بريكس وغياب المعايير في قبول أعضاء جدد

بريكس وغياب المعايير في قبول أعضاء جدد

سيظل مؤتمر بريكس الخامس عشر، الذي عقد في جوهانسبيرغ بجنوب افريقيا بين 21 و24 أغسطس، وشارك فيه مسؤولون من 60 دولة، علامة فارقة في تاريخ هذا التجمع الاقتصادي المهم، الذي يطمح لتشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب، يطيح بالهيمنة الأمريكية/الأوروبية ويستبدلها بنظام أكثر عدلا وأرحم شروطا وأقل غطرسة ونهبا لموارد دول الجنوب. ولا نشك بأن معظم شعوب الأرض ترحب بهذه الفكرة الرائدة وتنتظر اليوم الذي ترى فيه دول الاستعمار القديم والإمبريالية الجديدة تخر على ركبها وتستسلم أمام هذا المارد الناهض ـ رغم العديد من الثقوب ـ الذي يضم نحو 42% من سكان العالم (قبل التوسيع الأخير) و40% من مساحة العالم ونحو 31% من الاقتصاد العالمي و17% من حجم التجارة الخارجية بما يعادل 44 تريليون دولار.

هناك قانون معروف في العلاقات الدولية: كلما اتسعت العضوية في أي منتظم دولي صعب التوافق وضعف التأثير، خاصة إذا كانت القرارات تؤخذ بالتوافق

الأعضاء الجدد

أهمية هذا أنه ضم ستة أعضاء جدد، أربعة منهم شرق أوسطيون (إيران والسعودية والإمارات ومصر) ودولة افريقية (إثيوبيا) ودولة من أمريكا الجنوبية (الأرجنتين)، من بين 23 دولة تقدمت بطلب العضوية من بينها دول اقتصادية مهمة مثل، إندونيسيا والجزائر وفنزويلا وفيتنام ونيجيريا وبنغلاديش. وهذه أول توسعة للمجموعة بعد انضمام جنوب افريقيا عام 2010 لمجموعة الأربعة المؤسسين: الصين وروسيا والهند والبرازيل. ففي الثلاث عشرة سنة الأخيرة شهدت الصين صعودا خارقا شجعها على التوسيع، فجلبت الكثير من العملاء التجاريين معظمهم من المقربين من الولايات المتحدة، لعل هذه الخطوة تبعدهم أكثر عنها. الصين إذن الرابح الأكبر. وستستمر في السنوات المقبلة على جذب دول الجنوب غير الراضية بشكل عام عن المؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة مثل، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة نفسها. لكن في هذا التجمع لا شك شقوقا واضحة ومنافسة كبيرة، خاصة بين العملاقين السكانيين الهند والصين. وهذا التنافس أدى إلى إقصاء بلد مثل الجزائر وإندونيسيا وغيرهما، بسبب سياسة الإجماع. فالدول المؤسسة الخمس تعمل بآلية التوافق، وأي رفض من أحد الأعضاء لعضو مرشح يتم استبعاد ذلك العضو لغاية التوافق. على طريقة البيانات الرئاسية لمجلس الأمن الدولي، التي لا تصدر إلا بالإجماع، وكي يتم التوصل إلى إجماع تهبط لغة البيان ليصبح البيان خالي الدسم دون مخالب أو أنياب.

معايير قبول الأعضاء الجدد

خاض المحللون عميقا، سلبا وإيجابا، في أسباب هذا التوسيع، ولماذا هذه الدول بالذات دون غيرها. وراحوا يتساءلون ما هي المعايير، إن كانت هناك معايير، التي تقاس بها الأمور ويتم قبول العضوية أو رفضها. تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول المعيار الوحيد الذي أشار إليه، وهو وزن الدولة وقوة تأثيرها وهيبتها، أثار الدهشة أكثر من الإقناع، بل أساء لعدد من الدول التي تعتبر صديقة للاتحاد الروسي أو الصين أو كليهما، فمن أين جاء لافروف بهذا المعيار الغريب؟ وهل دولة مثل إندونيسيا بعدد سكان يزيد عن 270 مليون إنسان واقتصاد قوي بمجموع ناتج إجمالي يصل إلى 1.3 تريليون دولار، ونظام ديمقراطي مستقر وبمديونية قليلة وعضوية في مجموعة العشرين، لا تعادل هيبتها ووزنها دولة مثل إثيوبيا أو الإمارات أو الأرجنتين أو مصر التي تعادل ديونها 88% من مجموع الناتج القومي. والأعضاء الستة الذين أضيفوا قد لا نجد شيئا مشتركا بينهم. هل هو عدد السكان والمساحة الجغرافية؟ أم مستوى دخل الفرد الذي ينخفض عند مصر وإثيوبيا وإيران؟ أم الخلو من المطبات الاقتصادية والسياسية وهذا لا يعمل لصالح مصر ولا إيران ولا إثيوبيا، أم استقرار النظام؟ المنضمون الجدد هم مجموعة غير متجانسة إلى حد كبير. من بينها دولتان من الدول ذات اقتصادات متعثرة، الأرجنتين، الدولة المتخلفة عن سداد الديون، التي عانت لفترة طويلة من التضخم وأزمات قيمة العملة، وهي أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي، تليها مصر، التي تواجه أزمتها الاقتصادية العميقة، وهي ثاني أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي. إثيوبيا مثلا، ثاني أكبر دول افريقيا سكانا، لم تتخلص من شبح المجازر التي ارتكبتها في منطقة تغراي، وأدت إلى تهجير الملايين وقتل عشرات الألوف وانتشار المجاعة وتأجيل الانتخابات وانتهاكات كبرى لحقوق الإنسان. أما إيران فهي تخضع لمنظومة عقوبات قوية وقيمة الريال تصل إلى 41000 للدولار الواحد. لكن لا نشك بأن ضم إيران والسعودية هو المكافأة الصينية لتوقيع اتفاق المصالحة بين البلدين برعاية صينية في مارس الماضي، وهي خطوة مهمة نحو إبعاد السعودية عن الولايات المتحدة، حليفتها الاستراتيجية. وبين مصر وإثيوبيا أزمة سد النهضة والعلاقات بين البلدين متوترة منذ قررت إثيوبيا بشكل انفرادي الاستمرار في ملء السد أولا وثانيا وثالثا، دون الأخذ بعين الاعتبار لمشاغل مصر والسودان. وإذا كان أحد المعايير مساحة الدولة، فهذا يأتي لصالح الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية وإيران، ولكن لا يخدم دولة صغيرة سكانا ومساحة مثل الإمارات، بينما بلد مثل الجزائر يتم استبعادها علما أنها أكبر دولة في افريقيا وذات اقتصاد قوي وناتج دخل قومي يصل إلى 214 مليار دولار. إذن المساحة ليست لها أهمية ولا عدد السكان ولا القوة الاقتصادية ولا الاستقرار السياسي. إذن ماذا؟ الهيبة والمكانة. وليسمح لنا لافروف أن نختلف مع تقييمه، فهيبة إندونيسيا ومكانتها وكذلك الجزائر وماليزيا وفنزيلا ونيجيريا كلها تحمل ثقلا معنويا وقيمة مضافة للقرار الوطني المستقل، قد يثير أحد خلافات الجزائر مع المغرب حول الصحراء الغربية، وهذا مردود عليه، فإثيوبيا متورطة في أكثر من أزمة أولها تغراي وثانيها سد النهضة وثالثها مع الصومال ورابعها مع إريتريا والشريط الحدودي المحتل. وتأثير إيران في دول الجوار، مع أنه مرحب به من بعض الفئات الطائفية، إلا أنه كان سببا في اشتعال النزاعات الداخلية، سواء في اليمن أو لبنان أو سوريا أو العراق، وحرب اليمن أكبر شاهد على ما يجري بين المجموعتين، إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.
والدول الثلاث إيران والسعودية والإمارات، تعتمد أساسا في صادراتها على النفط وهذه ليست أحسن حالة من الجزائر أو فنزويلا من جهة تنويع الاقتصاد. كما أن السعودية والإمارات حليفتان استراتيجيتان للولايات المتحدة، وكل ما يجري في ذينك البلدين مرتبط أساسا بالصناعة الأمريكية والتجارة معها. وإذا عاد الجمهوريون للحكم، فسترى هاتين الدولتين تجنحان إلى مواقعهما الأصلية. فلا يغرنك الأحاديث الإنشائية عن بناء نظام دولي جديد. فكثير من هذه الدول يضع رجلا في معسكر الولايات المتحدة ويضع الأخرى، احتياطا، في معسكر الصين – روسيا. وحتى الهند نفسها هل هي خالية من المشاكل؟ وهل تناسى المجتمع الدولي حجز ستة ملايين كشميري تحت حكم عسكري فاشي بوجود قوة مسلحة تصل إلى 800000 جندي لفرض الأحكام العرفية وإعطاء أربعة ونصف مليون رخصة سكن وبناء للهندوس في إقليم جامو وكشمير، حتى يصبح سكان الإقليم الأصليون أقلية؟ كما أن الهند والصين على وشك التصادم في منطقة حدودية سببت عدة مجابهات عسكرية في الماضي، وكان آخرها قبل أيام عندما كشفت الهند أن الصين تقوم ببناء خنادق ومتاريس ومطارات عسكرية ومهابط للطائرات العمودية والمروحية في منطقة النزاع.

هل التوسيع بالضرورة أكثر تأثيرا؟

هناك قانون معروف في العلاقات الدولية: كلما اتسعت العضوية في أي منتظم دولي صعب التوافق وضعف التأثير، خاصة إذا كانت القرارات تؤخذ بالتوافق. فمثلا الجامعة العربية لا تستطيع ضمان التوافق على شيء حتى إن رفض التطبيع غير مطروح للنقاش، ووقوف أكثر من نصف أعضائها مع غزو العراق. بينما كان مجلس التعاون الخليجي لفترة طويلة أكثر انسجاما، لكن المصالح المتباينة عسفت به وأضعفته. وهناك تجمع اقتصادي كبير اسمه «مجموعة السبعة والسبعين زائد الصين» التي وصل عدد أعضائها إلى 137 دولة، لكنها قليلة الوزن، وخارج الاجتماعات كل دولة تعود لمواقعها وتحالفاتها. وما تتفق عليه مواضيع ثانوية أو هامشية، والتي تشكل قواسم مشتركة مثل الإعفاء من الديون ونقل التكنولوجيا وتقديم المساعدات الإنسانية.
نحن نؤيد المجموعة غير المتجانسة، لكننا بتنا نخشى أن التدخلات الفردية واستخدام قوة المال والاصطفافات السياسية قد تلعب دورا في انتقاء الأعضاء الجدد، دون الأخذ بعين الاعتبار معايير محددة تتعلق بالاقتصاد والاستقرار المالي والسياسي والفرص الواعدة المصحوبة بالإمكانيات. وهذا قد يضعفها ويشتت مواقفها. كما نتمنى على الدول التي لم تدخل هذه المرة أن تستفيد من التجربة وتنظر في المرآة لعلها تدرك أين مكامن الضعف في نظامها السياسي والاقتصادي، وكيف تسد الثغرات لتصبح قوة تدعى للانضمام ولا أحد يستطيع تجاهلها.

القدس العربي