وصل كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، قادما من عاصمة بلاده بيونغ يانغ إلى مدينة فلاديفوستوك الروسية على متن قطاره المدرّع الذي يحتوي، كما يقال، على غرفة كاريوكي، ومركز اتصالات بالأقمار الصناعية، ومنشأة طبية للطوارئ، وسيارته الشخصية الفارهة من ماركة مرسيدس بنز، وطائرة هليكوبتر (في حال اضطرّ للمغادرة السريعة إذا تعرّض لهجوم)!
تابع كيم مثل ساحر في سيرك هذا «المهرجان» الاستعراضي فوصل بسيارته الليموزين إلى قاعدة فوستوشني الفضائية حيث كان فلاديمير بوتين، ينتظره، لمباشرة أول لقاء بينهما وجها لوجه منذ أربع سنوات، وبعد زيارة المركز الفضائي اللامع شرب الزعيمان النبيذ الروسي، وتبادلا بنادق نموذجية من إنتاج مصانع الأسلحة لبلديهما، وأمضى كيم عدة أيام يتجول في أحواض بناء السفن ومصانع الطائرات والمواقع العسكرية، فزار مصنعا للطيران العسكري وشاهد عمليات إنتاج مقاتلات، كما قام برحلة تجريبية لطائرة سو 35.
كجزء من جوّ الاستعراضات الباهرة، التي يشتغل طاقم كيم جون أون بدأب على إخراجها، فقد قامت بيونغ يانغ بإطلاق صاروخين باليستيين، الأول أطلق بينما كان كيم في روسيا، في تذكير رمزي كبير ببرامج كوريا الشمالية الخاصة بالأسلحة النووية والصواريخ الباليستية التي أدت لصدور عدة قرارات لمجلس الأمن الدولي ضدها، وكانت روسيا نفسها قد صوّتت لصالحها.
استبقت الولايات المتحدة الأمريكية لقاء الزعيمين بتحذيرات متكررة من خرق موسكو للعقوبات الصارمة جدا ضد بيونغ يانغ، وفيما تولّت اليابان، حليفة واشنطن، شد الحبل الدبلوماسي للموضوع، حيث كرّر مسؤول رفيع فيها دعوة كيم للقاء رئيس الوزراء الياباني، فإن كوريا الجنوبية، الشقيق ـ العدوّ لكوريا الشمالية، حذرت من عقوبات إضافية على موسكو في حال توصل الطرفان إلى اتفاق تسليح.
كان رد بوتين، بعد انتهاء الزيارة وخلال لقاء حليفه المفضل، الرئيس البيلاروسي أليكسندر لوكاشينكو، أن تعاون بلاده مع كوريا «لا يمثل تهديدا لأي شخص» وتوافق ذلك مع ما قاله نائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف، الذي رافق كيم في جولته، والذي تحدث عن «إمكانية للتعاون في مجال صناعة الطائرات وغيرها من الصناعات» وعلى طريقة الشرطي الطيّب والشرطي العنيف، قام الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بالتأكيد، من جهة أخرى، أنه لم يتم توقيع أي اتفاقيات بين البلدين!
رفع لقاء كيم ببوتين، وتفاصيل زيارته التي دارت حول إمكانيات التعاون في مجال الأسلحة والفضاء، بوضوح، احتمالات حصول اتفاقيات سرّية بين البلدين، وقد تقصّدت روسيا، من جهتها، إعطاء إشارات ملتبسة ومتناقضة في هذا المجال، كما في مجالات أخرى تتطلع بيونغ يانغ إلى تحصيلها من الزيارة، مثل المساعدات الاقتصادية والغذائية، إضافة إلى التعاون العسكري والتكنولوجي، والأمر الواضح الوحيد الذي أكّده بوتين، والذي يعطي دفعة لمظاهر استعراضات العظمة لدى كيم، هو ما يتعلق بالتعاون في مجالات الأقمار الاصطناعية والفضاء، وهو مجال تعرّض لنكسة حين فشلت بيونغ يانغ هذا العام في إطلاق قمر صناعي للفضاء بغرض التجسس (وفي المقابل فقد تعرضت موسكو أيضا لنكسة مؤخرا مع تحطم المركبة الروسية لونا 25 على سطح القمر).
رغم التطوّر الكبير لصناعة الصواريخ الباليستية، فإن بيونغ يانغ ما تزال عاجزة، على عكس موسكو وواشنطن، عن منع تلك الصواريخ من الاحتراق أثناء طيرانها في الفضاء، وتقديم روسيا هذه التقنية سيشكل تهديدا وجوديا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وهي ورقة إضافية يهدد بوتين باستخدامها، بعد أن فقدت ورقة التهديد بالحرب النووية معناها، لكنّ خطر هذا التهديد، مثل أي تهديد وجودي خطير آخر، سيكون تهديدا في اتجاهين.
القدس العربي