حال الصراعات العربية

حال الصراعات العربية

الحرب-على-اليمن

يبدو على سطح الأحداث وكأن الصراعات المحتدمة الدائرة حالياً في العديد من الدول العربية، وعلى رأسها سوريا وليبيا واليمن، في طريقها إلى التسوية. فعندما يطلع القارئ الكريم على هذا المقال يفترض أن يكون وقف إطلاق النار قد بدأ في اليمن تمهيداً لمفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة بين أطراف الصراع الدائر على أرضه منذ سيطر الحوثيون بالتحالف مع نظام «صالح» على العاصمة صنعاء وما تبع ذلك من تداعيات معروفة، كما يفترض أن توقع أطراف الصراع الليبي غداً على اتفاق يمهد لتسوية تحت إشراف الأمم المتحدة أيضاً. ومنذ أيام قليلة نجح مؤتمر فصائل المعارضة السورية في الرياض في تشكيل هيئة يفترض أن تفاوض النظام الحاكم في سوريا على تفاصيل المرحلة الانتقالية في مطلع العام القادم، فهل وصلت الصراعات العربية المستعصية على الحل أخيراً إلى نقاط اقتناع بين أطرافها بأن حلها لا يمكن أن يتم عسكرياً فقط وإنما ينبغي أن تتضمن آلياته بعداً سياسياً واضحاً؟

لعله مما يشجع الإجابة بالإيجاب على هذا السؤال، أن تعقد أبعاد هذه الصراعات وتشابكها وتطور موازين القوى فيها، على ضوء الاستقطابات المحلية والعربية والإقليمية والعالمية، قد أدى إلى حالة التجمد في هذه الصراعات، بمعنى عدم قدرة أي من أطرافها على تحقيق نصر حاسم في وقت سريع وبتكلفة معقولة مادياً وبشرياً بما يرجح أن تفكر في أن تحول نمط صراعاتها من المباريات الصفرية إلى المباريات غير الصفرية، أي تلك التي تحقق الأطراف فيها مكاسب بغض النظر عن ميزان هذه المكاسب، فقد يحصل طرف على مكاسب أقل لكنه لا يخسر كل شيء.

لكن مع ذلك ينبغي ألا يفرط المرء في التفاؤل بأن التحركات المشجعة السابقة سوف تفضي إلى تفاهمات فحلول سريعة للصراعات تمكن من العودة إلى الأوضاع الطبيعية واستعادة الاستقرار، وذلك لأسباب موضوعية مشتركة بين الصراعات، وإن بتفاصيل مختلفة ودرجات متباينة. أول هذه الأسباب أن تلك التحركات تتعلق بالأطراف غير المصنفة كقوى إرهابية وبالتالي فإن التوصل إلى تفاهم بينها لا يلغي حقيقة أن العودة إلى الحالة الطبيعية لن تحدث إلا بعد هزيمة الإرهاب وهذه معضلة أخرى. صحيح أن التفاهم بين الأطراف السياسية التي تنبذ الإرهاب سوف يقوي الجبهة المعادية له، إلا أن هذا لا يعني أن الانتصار عليه بات وشيكاً، والسبب الثاني أن التناقضات بين الأطراف التي رضيت بالتفاوض شديدة حتى الآن وتكفي هنا الإشارة إلى الصراع السوري والخلاف الجذري حول دور الأسد والصراع اليمني ومسألة الشرعية، ويلاحظ أنه لهذا السبب تحديداً لم تتجاوز أية تفاهمات تمت بشأن الصراعات السابقة الخطوات الأولية التي تشير إلى مبادئ شديدة العمومية، كما في الحديث عن حكومة وفاق وطني في ليبيا أو هيئة تتولى الحكم في مرحلة انتقالية في سوريا وهكذا، والشيطان يكمن في التفاصيل دائماً، والسبب الثالث هو التعدد الظاهر لأطراف الصراعات وعلى الأصعدة كافة. وأشير هنا إلى الصراع السوري الذي توجد بالإضافة إلى أطرافه المحلية والعربية أطراف إقليمية مهمة كإيران وتركيا وأطراف عالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية. ولا شك أن عملية التوفيق بين مصالح هذه الأطراف شديدة المشقة أو كما يقول المثل فإنه كلما تعدد الطهاة فسدت الأكلة. وأخيراً وليس آخراً لا يجب أن ننسى الصعوبات الفنية التي يمكن أن تضيف سبباً لا يستهان به لعرقلة أي اتفاق مثل كيفية ضمان وقف إطلاق النار عندما يتم التوصل إليه وتسليم الأطراف أسلحتها حماية للمسار السياسي ومراقبة الانتخابات بعد الاتفاق على إجرائها وغير ذلك.

ليس الهدف من التحليل السابق الحكم على الخطوات الأولى في التحرك من أجل تسوية الصراعات العربية الخطيرة بالفشل ومن ثم بث اليأس من إمكان العودة إلى الأوضاع الطبيعية في الدول التي طالت معاناتها وأصبحت في حفرة من النار فعلاً، وإنما القصد هو التنبيه إلى أننا مازلنا بحاجة لبذل مزيد من الجهود الشاقة للتغلب على المعوقات التي سبقت الإشارة إليها، إن كنا نريد لتلك الخطوات المضي قدماً في طريق الخلاص.

د.أحمد يوسف أحمد

صحيفة الاتحاد الإماراتية