لا سبب يدعو إلى عدم تصديق أحد كبار المسؤولين في الهند حين يكشف أن إعداد البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين، التي احتضنتها نيودلهي مؤخراً، استغرق أكثر من 200 ساعة تفاوض متواصلة و300 اجتماع ثنائي و15 مسودة، إذ لا تتوفر في المقابل أسباب وجيهة كافية تتيح اعتبار النص أكثر من توليفة دبلوماسية خجولة، تتحاشى ملامسة الملفات الخلافية الحساسة تفادياً لإغضاب كبار الأقطاب داخل المجموعة.
والحياء الذي طبع لغة البيان بخصوص الاجتياح الروسي في أوكرانيا ومشكلات الوقود الأحفوري وزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة والتغيرات المناخية العاصفة والتعثر في إعادة هيكلة الديون وسواها من المشكلات العالقة، تجعل من المشروع طرح التساؤل عما إذا كانت الدول أعضاء قمة دلهي هي مجموعة الدول ذاتها التي انعقدت قمتها في أندونيسيا قبل سنة واحدة فقط. ففي بالي تضمن البيان الختامي إدانة «بحزم» للحرب في أوكرانيا لأنها «تقوّض الاقتصاد العالمي» وغادر وزير الخارجية الروسي القمة بعد الجلسة الافتتاحية وأناب عنه وزير المالية، وخيّمت أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية على الأجواء والمداولات.
وإذا كان غياب الرئيس الروسي مفهوماً بسبب مذكرة التوقيف الجنائية التي تلاحقه، فإن غياب الرئيس الصيني ألقى بظلال ثقيلة على قمة نيودلهي، ليس لأنها المرة الأولى التي تشهد تغيبه عامداً عن قمة ظلت عزيزة عليه فحسب، بل كذلك لأن مقاطعة القمة تصادق أكثر فأكثر على تفاقم الخصومة مع البلد المضيف حول مسائل جيو ـ سياسية وحدودية وتجارية شائكة. وفي المقابل لم تكن مشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن أقل من إشارة تأكيد إضافية على أن رئيس الوزراء الهندي يمكن أن يواصل تحالفه الوطيد مع واشنطن، من دون أن يقطع الخيوط الرفيعة التي تبقيه على توافق مع موسكو.
وقد يعتبر البعض أن صلات ثنائية من نوع لقاء الرئيس المصري مع الرئيس التركي على هامش القمة، أو نجاح الأخير في تضمين البيان الختامي فقرة خاصة مناهضة لإحراق الكتب المقدسة، أو منح الاتحاد الأفريقي صفة العضوية الدائمة، بمثابة مكاسب لدول الجنوب والاقتصادات النامية. غير أن هذه وسواها حصيلة هزيلة إذ تصدر عن مجموعة تضم الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأندونيسيا وتركيا والسعودية وجنوب أفريقيا، عدا عن ضيوف القمة من ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ومنظمة الصحة وصندوق النقد الدولي. كذلك تبدو النتائج عجفاء قياساً على مجموعة تمثل نحو ثلثَيْ سكان العالم، وما يزيد عن 75٪ من التجارة الدولية، و85٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبعد مؤتمر بالي 2022 تفاءل البعض بنتائج أفضل مع انعقاد القمة في نيودلهي، واليوم يتكرر تعليق الآمال على القمة المقبلة في ريو دي جانيرو، وأما أصحاب النظرة الواقعية إلى قمم المجموعة وتوازناتها الداخلية وصراعات كبار أقطابها، فقد جنحوا إلى تشاؤم معتاد إزاء توصيات تستغرق صياغتها مئات الساعات، لكنها في نهاية المطاف لا تتجاوز الحبر على الورق.