بعد يومين كحد أقصى قام مسؤول القوة العسكرية لعصائب أهل الحق بتسليم المصفى إلى القوة الماسكة بوجود ابو مهدي المهندس».
وادعى ان «مصفى بيجي لم يكن تحت عهدة وحماية عصائب أهل الحق بعد تحريره، وان قوات أخرى مسكت المصفى بعد تحريره» مضيفا ان «الكشف عن الجهة التي سرقت مصفى بيجي ليست من مسؤوليتنا» مبيناً أن «أدوات المصفى موجودة في كردستان وهذا كان بعلم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وطالب بها وبعلم حيدر العبادي وطالب بها وبعلم مصطفى الكاظمي ولم يطالب بها وبعلم رئيس الوزراء الحالي وطالب بها».
ويذكر ان أغلب الاتهامات تضع مسؤولية نهب معدات المصفى على عاتق ميليشيات العصائب التي كانت منطقة المصفى تحت سيطرتها عقب تحريرها من تنظيم داعش.
ومع الأسف فإن الفضيحة الجديدة هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، وهي مؤشر على مدى اتساع حجم الفساد ونهب المال العام باستخدام الفصائل المسلحة الذي وصل إليه العراق، وسط عجز الحكومات عن منع وقوع المزيد من عمليات نهب ثروات العراق بل وحتى عن مجرد كشف الجناة والسراق أمام الرأي العام، ما يعكس سطوة ونفوذ وتمادي الفصائل وحيتان الفساد وخروجها عن سيطرة الدولة، مع استمرار نزيف وهدر أموال العراق وحرمان الشعب من خيراته.

القدس العربي