الجزائر- أوقفت فرقة أمنية مختصة عددا من القياديين في جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، وذلك في أعقاب بيان منسوب لما يعرف بمجلس إطارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، دعا السلطة إلى الحوار مع جميع الأطراف لحل الأزمة السياسية القائمة، الأمر الذي يعيد أجواء العشرية الدموية والصراع بين إسلاميي جبهة الإنقاذ والسلطة.
وأكّدت مصادر متطابقة في الجزائر أن السلطات الأمنية تشن حملة توقيفات في صفوف قيادات الجبهة وأوقفت إلى حد الآن أربعة قياديين بارزين مما يعرف بمجلس إطارات الجبهة، وأن التحقيقات جارية معهم حول خلفيات وأبعاد البيان الذي وقعه القيادي السياسي والعسكري في الحزب الذي يعرف بالرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد علي بن حجر.
ولفتت العديد من الصفحات الناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي، سواء لابن بن حجر، أو القيادي المقيم في الولايات المتحدة أنور نصرالدين هدام، إلى أن السلطات الأمنية أوقفت كلا من علي بن حجر، وأحمد الزاوي، وتركمان وسعدي مبروك.
وذكر عبدالسلام بن حجر، ابن علي بن حجر، في منشور له على صفحته الشخصية في فيسبوك أن “فرقة أمنية اعتقلت والده من البيت العائلي بمدينة المدية (120 كلم جنوبي العاصمة)، وأن شقيقه زكريا حين طلب مقابلة والده في مقر الفرقة الواقع في ضاحية الزحاولة بالعاصمة لم يسمح له بذلك، بدعوى تواصل التحقيق معه”.
وجاءت الحملة الأمنية النادرة منذ دخول قانون المصالحة الوطنية حيز التنفيذ عام 2005، في أعقاب صدور بيان هذا الأسبوع، وقعه القيادي بن حجر، وتم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، عكس بيانات سابقة كانت تعبر عن مواقف الهيئة من الأحداث لكنها كانت تمر في صمت، لكن هذه المرة يسود الانطباع بأن بوادر مواجهة بين الطرفين تلوح في الأفق.
وذكر البيان أن “المتأمل في واقع الجزائر الاجتماعي والسياسي يلحظ من غير عناء عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، من خلال الانقسام الحاد الناجم عن السياسات الخاطئة والأنانية المدمّرة، والجشع اللامحدود في صفوف النخبة الحاكمة، والفقر المدقع الذي مس الجزائريين في جيوبهم ومظاهره لم تعد تخفى على أحد”.
الصدام غير المعلن بين قادة جبهة الإنقاذ المنحلة ومصالح الأمن تعيد ذكريات المواجهات الأمنية خلال العشرية السوداء
وأضاف “اليأس الذي تسيّس وحمل أدمغتنا وشبابنا على مغادرة البلاد دون رجعة، عن طريق الحرقة (الهجرة غير النظامية) والهجّة الجماعية (الذهاب الجماعي دون رجعة)، والأزمة السياسية الخانقة والتضييق على الحريات واللااستقرار في المؤسسات وفتح أبواب تقويض العمل الدستوري ومتاهات الفوضى”.
ودعا إلى “إقامة دولة العدل والحريات وتحقيق مشروع دولة المؤسسات “، كما حذر مما أسماه، بـ”المغامرات السياسية والاصطفافات غير محسوبة العواقب”.
وحث السلطة على المبادرة على إشاعة مناخ الثقة والاحترام، عبر إجراءات تهدئة يتم خلالها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وأشار إلى “معتقلي التسعينات والحراك الشعبي، ووقف الملاحقات القضائية والتضييق على النشطاء والفاعلين السياسيين”، ويقصد بهؤلاء الأشخاص الذين توبعوا بتهم الإرهاب وقضوا عقودا في السجون تصل إلى 30 عاما، كما خص بالذكر نائب رئيس الحزب علي بلحاج.
وأعاد الصدام غير المعلن بين قادة جبهة الإنقاذ المنحلة ومصالح الأمن ذكريات المواجهات الأمنية خلال العشرية الدموية أو السوداء التي عاشتها البلاد بين 1990 و2000، حيث تصاعد السجال بين الطرفين إلى أن وصل إلى مواجهات دامية أودت بحياة نحو ربع مليون جزائري.
ورغم المراجعات الفكرية والأيديولوجية التي يتخفى وراءها منظرو جبهة الإنقاذ، حيث بات الخطاب المتداول لديهم يؤمن بالتعددية والاختلاف السياسي والأيديولوجي وبحق جميع الفعاليات في بناء البلاد، إلا أن البيان حرك المعسكر الاستئصالي في الطبقة السياسية الرافضة لأيّ عودة لإسلاميي الإنقاذ إلى الشرعية أو الواجهة.
ويبدو أن مفعول المصالحة الوطنية التي أقرها الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عام 2005، بدأ يفقد تأثيره، في ظل العودة المفاجئة للسجال السياسي بين فلول الحزب المنحل وخصومه في المعسكر الآخر، حتى قبل أن يتبيّن مسار حملة التوقيفات إذا كان في سياق إجراءات احترازية أم موقفا جديدا يلجم ما تبقى من أصوات الحزب المنحل.
وهو ما عبّر عنه القيادي أنور نصرالدين هدام، المقيم في الولايات المتحدة، الذي ندد بحملة التوقيفات، ودعا الرئيس عبدالمجيد تبون إلى “نزع ملف المصالحة الوطنية من أيدي العناصر الاستئصالية في السلطة”، في تلميح إلى صعود التيار الاستئصالي في السلطة إلى السطح ورغبته في إعادة ترتيب الأوراق مع الحزب المنحل.
وتزامنت التطورات المستجدة في العلاقة بين السلطة والحزب المنحل مع الصدمة التي تلقاها عراب التيار الراديكالي في الجيش الجزائري، وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار، الذي اتهمه القضاء السويسري بـ”ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، بعد الدعوى التي رفعها ضده منتسبون ومتعاطفون مع جبهة الإنقاذ منذ 12 عاما.
وكانت الجزائر قد عبرت، على لسان وزارة الخارجية وبعض القوى السياسية، عن رفضها تسليم وزير دفاعها السابق للمحاكمة، واتهمت القضاء السويسري بالتدخل في الشأن الداخلي للبلاد، وفي السياسات التي انتهجتها الدولة في الحرب على الإرهاب.
العرب