الجزائر – أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مرسوما تنظيميا لمصالح المؤسسة الأولى في البلاد، أعاد من خلاله تفعيل مهام وصلاحيات كبار المسؤولين في مؤسسة الرئاسة بشكل يكرس حكومة ظل تضطلع بمسؤوليات وأدوار مختلفة.
كما جمّع الرئيس الجزائري صلاحيات كوادر المؤسسة من مستشارين وموظفين سامين بين أيدي مدير ديوانه والأمين العام للرئاسة، في خطوة تستهدف إنهاء حالة من الانفلات وتضارب المهام والصلاحيات.
وكشف العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية عن مرسوم رئاسي تضمن هيكلة جديدة لمصالح مؤسسة رئاسة الجمهورية، بشكل يركز المزيد من المهام والصلاحيات المنافسة للمؤسسات الأخرى، لاسيما الحكومة وبعض الدوائر والمديريات الحساسة.
وأعاد المرسوم توزيع المهام والصلاحيات داخل المؤسسة بشكل يحوّل مدير الديوان والأمين العام للرئاسة إلى قاطرة تقود مختلف المديريات والمصالح، لتصبح بذلك سلطة ضاغطة وموجهة لعمل المؤسسات الأخرى، حتى وإن أشار إلى أن العملية لا تنازع الصلاحيات الدستورية للمؤسسات المذكورة.
مرسوم تبون لم يستحدث هياكل جديدة داخل مؤسسة الرئاسة، لكنه قام بتفعيل دوائرها وتعزيزها بصلاحيات ومهام تدعم نفوذ المؤسسة في البنية التنظيمية للدولة
وجاءت الخطوة بعد نحو أربع سنوات من انتخاب تبون رئيسا للبلاد في نهاية عام 2019، وهو تأخر ملحوظ في ضبط عقارب العمل داخل أروقة المؤسسة الأولى في الدولة، الأمر الذي يوحي بأنه يريد إنهاء حالة من الانفلات وغياب الانسجام، بشكل أثار انتقادات عديدة لعمل محيط رئيس الجمهورية.
ويرى متابعون أن مرسوم الرئيس تبون لم يستحدث هياكل جديدة داخل مؤسسة الرئاسة، لكنه قام بتفعيل دوائرها وتعزيزها بصلاحيات ومهام تدعم نفوذ المؤسسة في البنية التنظيمية للدولة، الأمر الذي يطرح مسألة توازن وأدوار مختلف المؤسسات والهيئات، وخاصة الحكومة والبرلمان.
ويكرس المرسوم طبيعة النظام الرئاسي الذي تنتهجه البلاد، ورغبة رئيس الدولة في الرهان على كسب التحديات المطروحة أمامه بواسطة المؤسسة الواقعة تحت وصايته المباشرة، قبل الاعتماد على نتائج المؤسسات التقليدية الأخرى.
وحُددت الصلاحيات الجديدة لمصالح الرئاسة بـ”المتابعة والمشاركة في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية وتوجيهاته وقراراته، وتقدم له تقريرا بذلك، ومتابعة الشؤون الاقـتصاديـة، والـنشاطـات الحكـومـيـة، والقضايا السياسية والمؤسساتية، وتقدم عرضا حول تطوراتها، ومساعدة رئيس الجمهورية، عند الحاجة، في ممارسة صلاحياته ومسؤولياته الدستورية”.
كما مددها إلى “تنظيم وإسناد نشاطات رئيس الجمهورية، ومتابعة النشـــاط الحكومــي، وإعداد حصيلــة لنشاطات المؤسسات والأجهزة التابعة لرئاسة الجمهورية، وتـقـديم عرض بذلك إلى رئيس الجمهورية، وإعلام رئيس الجمهورية بوضعية البـلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبـتـطـورها، وتزويده بالعناصر الضرورية لاّتخاذ القرار بشأنها، وإنجاز جميع الدراسات المتصلة بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو المتعلقة بالطاقة والحث على تنفيذها وتقييم مدى تأثيرها”.
وبموجب المرسوم الجديد يضطلع مدير الديوان بـ”دراسة الملفات السياسية والعلاقات الدولية وتنفيذها، ومتابعة النشاط الحكومي، والقيـــام بتحليله وتـقديم عرض حال بذلك إلى رئيس الجمهورية، ويكلف بهذه الصفة، بـتـنـسـيـق وتـنشـيط نشاطات المستشارين لدى رئيـس الجمهورية، وإعلام رئيس الجمهورية بوضعية البلاد السياسية والاقـتصادية والاجتماعـية والثقافـية، وبتطورها وإمداده بالعناصر الضرورية لاّتخاذ القرار”.
كما يقوم بـ”إرسال إلى السلطات والأجهزة والمؤسسات المعنية قرارات رئيس الجمهورية وتعليماته وتوجيهاته التي تدخل في مجال اختصاصه، ومتابعة تطبيقها، ومتابعة وضعية الرأي العام حول القرارات الكبرى، وضمان التواصل مع الأحزاب السياسية والحركة الجمعوية، وتقييم مستوى تنظـيـم المرافق العمومية وسيرهـا وأدائها على ضوء العرائض والشكاوى التي يرفعها المواطنون والجمعيات، وضمان معالجتها، وتحضير وتنسيق نشاطات الاتصال الموجهة إلى التعريف بتعليـمات رئـيس الجمهـورية وتوجيهاته ونشاطاته”.
ويشرف على “العلاقات مع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، ومتابعة معالجة وتحليل عرائض المستثمرين المتعاملين الاقتصاديين، وكل العرائض الأخرى الخاصة، وذلك بالتنسيق مع المستشارين”.
وحددت مهام الأمين العام للرئاسة بـ”تنظيم مصالح رئاسة الجمهورية وعملها، وتنشيط وتنسيق نشاطات الهياكل التابعة له، وتحضير ميزانية رئاسة الجمهورية وتنفيذها، وإعداد أو المساهمة، عند الاقتضاء، في إعداد ملفات ودراسات وغيرها من العناصر الوثائقية الضرورية لاتّخاذ القرار، وإرسال إلى السلطات والأجهزة والمؤسسات المعنية قرارات رئيس الجمهورية وتعليماته وتوجيهاته التي تدخل في مجال اختصاصه، ومتابعة تطبيقها، وتحديد وتنفيذ إجراءات وكيفيات التعيين في الوظائف والمناصب العليا المدنية”.
ومنذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، طرحت في الجزائر سجالات قانونية ودستورية حول تغول نفوذ مؤسسة الرئاسة، ودور مؤسسات الرقابة والمساءلة المتمثلة في البرلمان، بعد تراجع دور الحكومة لصالح مصالح الرئاسة منذ الفترة التي كان فيها المستشار القوي سعيد بوتفليقة هو العقل المدبر والموجه للشأن العام في البلاد.
ومع ذلك تبقى المؤسسة مفتقدةً إلى بعض الدوائر التي كانت تقع تحت وصايتها منذ حقبة الرئيس الراحل الذي استحوذ عليها، ويأتي على رأسها جهاز الاستعلامات الذي انفردت به قيادة أركان الجيش منذ عام 2019، بإيعاز من قائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وهو ما يؤكد أن كفة التوازنات الكبرى تبقى مائلة لصالح المؤسسة العسكرية.
العرب