تونس – رفض حزب الشعب الأوروبي دعوات مسؤولين إيطاليين إلى فرض حصار بحري لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو سواحل أوروبا، مطالبا بالعمل الثنائي مع تونس لإيجاد حلول مشتركة في ملف الهجرة. ويأتي ذلك بعد فترة من دعوة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي إلى فرض حصار على الهجرة غير النظامية قرب السواحل التونسية، وهو ما اعتبره مراقبون مسّا بالسيادة الوطنية لتونس.
وتتعرض تونس لضغوط أوروبية متصاعدة بهدف ممارسة المزيد من الرقابة على شواطئها ومنع مغادرة قوارب الهجرة، لكن الرئيس قيس سعيد أكد مرارا أن بلاده لن تكون حارسا لأوروبا بل إنها ستتعاون مع الجانب الأوروبي لمواجهة الهجرة غير النظامية والتصدي لظاهرة الاتجار بالبشر. وقال رئيس حزب الشعب الأوروبي وزعيم الكتلة البرلمانية مانفريد فيبير “علينا إيجاد طريقة لحلّ مشكلة المهاجرين من خلال العمل مع شركائنا التونسيين”.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت مع الوكالات الإعلامية في بروكسل الأربعاء أنّ “فرض حصار بحري محتمل في منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط لمحاولة وقف تدفقات الهجرة ليس قضية مطروحة على طاولة النقاش اليوم (الأربعاء)”.
وبخصوص دور حزب الرابطة، الذي سيعقد مؤتمرا لمجموعة الهوية والديمقراطية في إيطاليا خلال ديسمبر المقبل، ذكر فيبير أنّ “الشعبويين والمتطرفين اليمينيين كحزب البديل من أجل ألمانيا أو غيره، بل وحتى مارين لوبان التي حلت في إيطاليا ضيفة على حزب الرابطة في بونتيدا، لا يريدون حل المشاكل التي تطرحها تدفقات الهجرة”. وتابع فيبير “بل على العكس من ذلك تستفيد هذه القوى السياسية من الإبقاء على المشكلة، لأنها من دونها لا يمكنها أن تزرع بذور القلق في مختلف أنحاء أوروبا”.
وأوضح الرجل الأول في حزب الشعب الأوروبي أن “هذا الطيف من المشهد السياسي، المتطرفين اليمينيين والشعبويين، لا يشكلون حلاً للمشكلة”، مستدركا “لكن موقف الحكومة الإيطالية كان بنّاءً، وكان أنطونيو تاياني أحد المفاوضين الرئيسيين لمذكرة التفاهم” بين الاتحاد الأوروبي وتونس.
واعتبر أنّ “هناك نهجا بنّاءً للغاية من جانب الحكومة الإيطالية، ويسرني أن تكون إيطاليا جزءا من حل المشكلة”. وفي يوليو الماضي وقعت تونس والاتحاد الأوروبي اتفاق شراكة إستراتيجية يهدف إلى مكافحة الهجرة غير النظامية.
وتتضمن الشراكة اتفاقيات بشأن تعطيل نموذج عمل مهربي البشر والمتاجرين بهم وتعزيز مراقبة الحدود وتحسين إجراءات التسجيل والعودة وجميع التدابير الأساسية لتعزيز جهود وقف الهجرة غير النظامية. وتنص مقترحات الاتحاد الأوروبي على مساعدة مالية للاقتصاد الكلي التونسي تصل إلى 900 مليون يورو فور إبرام الاتفاقات اللازمة، فضلا عن تقديم مساعدات إضافية بقيمة 150 مليون يورو يتم ضخها بشكل آني في الميزانية العامة.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “فكرة الحصار البحري مرفوضة، لكن كل دولة ذات سيادة وهي حرّة في اتخاذ قراراتها، وهذا القرار ضدّ حرية التنقل الكونية، ويكرّس هيمنة الدول الغنية على البحر”. وأكّد لـ”العرب”، “اليوم يريدون أن تكون أفريقيا سجنا كبيرا، صحيح أن أوروبا لا يمكنها استيعاب كل تلك الأدفاق الهجرية من دول الجنوب، ولكن لا يمكن أن يكون هناك حصار على السواحل التونسية والليبية، لأن فيه مسّا بالسيادة الوطنية”.
وأضاف الرابحي “اليوم نريد حوارا نديا مع أوروبا، ومن مصلحة أوروبا أن تتعامل مع تونس غنية لا كدولة فقيرة تجاريا واقتصاديا عبر خلق فرص الاستثمار والعمل، وعلى إيطاليا وفرنسا أن تقنعا باقي دول الاتحاد الأوروبي بفكرة أن مخاطر الهجرة غير النظامية ستنعكس على كامل القارّة”. وتعول إيطاليا على مذكرة التفاهم بشأن الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتونس لمواجهة أزمة باتت مستفحلة ودفعت حكومتها إلى طلب الدعم من الأمم المتحدة فيما تريد روما توسيع المذكرة لتشمل دولا أخرى في شمال أفريقيا رغم المعارضة الشديدة من الجزائر.
وتأتي دعوة فيبير إلى التعاون مع تونس بعد أن منعت السلطات التونسية الشهر الجاري وفدا من البرلمان الأوروبي من زيارة تونس ولقاء معارضين ونقابيين وشخصيات من المجتمع المدني، حيث كانت الهجرة من بين المحاور المطروحة. وقال الناشط السياسي المنذر ثابت “اتفاق الهجرة الممضى بين تونس والاتحاد الأوروبي موضوع جدل، وأعتقد أنه إشكال يطرح بقوّة في سياق العلاقة بين تونس وإيطاليا”، متابعا “نحن نتّجه نحو طرح ملف الهجرة في إطار إقليمي أشمل، وربّما ستكون الأمم المتحدة طرفا رئيسيا في تفعيل هذا التفاهم”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب”، “البروتوكول الممضى فيه إشكال قائم بين إيطاليا وألمانيا في علاقة باللاجئين، لكن فرنسا وإيطاليا تعتبران أن الهجرة لها واقع سلبي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار”. واستطرد قائلا “الحصار البحري لا معنى له، بل هو فعل لا يخلو من سلوك عدواني تجاه تونس”. وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية عن مساعدات طارئة لتونس بقيمة 127 مليون يورو لدعم جهود مكافحة الهجرة غير النظامية.
وتربط المفوضية هذه الخطوة بخطة لامبيدوزا المكونة من 10 نقاط والهادفة إلى مساعدة إيطاليا في احتواء تدفقات الهجرة الوافدة من السواحل التونسية والليبية. وبوتيرة شبه أسبوعية تعلن السلطات التونسية إحباط محاولات هجرة غير نظامية إلى سواحل أوروبا وضبط مئات المهاجرين، من تونس أو دول أفريقية أخرى.
العرب