عثرة دبلوماسية جزائرية جديدة باستعجال الإعلان عن قبول النيجر مبادرتها

عثرة دبلوماسية جزائرية جديدة باستعجال الإعلان عن قبول النيجر مبادرتها

الجزائر- سجلت المبادرة الجزائرية حول أزمة النيجر تطورات متسارعة حملت في طياتها تضاربا في الروايات بشأن موقف أهم الجهات المعنية بها، وهو المجلس العسكري الحاكم في البلاد الذي نفى قبوله بالمبادرة على عكس ما قالت الجزائر.

وفي ما كشفت الجزائر عن تلقيها تأكيدا بقبول مبادرتها، أصدر المجلس العسكري تصريحات نفى فيها قبوله بالمبادرة، وهو ما يضع مصداقية الجزائر في موقف صعب في ظل تساؤلات إن كان هناك طرف ثالث قد دخل على الخط وضغط على المجلس العسكري للتراجع من أجل إجهاض المبادرة الجزائرية في المهد.

ونفى المجلس العسكري الحاكم في النيجر أن يكون قد قبل بالمبادرة السياسية التي أطلقتها الجزائر نهاية شهر أغسطس الماضي من أجل حل أزمة النيجر بطرق سلمية وبعيدا عن أي تدخل عسكري، وذلك في أعقاب صدور بيان عن الخارجية الجزائرية أشار إلى قبول النيجر للمبادرة، واستعداد الجزائر لإيفاد وزير خارجيتها أحمد عطاف إلى نيامي لمباشرة مشاورات مع المجلس العسكري والأطراف الفاعلة في المشهد النيجري.

المجلس العسكري لن يقبل بمبادرة ليست في صالحه وتخدم نظام الرئيس السابق محمد بازوم والجهات التي تقف وراءه داخليا وخارجيا

وقبل ذلك، أعلنت الجزائر عن تلقيها ردا من المجلس العسكري في النيجر يفيد بالموافقة على مبادرتها للوساطة لإعادة النظام الدستوري في البلاد، وتجنيبها مخاطر أيّ تدخل عسكري خارجي قد يجر المنطقة إلى توتر مفتوح على جميع الاحتمالات.

وذكرت وزارة الخارجية الجزائرية أنها “تلقت عبر وزارة خارجية جمهورية النيجر مراسلة رسمية تفيد بقبول الوساطة الجزائرية الرامية إلى بلورة حل سياسي للأزمة القائمة في هذا البلد الشقيق”.

وأضافت “هذا القبول بالمبادرة يعزز خيار الحل السياسي للأزمة في النيجر ويفتح المجال أمام توفير الشروط الضرورية التي من شأنها أن تسهل إنهاء هذه الأزمة بالطرق السلمية، بما يحفظ مصلحة النيجر والمنطقة برمتها”.

غير أن الرد كان صادما ومفاجئا من وزير خارجية النيجر بنفيه قبول السلطة القائمة في البلاد لمبادرة الجزائر، وهو ما يعني اتهاما ضمنيا للجزائر بافتعال الموافقة والإيهام بأن مبادرتها باتت وثيقة صالحة للتفاوض بين مختلف مكونات الأزمة في النيجر.

ويستبعد مراقبون أن يقبل المجلس العسكري بمبادرة ليست في صالحه وتخدم نظام الرئيس السابق محمد بازوم والجهات التي تقف وراءه داخليا وخارجيا، مشيرين إلى أن فكرة الحوار بين المجلس العسكري والرئيس المعزول يعني عمليا إلغاء الانقلاب ونزع الشرعية عنه، فهل يمكن أن يقبل المجلس بمبادرة تلغي دوره وتعيد الشرعية إلى خصومه.

وتركز المبادرة على اقتراح مرحلة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر “لبلورة وتحقيق حل سياسي يضمن العودة إلى النظام الدستوري والديمقراطي في النيجر”، وأن تتم الترتيبات السياسية اللازمة تحت “إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية”.

ويظهر سعي الجزائر من وراء الترويج لقبول مبادرتها حاجتها إلى أيّ مكسب دبلوماسي لتوظيفه في تسويق صورتها داخليا والتغطية على تراجع تأثيرها داخل القارة الأفريقية، في مقابل توسع تأثير بعض خصومها الإقليميين وخاصة المغرب.

ولا يستبعد الجزائريون فرضية دخول طرف ثالث على الخط لإفشال المبادرة، خاصة من التحالف المشَكل حديثا برعاية روسية من طرف مالي وبوركينا فاسو والنيجر حول الدفاع المشترك، في وقت تبدو فيه الجزائر قد تصرفت بمفردها في تقديم المبادرة من دون التنسيق مع روسيا ذات النفوذ المؤثر في المنطقة.

ورغم أن المبادرة الجزائرية تهدف إلى منع اشتعال حرب داخل النيجر خوفا من اتساع تأثيرها إلى الأراضي الجزائرية وفتح الباب أمام الجماعات الإرهابية لتهديد أمنها، إلا أنها مبادرة تصب عكس رغبة موسكو وتبدو وكأنها تريد الإبقاء على الدور الفرنسي في الجارة الجنوبية بإعادة نظام الرئيس بازوم إلى الواجهة.

وجاء بيان وزارة الدفاع النيجرية حول مقتل 29 جنديا في مناطق محاذية مع مالي على يد من وصفتهم بـ “متمردين” من التنظيمات الجهادية الناشطة في المنطقة، ليزيد من حجم المخاوف الجزائرية من تدهور الأوضاع الأمنية بالقرب من حدودها الجنوبية، خاصة في ظل هشاشة جيوش حكومات المنطقة، مقابل صعوبة التضاريس الجغرافية وطول شريط الحدود البرية.

ومن شأن هذه المعطيات الميدانية أن تجعل الأمن الاقليمي للبلاد في حالة خطر، من تفاقم نشاط المجموعات الإرهابية وعصابات التهريب والهجرة السرية، إلى جانب تهديد استثماراتها في المنطقة، على غرار أنبوب الغاز الأفريقي، ومشروع استخراج النفط في شمال النيجر، ومد خطوط الألياف البصرية والطريق الصحراوي.

ولا زال الغموض يكتنف الموقف الحقيقي للمجلس العسكري الحاكم في النيجر، حيث تضاربت الروايات بين رفض مطلق وبين رفض مشروط للمبادرة الجزائرية.

وتحدثت تقارير عن أن المجلس العسكري يعترض على مدة الفترة الانتقالية التي حددها بثلاث سنوات، بينما تنص المبادرة الجزائرية على ستة أشهر، لكنها تركت الباب مفتوحا أمام تعديل تفاصيل البنود الستة التي كشفت عنها، وفق ما أسمته بـ”مسارات النقاش والمشاورات بين الأطراف المعنية”.

وقالت تقارير إعلامية أفريقية وفرنسية إن “المجلس العسكري الحاكم في النيجر وافق على مبادرة الجزائر للوساطة لإعادة النظام الدستوري، لكنه ذكر أن الفترة الانتقالية يحددها منتدى وطني شامل”.

وأضافت “أعربت خارجية النيجر عن استعداد السلطات النيجرية لدراسة عرض الجزائر للوساطة، وذلك بعد ساعات قليلة من الإعلان الجزائري. لكن بيان النيجر أشار إلى أن مدة الفترة الانتقالية سيتم تحديدها فقط من خلال منتدى وطني شامل، وليست ستة أشهر وفق ما هو متداول”.

وتتضمن المبادرة الجزائرية، ستة بنود تتمحور حول “فترة انتقالية من ستة أشهر تفضي إلى تعزيز مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية، وصياغة ترتيبات بموافقة جميع الأطراف دون إقصاء لأيّ جهة تحت إشراف سلطة وطنية تتولاها شخصية وطنية تحظى بقبول جميع الأطراف في النيجر”.

وتحث على “مبدأ المقاربة السياسية، وتقديم الضمانات لكل الأطراف وقبولهم من كل الفعاليات في الأزمة، والمقاربة التشاركية من أجل ضبط تلك الترتيبات، وتنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل بهدف حشد التمويلات اللازمة لتجسيد برامج تنمية في المنطقة، مما يضمن الاستقرار والأمن”.

العرب