عودة النازحين واللاجئين بين رفض الأسد والتوجهات الدولية

عودة النازحين واللاجئين بين رفض الأسد والتوجهات الدولية

مع الازدياد الملحوظ في حدة التصريحات السياسية الداعية لإعادة اللاجئين، وتغير الموقف التركي والعربي من القضية السورية، وترحيبهم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وازدياد هامش تعاملهم معه بمستويات سياسية ودبلوماسية مختلفة يعود إلى الواجهة الحديث حول مصير ملايين السوريين من النازحين في الداخل السوري أو اللاجئين في مختلف الدول.
ومهما علت تلك التصريحات أو المطالبات وزاد الاهتمام الدولي بقضية عودة اللاجئين، إلا أن الاستجابة الدولية لها تواجه تحديات إنسانية وسياسية معقدة، إذ يتوجب على الجهات الدولية المعنية أن تعمد إلى تسيير العملية وفقاً للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، مما يستوجب ضمان العودة الآمنة والكريمة والطوعية إلى بيئة آمنة ومحايدة، الأمر الذي لن يتحقق ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي حقيقي.
وبذلك، يتمثل التحدي الأول أمام العودة في توفير بيئة آمنة، لا يتعرض العائدون فيها للاعتقال أو القتل، بخلاف ما وثقته بعض الجهات الحقوقية من انتهاكات نفذها نظام الأسد بحق العديد من السوريين العائدين، مما يفرض على القوى الدولية ذات العلاقة تقديم ضمانات ملموسة لحماية العائدين ومنع تعرضهم للتهديد أو الاضطهاد.

الحل السياسي

ويتطلب تحقيق ذلك تعاوناً دولياً لوضع خطة شاملة للتوصل إلى الحل السياسي الشامل في سوريا، والذي يفتح الباب أمام إعادة الإعمار، وبالتالي إعادة تأهيل المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية وسبل العيش المستدامة ويؤمن فرصاً اقتصادية للعائدين، دون أن ينتقص ذلك من ضمان سلامتهم وحصولهم على حقوقهم الأساسية، ومن غير إغفال حق أولئك اللاجئين بحرية الاختيار ما بين العودة إلى وطنهم أو الرغبة بالبقاء في البلد المضيف دون إجبار أو تهديد أو ممارسة الضغط عليهم.
لكن على سبيل الأخذ بالأولويات، ألم يكن على المجتمع الدولي السعي لإقناع النازحين داخلياً بالعودة إلى مناطقهم الأصلية التي أجبرهم نظام الأسد على تركها قبل الحديث عن عودة اللاجئين السوريين من بلدان اللجوء؟ أليست الأولوية لعودة النازحين السوريين المقيمين في مناطق “سوريا الصغرى” متمثلة بمحافظة إدلب والشمال السوري إلى منازلهم؟ فإذا كان السوريون على اختلاف أطيافهم يرفضون مناقشة الفكرة ما دام النظام الأمني الذي هجّرهم مسيطراً على مناطقهم الأصلية على الرغم مما يواجهونه من تحديات مختلفة فما جدوى بذل الجهود الساعية لإعادة اللاجئين والنازحين ما لم تتحقق مطالب السوريين بالتوصل لحل سياسي لا مكان لنظام الأسد فيه.
ويبقى السؤال الأهم: هل يريد الأسد عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطق سيطرته؟ وهل يرغب أو يستطيع تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم؟ الواقع أن نظام الأسد طوال العقود الماضية وخاصة بعد حربه واسعة النطاق على الشعب السوري عمل على إعادة تشكيل ديمغرافيّة المدن السورية بشكل كامل، الأمر الذي يجعل تلك العودة عائقاً أمام مخططه لذلك يرفضها ويعمل على تعطيلها عبر استمرار انتهاج سياساته الأمنية ذاتها، خاصة مع سوء الأوضاع الاقتصادية في مناطقه، كما أن عجز المجتمع الدولي عن تغيير النظام وضبط سلوكه وسياساته يجعل إرادة النظام هي الغالبة.

شروط إنسانية

في حين لا بد من سعي المجتمع الدولي لتحقيق الشروط الإنسانية لعودة نازحي الداخل عودة آمنة، ومن ثم العمل على إقناع اللاجئين في دول الجوار السوري، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل قبل تقديم ضمانات فعلية تضمن أمن وسلامة العائدين من أي تهديد، وتقديم مساعدات مادية لهم، وإعادة جميع ممتلكاتهم التي سرقها أو صادرها نظام الأسد أو الميليشيات التابعة له.
يرى السوريون أن الحل السياسي هو الضامن الوحيد لتحقيق مطالبهم السياسية والاجتماعية، فبدونه لا يمكن لهم أن يأمنوا أنفسهم من الأعمال الانتقامية التي قد ينفذها النظام وأتباعه بحق السوريين الباحثين عن الحرية ممن دفعوا ثمناً باهظاً خلال السنوات الماضية، وإذا كان الحديث عن حل سياسي اليوم خيالياً نتيجة تعطل المسارات السياسية فالمطالبة بعودة السوريين النازحين منهم واللاجئين قبل وجود بيئة آمنة فعلياً غير قابلة للتطبيق كذلك، نظراً لتاريخ النظام في القتل والاعتقالات التعسفية وارتكاب الانتهاكات والذي يحول دون مجرد تفكير السوريين بالعودة.
تؤكد مخاوف السوريين هذه على ضرورة وجود جهود دولية حقيقية مستمرة بين الدول والمنظمات ذات الصلة والجهات الفاعلة المحلية والدولية، تهدف لضمان حقوق وسلامة العائدين من نازحين داخلياً أو لاجئين راغبين بالعودة كأفراد أو مجموعات، إضافة إلى الضغط باتجاه ضمان أن يكون أي تغيير سياسي في مستقبل سوريا مبنياً على أساس حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين الدولية وتحقيق العدالة للضحايا.

القدس العربي