تعبئة شاملة وتضامن شعبي كبير لتجاوز محنة الزلزال في المغرب

تعبئة شاملة وتضامن شعبي كبير لتجاوز محنة الزلزال في المغرب

الرباط- منذ الدقائق الأولى للزلزال العنيف تحركت المؤسسات العسكرية والأمنية والصحية بسرعة قياسية للنجدة والمساعدة. كما تحرك المواطنون للمساعدة في عمليات الإنقاذ ورعاية الجرحى والتبرع بالدم، ضمن تعبئة شاملة وتضامن شعبي يظهر أن المغرب تحرك بإمكانياته الذاتية ولم ينتظر أن تأتي المساعدات الخارجية.

وترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس، مرفوقا بوليّ العهد الأمير مولاي الحسن، جلسة عمل خصصت لبحث الوضع في أعقاب الزلزال المؤلم، الذي خلف خسائر بشرية كبيرة ومادية في العديد من جهات المملكة.

وخلال هذه الجلسة، رفع المسؤولون الحاضرون تفاصيل الإجراءات التي تم اتخاذها من أجل التعامل السريع مع هذه الكارثة الطبيعية الكبرى.

ومن بين هذه الإجراءات، تعزيز الوسائل وفرق البحث والإنقاذ، وتزويد المناطق المتضررة بالماء الصالح للشرب، وتوزيع حصص غذائية وخيام وأغطية على المنكوبين، وضرورة الاستئناف السريع للخدمات العمومية.

وأذن الملك محمد السادس بالإحداث الفوري للجنة بين الوزارات مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال، والتكفل بالأشخاص الذين هم في وضعية صعبة، أو الذين هم بلا مأوى جراء الزلزال، وفتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية.

وتضمنت الإجراءات كذلك تشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية (أدوية، خيام، أسرة، مواد غذائية..) على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث.

وسارعت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بمختلف طواقمها لتأمين جميع المناطق المتضررة والتي سجلت أعدادا كبيرة من الضحايا والجرحى.

ونشرت القوات المسلحة الملكية ليلة الجمعة وبشكل مستعجل وسائل بشرية ولوجستية مهمة، جوية وبرية، إضافة إلى وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والإنقاذ، ومستشفى ميداني.

وذكر بلاغ للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية أنه تم اتخاذ التدابير الضرورية على مستوى القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية والحاميات العسكرية للمملكة، للتواصل والتنسيق مع السلطات المحلية، كما تم نشر وحدات للتدخل، وطائرات، ومروحيات، وطائرات دون طيار، ووسائل هندسية، ومراكز لوجستية على عين المكان بهدف تقديم الدعم الضروري لمختلف القطاعات المعنية والسكان المتضررين.

وتواصل السلطات العمومية تعبئة جميع الوسائل البشرية واللوجستية الضرورية، إضافة إلى تجنيد وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والإنقاذ، فيما تشهد مختلف المؤسسات الصحية بالمناطق المتضررة تعبئة شاملة لتقديم العلاجات اللازمة.

وقالت وزارة الداخلية المغربية في بيان لها إن “عملية الإنقاذ متواصلة منذ ليلة الجمعة، وتتم في ظروف جيدة، كما توجه تحية اعتزاز وتقدير للسكان المحليين على حسهم الوطني العالي وتضامنهم الكبير من أجل تجاوز آثار الزلزال ودعم الجهود المبذولة لهذه الغاية من قبل جميع المصالح المتواجدة بالميدان”.

وقال محمد الطيار الباحث المغربي في الدراسات الإستراتيجية والأمنية إن “المغرب اتخذ منذ سنوات طويلة مجموعة من التدابير لمواجهة الكوارث الطبيعية من قبيل الزلازل والأعاصير وغيرها، وفق رؤية حديثة، من خلال خطط تم وضعها مسبقا في إطار لجنة خاصة بالأزمات مهمتها تفعيل نظام التعبئة لتدبير التهديدات والمخاطر الكبيرة، ومن أجل التصدي لهذه الحوادث التي قد تخلف ضحايا كثرا”.

وأضاف الطيار في تصريح لـ”العرب” أن “السلطات تملك إستراتيجيات وخططا واضحة من أجل التعامل مع آثار هذه الكوارث”، موضحا أنه “تم تخصيص لجان مهمتها التواصل ورصد الخسائر وتتبع مستجدات الحوادث والتنسيق بين مختلف الأجهزة الصحية والأمنية والعسكرية، للتدخل وإجلاء المصابين وتقديم الاسعافات الأولية والمساعدات والإيواء وغيرها”.

ونظرا إلى حجم فاجعة زلزال الحوز المدمر الذي ضرب بقوة مناطق جبلية واسعة بجهة مراكش – آسفي، أطلق المركز الجهوي لتحاقن الدم نداء للسكان من أجل التوجه بكثافة نحو المركز قصد التبرع بالدم لإنقاذ أرواح المصابين.

وتفاعل المواطنون المغاربة سواء في المدن القريبة من الكارثة أو البعيدة كالدار البيضاء والرباط والمحمدية، مع مناشدة آمال دريد، المديرة الجهوية لمركز تحاقن الدم بالدار البيضاء – سطات التي دعت “جميع المواطنين بمختلف أقاليم المملكة إلى التوجه بشكل منتظم وعاجل إلى أقرب مركز لتحاقن الدم من أجل تقديم يد المساعدة إلى الضحايا، مع الحاجة إلى 1000 متبرع بشكل يومي من أجل سد النقص الخطير في مخزون الدعم لمساعدة ضحايا الزلزال بجهة مراكش – آسفي، حيث عرفت العديد من مراكز تحاقن الدم إقبالا كبيرا منها الدار البيضاء.

وقال عمر الشرقاوي الأستاذ الجامعي الذي حضر بأحد مراكز تحاقن الدم بالرباط “اليوم تعلمت دروسا كبيرة من أناس بسطاء جاؤوا للتبرع بالدم، وينتظرون لساعات طوال من أجل ذلك”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “شاهدت كيف هب المغاربة لشراء الماء والحلويات وتوزيعها على الذين ينتظرون أدوارهم للتبرع، ما يؤكد أن هذا السلوك متجذر في المجتمع المغربي”.

وعاشت مدن المغرب سواء القريبة من مركز الهزة العنيفة أو التي شعر مواطنوها بالارتدادات قلقا كبيرا، حيث رصدت “العرب” الساحات الكبرى وحدائق فاس والرباط والدار البيضاء تغص بالأسر والعائلات التي فضلت البقاء خارج منازلها، لبضع ساعات، في العراء، تحسبا لهزات ارتدادية، حيث اصطحبت معها بعض المستلزمات الأساسية والتزمت بالبقاء بعيدا عن البنايات والأعمدة الكهربائية.

وعرفت المدن الصغيرة نزول المواطنين الذين تجمعوا من أجل التضامن، والاستفسار عن حصيلة الأضرار وتطورات تبعات الزلزال خصوصا وأنه لم يسبق للمنطقة أن سجلت هزة بهذه القوة. وفي القرى والمدن القريبة بإقليم الحوز، كشيشاوة وتارودانت وورزازات، أبان السكان المحليون عن مستوى كبير من الوعي وضبط النفس والتضامن مع المتضررين، من خلال مبادرات إنسانية تنم عن حس وطني عميق وتعكس القيم التي تساعد في تجاوز مثل هذه الظروف الاستثنائية.

العرب