مشاكل الطاقة في روسيا والمشهد المتغير للسوق العالمية

مشاكل الطاقة في روسيا والمشهد المتغير للسوق العالمية

 

الباحثة شذى خليل*

لقد كان الدور الذي تلعبه روسيا كلاعب رئيس في قطاع الغاز والطاقة العالمي موضوع اهتمام دولي لفترة طويلة، إذ أن موارد الطاقة الهائلة في البلاد، وخاصة احتياطيات الغاز الطبيعي، جعلتها موردًا رئيسا للأسواق الأوروبية. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية والتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، أثارت تساؤلات حول استدامة هيمنة روسيا على الطاقة وتأثيراتها عليها وعلى أوروبا بصفة عامة.
وتعتمد روسيا في دخلها بنسبة كبيرة على صادرات الطاقة إلى أوروبا، حيث بلغت قيمة صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا نحو 13% من إجمالي الصادرات الروسية في العام 2019، أي أكثر من 50 مليار دولار سنوياً من إجمالي قيمة صادراتها البالغة 425 مليار دولار في العام 2019، حسب بيانات شركة بريطانية.
و قدرت دراسة لأمن الطاقة في وحدة دراسات المناخ وأمن الطاقة بجامعة “برلين” أنّ روسيا تستخدم الطاقة في النفوذ السياسي في أوروبا والتأثير على القرار الأوروبي، وأنّ عدم الاعتماد على الغاز الروسي ضرورة استراتيجية لأوروبا. و أنّ أرباح شركة “غازبروم” الروسية الصافية، وهي الشركة المحتكرة لإنتاج وتجارة الغاز الروسي، قد تبلغ 90 مليار دولار في العام 2021.

وحسب التقديرات ان استغناء أوروبا بشكل كامل عن الغاز الروسي سيكلف غاز بروم خسائر يومية تراوح بين 200 و230 مليون دولار. و في حال الاستغناء فإنّ أوروبا ستحتاج إلى نحو 25% من إجمالي إنتاج الغاز المسال عالمياً، وقال خبراء أنّ أوروبا ستعمل على إيجاد البدائل للغاز الروسي والتي من بينها خفض استهلاك الغاز الطبيعي وبدائل الطاقة المتجددة لخفض الاستهلاك.
وفي السياق طرح الإتحاد الأوروبي خطة تهدف إلى تمكين أوروبا من الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية بشكل كامل بحلول عام 2030 – بما في ذلك فرض إجراءات من شأنها تنويع مصادر الحصول على الغاز واستبدال الغاز كمصدر للتدفئة وإنتاج الطاقة الكهربائية

خسائر قطاع الغاز والطاقة لروسيا:
• العواقب الاقتصادية لروسيا: إن أي انخفاض في صادرات الطاقة يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي لروسيا، مما يجعلها عرضة للتقلبات في أسواق الطاقة العالمية. وبينما تعمل أوروبا على تنويع مصادر الطاقة لديها، فإن دخل روسيا من صادرات الغاز أصبح غير مؤكد على نحو متزايد.
• انقطاع الإمدادات والاعتماد على الغاز الروسي: لاعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي هو طريق ذو اتجاهين. وأي انقطاع في الإمدادات بسبب التوترات أو النزاعات الجيوسياسية يمكن أن يؤدي إلى نقص الطاقة وارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين. لكن هذه التبعية تعتبر سلاحاً ذو حدين بالنسبة لروسيا. فهو يبقي أوروبا معتمدة على الغاز الروسي، ولكنه يترك روسيا أيضاً عرضة للجهود التي تبذلها أوروبا للحد من هذا الاعتماد.
• المخاطر الجيوسياسية: غالباً ما تتشابك التوترات الجيوسياسية مع إمدادات الطاقة. ومن الممكن أن تتصاعد الخلافات حول تسعير الغاز، وطرق خطوط الأنابيب، والخلافات السياسية إلى مواجهات دبلوماسية. يمكن أن تؤثر هذه النزاعات على المناخ السياسي العام في أوروبا، مما يؤثر على علاقات روسيا مع الدول والمؤسسات الأوروبية الرئيسة.
• المخاوف البيئية وانتقال الطاقة: إن سعي أوروبا للحصول على مصادر طاقة أنظف لمكافحة تغير المناخ يعيد تشكيل مشهد الطاقة لديها. ومن الممكن أن يؤدي هذا التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، بما في ذلك الغاز الطبيعي الروسي، إلى خفض الانبعاثات ولكنه يهدد أيضاً حصة روسيا في السوق.
الاستثمار والفجوات التكنولوجية:
لكي يظل قطاع الطاقة والغاز في روسيا لاعباً عالمياً في مجال الطاقة، يحتاج إلى الاستثمار المستمر والتقدم التكنولوجي. ومن الممكن أن يؤدي الافتقار إلى الابتكار والتحديث إلى إعاقة قدرتها التنافسية، خاصة عند مقارنتها بالدول التي تستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة والتكنولوجيات المستدامة.

خاتما خسائر روسيا في قطاع الغاز والطاقة ستكون كبيرة جدا و لها انعكاسات كبيرة على كل من البلاد والأسواق الأوروبية. وإن مشهد الطاقة المتطور، مدفوعاً بالمخاوف البيئية والتحولات الجيوسياسية، يفرض تحديات وفرصاً لمستقبل روسيا.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الراوبط للبحوث والدراسات الاستراتيجية