يتجاوز التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل وأذربيجان العلاقة الدفاعية ومبيعات الأسلحة ونقل التكنولوجيا، إذ تجد تل أبيب في التوتر المتصاعد في جنوب القوقاز مدخلاً لها ضد عدوّتها اللدود إيران.
القدس – يقول المسؤولون والخبراء إن إسرائيل ساعدت بتكتم كبير مساعي أذربيجان لاستعادة ناغورني قره باغ بعدما زودتها بأسلحة قوية قبل هجومها الشهر الماضي والذي مكّنها من استعادة الجيب العرقي الأرمني.
وحددت بيانات تتبع الرحلات الجوية والدبلوماسيون الأرمن أن طائرات الشحن العسكرية الأذرية تنقلت بين قاعدة جوية في جنوب إسرائيل ومطار بالقرب من ناغورني قره باغ قبل أسابيع فقط من شن أذربيجان هجومها الذي استمر 24 ساعة في 19 سبتمبر الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الحكومات الغربية تحث على محادثات السلام.
وتقول إيزابيل ديبري في تحليل على موقع أسوشيتد برس إن الرحلات الجوية أزعجت المسؤولين الأرمن في يريفان الذين يشعرون بالقلق منذ فترة طويلة بشأن التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل وأذربيجان، كما سلطت الضوء على مصالح إسرائيل الوطنية في المنطقة المضطربة الواقعة جنوب القوقاز.
وقال سفير أرمينيا لدى إسرائيل أرمان أكوبيان لوكالة أسوشيتد برس “يعتبر سيناريو إطلاق الأسلحة الإسرائيلية على شعبنا مصدر قلق كبير”. وذكر في موجة من التبادلات الدبلوماسية أنه أعرب عن قلقه للسياسيين والمشرعين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة بشأن شحنات الأسلحة القادمة من بلادهم. وصرّح “لا أفهم لماذا لا تعبر إسرائيل على الأقل عن بعض القلق بشأن مصير الأشخاص الذين يطردون من وطنهم”.
وذكر الخبراء أن الهجوم الخاطف الذي شنته أذربيجان في سبتمبر باستخدام المدفعية الثقيلة وقاذفات الصواريخ والطائرات دون طيار التي وفرتها إسرائيل وتركيا أجبر السلطات الانفصالية الأرمنية على إلقاء أسلحتها والجلوس لإجراء محادثات حول مستقبل المنطقة الانفصالية.
وحدد المسؤولون أن الهجوم الأذري تسبب في مقتل أكثر من 200 أرمني في الجيب، كانت غالبيتهم من المقاتلين، ونحو 200 جندي أذري. وترى ديبري أن التداعيات تتجاوز الجيب المضطرب الذي تبلغ مساحته 4400 كيلومتر مربع. ودفع القتال أكثر من 100 ألف شخص (أكثر من 80 في المئة من سكان المنطقة من أصل أرمني) إلى الفرار خلال الأسبوعين الماضيين. وتعهدت أذربيجان باحترام حقوق الأرمن، فيما تصف أرمينيا النزوح بأنه شكل من أشكال التطهير العرقي.
ورفضت وزارتا الخارجية والدفاع الإسرائيليتان التعليق على استخدام الأسلحة الإسرائيلية في ناغورني قره باغ أو على مخاوف أرمينيا بشأن شراكتها العسكرية مع أذربيجان. وزار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في يوليو العاصمة الأذرية باكو وأشاد بالتعاون العسكري بين البلدين و”الحرب المشتركة ضد الإرهاب”.
وتتعدد مصالح إسرائيل في أذربيجان التي تعد مصدرا مهما للنفط وحليفا قويا ضد عدوتها إيران، كما أنها مشتر مربح للأسلحة المتطورة. وقال سفير إسرائيل السابق لدى أذربيجان أركادي ميلمان “لا يوجد شك في موقفنا الداعم للدفاع عن أذربيجان. تجمعنا شراكة إستراتيجية لاحتواء إيران”.
وأصبح لإسرائيل الآن، بعد أن كانت محدودة الموارد الطبيعية، الكثير من الغاز الطبيعي قبالة ساحلها على البحر المتوسط، لكن أذربيجان لا تزال توفر ما لا يقل عن 40 في المئة من احتياجاتها النفطية، وتحتفظ بالسيارات والشاحنات على طرقاتها. ولجأت إسرائيل إلى باكو في أواخر التسعينات، وأنشأت خط أنابيب للنفط عبر مركز النقل التركي في جيهان، مما عزل إيران التي استفادت في ذلك الوقت من تدفق النفط عبر خطوط أنابيبها من كازاخستان إلى الأسواق العالمية.
ولطالما كانت أذربيجان متشككة في إيران، جارتها المسلمة الشيعية على بحر قزوين، وأغضبها دعمها لأرمينيا المسيحية الأرثوذكسية. واتهمت إيران أذربيجان باستضافة قاعدة لعمليات استخباراتية إسرائيلية ضدها، وهو ادعاء تنفيه كل من أذربيجان وإسرائيل. وقال مبعوث أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي تيغران بالايان “يبرز لنا أن لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على وجود عسكري في أذربيجان، واستخدام أراضيها لمراقبة إيران”.
وكان المتعاقدون العسكريون الإسرائيليون أكبر المستفيدين من العلاقات الوثيقة بين البلدين. ويقدر الخبراء أن إسرائيل زودت أذربيجان بما يقرب من 70 في المئة من ترسانتها بين 2016 و2020، مما منحها تفوقا في مواجهة أرمينيا وعزز صناعة الدفاع الكبيرة في إسرائيل. وقال بيتر ويزمان وهو كبير الباحثين في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي يتتبع مبيعات الأسلحة، إن “الأسلحة الإسرائيلية لعبت دورا مهما للغاية في تمكين جيش أذربيجان من الوصول إلى أهدافه”.
وذكر ويزمان أن الصواريخ الإسرائيلية بعيدة المدى والطائرات دون طيار المتفجرة المعروفة باسم الذخائر المتسكعة عوضت القوة الجوية الأذرية الصغيرة، وضربت في بعض الأحيان في عمق أرمينيا.
وأضاف أن صواريخ أرض – جو الإسرائيلية من طراز برق – 8 حمت المجال الجوي الأذري وأسقطت الصواريخ والطائرات المسيرة. وأعلنت وزارة الدفاع الأذرية قبل الهجوم الذي شُن الشهر الماضي أن الجيش أجرى تجربة لصاروخ برق – 8. ورفضت مطورته، شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، التعليق على استخدام أذربيجان لنظام الدفاع الجوي والطائرات القتالية دون طيار.
لكن أذربيجان أبدت إعجابها بنجاح الطائرات الإسرائيلية المسيرة في اختراق الدفاعات الأرمنية وترجيح كفة الميزان في الحرب الدموية التي استمرت ستة أسابيع في 2020. ووصف وزير دفاعها خلال 2016 الطائرة القتالية دون طيار التي صنعتها إسرائيل بأنها “كابوس للجيش الأرمني” الذي دعم الانفصاليين في المنطقة خلال صراع أذربيجان مع ناغورني قره باغ خلال العام نفسه.
وأمكن التقاط صور للرئيس الأذري إلهام علييف سنة 2021 التي شهدت الاشتباكات على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وكان يبتسم وهو يلمس الطائرة الإسرائيلية الانتحارية الصغيرة دون طيار “هاروب” خلال عرض للأسلحة. ونشرت إسرائيل طائرات دون طيار انتحارية مماثلة خلال غارات الجيش القاتلة ضد المسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
◙ مصالح إسرائيل تتعدد في أذربيجان التي تعد مصدّرا مهما للنفط وحليفا قويا ضد إيران كما أنها مشتر مربح للأسلحة
وقال سفير أذربيجان لدى إسرائيل مختار محمدوف لأسوشيتد برس، متحدثا بشكل عام عن دعم إسرائيل للجيش الأذري “نحن سعداء بهذا التعاون، لقد كان داعما لنا للغاية ومفيدا للدفاع. إننا لا نخفي ذلك”. وفي لحظة حاسمة خلال مطلع سبتمبر، وبينما عمل الدبلوماسيون على تجنب التصعيد، أظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية تدفق طائرات الشحن الأذرية على قاعدة عوفدا العسكرية في جنوب إسرائيل الموجود بها مهبط طائرات يبلغ طوله 3 آلاف متر، والمعروف بأنه المطار الوحيد في إسرائيل الذي يصدر المتفجرات.
وحددت أسوشيتد برس ما لا يقل عن ست رحلات جوية تديرها شركة طيران سيلك واي الأذرية، وهبطت في مطار عوفدا بين 1 و17 سبتمبر من باكو، وفقا لموقع تتبع الطيران فلايت رادار 24. وشنت أذربيجان هجومها بعد يومين. وبقيت طائرة النقل العسكرية روسية الصنع من طراز إليوشن إي أل – 76 على مدرج مطار عوفدا لعدة ساعات خلال تلك الأيام الستة قبل أن تغادر إما إلى باكو أو كنجه ثاني أكبر مدينة في البلاد، وتقع شمال ناغورني قره باغ مباشرة.
وحدّد تحقيق أجرته صحيفة “هآرتس” في مارس أنه أحصى 92 رحلة شحن عسكرية أذرية إلى مطار عوفدا خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020. ووجد أن الارتفاع المفاجئ في عدد الرحلات الجوية تزامن مع تصاعد القتال في ناغورني قره باغ. وقال سفير أرمينيا أكوبيان “شهدنا خلال حرب 2020 رحلات جوية كل يوم. ورأينا هذه الكثافة مرة أخرى قبل الصراع الحالي. ويوضّح هذا لنا ما حدث”.
ورفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية التعليق على الرحلات الجوية. وقال السفير الأذري محمدوف إنه على علم بالتقارير لكنه امتنع عن التعليق. وأثار قرار دعم حكومة استبدادية ضد أقلية عرقية ودينية جدلا في إسرائيل حول سياسات تصدير الأسلحة المتساهلة في البلاد. ومن بين أكبر 10 شركات مصنعة للأسلحة على مستوى العالم، لا تفتقر سوى إسرائيل وروسيا إلى القيود القانونية على صادرات الأسلحة على أساس مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
وقال أفيدان فريدمان مؤسس مجموعة المناصرة الإسرائيلية “يانشوف” التي تسعى إلى وقف مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى منتهكي حقوق الإنسان “إذا كان بإمكان أي شخص أن يتعاطف مع خوف الأرمن المستمر في ناغورني قره باغ من التطهير العرقي فهو الشعب اليهودي. ونحن لا نهتم بأن نصبح شركاء”.
العرب