تتعرض عملية إصلاح مدونة الأسرة في المغرب لحملة تشويه ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع منظمات حقوقية إلى التحرك والتحذير من مغبة الانسياق خلفها.
الرباط – تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تعديلات مزعومة لمقترحات واردة في مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) المقبلة، أثارت القلق في صفوف المغاربة.
وتم رصد عدد من المنشورات والتدوينات التي تتضمن أخبارا مضللة حول الموضوع، اعتبرها حقوقيون محاولة لتقزيم وتشويه عملية إصلاح مدونة الأسرة وتجييش الرأي العام.
وتفاعل عدد من المنظمات الحقوقية والنسوية مع ما يدور من شائعات تروّج لفكرة أن “المدوّنة القادمة تمثّل تهديداً لمكانة الرجل الاعتباريّة في الثقافة الشعبيّة المغربيّة”، وردود الفعل التي تمظهرت في تلويح المئات من المغاربة بـ”العزوف عن الزواج” إذا تمّ اتخاذ ما يروج بصفة نهائية وقانونيّة.
وحذرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان من بعض التصريحات والمواقف التي تسيء وتشوش على عملية تعديل مدونة الأسرة، فيما أعلنت منظمة النساء الاتحاديات (تابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي) عن متابعتها باستياء واستغراب لمجموعة من المنشورات والحملات التي تصاعدت ضد التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، على منصات التواصل الاجتماعي خصوصا وبعض المواقع الإعلامية.
وأفادت المنظمة بأن المنشورات والتدوينات التي تتضمن أخبارا كاذبة يتم تقاسمها بكثافة في شبكات المحادثات الفورية، وتعتبر تشويشا لا مبرر له لورش وطني مستعجل، يهم واحدة من أهم اللبنات الاجتماعية المتمثلة في الأسرة، والقاسم المشترك بينها هو ادعاء وجود نصوص معينة في التعديلات المرتقبة، مرتبطة بقضايا خلافية من قبيل الوصاية والنفقة وتقاسم الممتلكات بعد الطلاق وغيرها، مع العلم أن اللجنة المكلفة بالتشاور ووضع المسودة الأولية للتعديلات المرتقبة تكونت للتو، ولم تشرع في مناقشة أي صياغة أو تعديل مفترض.
وأشارت منظمة النساء الاتحاديات، في بلاغ وصلت نسخة منه إلى “العرب”، إلى أن بعض التصريحات والكتابات تنحو منحى التمييع خدمة لأجندة تروج للتشويش على عمل اللجنة، وعلى آلية الاشتغال التي وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس كافة المتدخلين لاحترامها، من أجل الوصول إلى تعديلات منصفة لكافة أطراف العلاقة الأسرية.
وتأتي الحملة التي بدت ممنهجة مع شروع الأطراف المعنية في مراجعة مدونة الأسرة في المملكة، والتي تحظى باهتمام من العاهل المغربي.
وكان الملك محمد السادس وجه في وقت سابق رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تضمنت حدود المراجعة بـ”إصلاح الاختلالات وتعديل المقتضيات التي تجاوزت فعلاً تطور المجتمع والقوانين الوطنية”.
وشدد العاهل المغربي على أن “الاجتهاد البنّاء هو السبيل لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية، في حين تظل المرجعيات والمرتكزات بلا تغيير، وتتعلق بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من الدين الإسلامي، والقيم المنبثقة من الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
وتلاقي التعديلات المنتظرة مخاوف قوى إسلامية ومحافظة، رغم تأكيد الملك محمد السادس على أنها يجب أن تكون متوازنة وأن تراعي المرجعية الدينية.
منظمة النساء الاتحاديات دعت إلى التحلي بالمسؤولية والابتعاد عن التشويش والتهويل والبحث عن المشاهدات والمتابعات والمشاركات المعروفة بانتهاج سبيل التضليل
وأدانت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بعض الحملات من طرف “بعض المدونين المعروفين بالتفاهة وببث معطيات وأخبار كاذبة تسيء لهذه المحطة المهمة في مسار بلدنا وفي مسار حقوق المرأة والأسرة”، وطالبت الرابطة وزير العدل بـ”العمل خارج إطار التصريحات غير المسؤولة التي تفقد أي عمل إصلاحي أو تشريعي قيمته في المجتمع”.
وتناقلت حسابات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي معلومات غير دقيقة وغير موجودة بخصوص مدونة الأسرة، كأن الأمر قد حُسم بشكل نهائي، والواقع أنه لا شيء يوجد إلى حد الآن للحديث عنه.
وزعمت منشورات أن حضانة الأطفال تعود إلى المرأة حتى بعد زواجها مرة أخرى، وأن النفقة تبقى سارية المفعول رغم زواج المرأة، وفي حالة الطلاق يعود منزل الإقامة إلى المرأة وإن كان باسم الرجل، كما أن الزوجة من حقها أن تسافر إلى الخارج في أي وقت أرادت، ومن حقها أخذ 20 في المئة من مدخول الزوج.
وأكد محمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن هناك من يسعى “عن سوء نية إلى تقزيم الموضوع وتشويهه عبر استدعاء المخزون الثقافي والاجتماعي المستهدف للمرأة وحقوقها وأدوارها المجتمعية البارزة والتي لا تقبل أي إنكار”.
وشدد الحقوقي ذاته، في تدوينة عبر حسابه على موقع فيسبوك، على كون “مدونة الأسرة قضية مجتمع، قضية كرامة وعدالة ومواطنة وحقوق وواجبات”، منتقدا في الآن نفسه “تسفيه القضية واستباق أي تطور إيجابي محتمل في قضية مدونة الأسرة”.
وأضاف أن هناك من “لا يدخر جهدا في الترويج للإشاعة واحتراف الكذب والإحالة على قضايا ليست موضوع المدونة (الحريات الفردية، الشذوذ الجنسي، الدعارة…)”.
ويرى الغلوسي أن الغاية من إشاعة “الأكاذيب” هي “تجييش الرأي العام” عبر توظيف كل الوسائل والأساليب التي وصفها بـ”القذرة” لنشر “الخلط والغموض والالتباس”، مبرزا أن الأمر بلغ حد “اختلاق نصوص في المدونة رغم أنه إلى حدود الآن مازالت اللجنة لم تضع أية نصوص”.
ودعت منظمة النساء الاتحاديات إلى التحلي بالمسؤولية والابتعاد عن التشويش والتهويل والبحث عن المشاهدات والمتابعات والمشاركات المعروفة بانتهاج سبيل التضليل والكذب والتخويف بغية استثمار تخوفات غير مبررة.
في المقابل عبرت الجمعية المذكورة عن ارتياحها لإسناد الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والتأكيد على إشراك الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
وانطلقت الجمعة أولى اجتماعات اللجنة لمراجعة مدونة الأسرة مكونة من وزير العدل والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، تنزيلا للتعليمات الملكية المتضمنة في الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة بهذا الخصوص، حيث أكد على أن المدونة “ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”.
وأكد الغلوسي في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن قضية المدونة قبل أن تكون قضية نصوص قانونية هي “قضية تصالح المجتمع مع نفسه واعتراف بحقوق إنسانية وبحقائق موضوعية دامغة لا تقبل المصادرة بُغْية إرضاء بعض العقليات المتشبعة بتقاليد وأفكار تنتمي إلى بيئة متأخرة تاريخيا ولا تعير التطورات الكمية والنوعية الحاصلة في المجتمع اهتماما لأن ذلك لا يهمها في شيء”.
العرب