اعتمدت قيادة حركة «حماس» توقيتا عالي الرمزية في الحرب التي شنّتها على مستوطنات غلاف غزة أول أمس، حيث تزامن مع ذكرى مرور خمسين عاما على حرب العاشر من رمضان (حرب «يوم كيبور» حسب التسمية الإسرائيلية) وكان فارق اليوم الإضافي، 7 تشرين أول/أكتوبر، بدل السادس من الشهر، لتقصّد الحركة بدء المعارك صباح السبت، وهو يوم العطلة التقليدي في إسرائيل، الذي يتزامن، هذه المرة أيضا، مع نهاية أعياد يهودية.
إحدى التسميات الشائعة لحرب 1973، كانت «حرب العبور» حيث نجح الجيش المصري حينها في عبور عائقين كبيرين، جغرافي، تمثله قناة السويس، وعسكري، يمثّله «خط بارليف» وقد اعترف المسؤولون الإسرائيليون في هذه المرة، كما حصل في حرب عام 1973، بفشل استخباراتي ذريع، كان قد سبّب حينها مفاجأة كبرى للماكينة العسكرية الإسرائيلية وأدى إلى خسائر سريعة على الجبهتين المصرية والسورية.
خلال الجو الاحتفالي الإسرائيلي الذي رافق استعادة ذكرى الحرب الآنفة نُشرت وثائق في الصحف العبرية تعطي تفاصيل حول حصول تل أبيب على معلومات دقيقة حول موعد شن الحرب من مسؤولين عربا في المواقع العليا للقرار، مثل أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
تلعب المقارنة هنا لصالح الفلسطينيين، فرغم التطور التقني الهائل الذي طرأ في مجالات الاستخبارات والتنصت والتجسس والمراقبة الذي تتفاخر به المخابرات الإسرائيلية عالميا، ورغم أن غزة، التي انطلقت منها الهجمات، هي سجن كبير مفتوح وأهله محاصرون، فقد تمكنت هذه المرة من مفاجأة الحكومة الإسرائيلية بشكل هائل.
لا تزال أحداث الهجوم تتكشف أمام أنظارنا، وهي وقائع تكشف عن مستويات تدريب وتجهيز وتنفيذ واختراق مفاجئ ويمكن اعتبارها نقلة نوعية في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
شارك جيشا سوريا ومصر في حرب 1973 وحظيا حينها بغطاء عسكري وسياسي مثّله الاتحاد السوفييتي الذي أقام جسرا عسكريا جويا، والدول العربية، التي ساهمت بألوية عسكرية منها مثل العراق والمغرب، فيما قامت دول الخليج العربي بقطع النفط على أمريكا وحلفاء إسرائيل الغربيين، أما في «حرب العبور» الفلسطينية، فقد شاهدنا شبانا مجهّزين بأسلحة وآليات بسيطة، وصواريخ، ومسيّرات انتحارية، يخترقون «غلاف غزة» المراقب والمحصن، بحرا وبرا وجوا فيسقط خلال 36 ساعة من المعارك 700 قتيل إسرائيلي، ويعلن فقد 750، وخطف أكثر من 100، ولا تزال بعض المعارك دائرة في بعض المستوطنات.
تجري حرب العبور الفلسطينية في جو تطبيع كبير يستكمل مشروع الانقطاع العربي عن فلسطين الذي بدأ باتفاقات السلام المصرية مع إسرائيل عام 1978، وفي أجواء دوليّة تقلّص فيها الاتحاد السوفييتي إلى روسيا التي تستنزفها حرب أوكرانيا، وصعد فيها الدور الصيني الذي ليس له دور مهم في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وقد وصف بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، ما حصل السبت الماضي بـ«اليوم الأسود» لكن الصحافي الأمريكي توماس فريدمان كان أكثر دقة حين وصفه بـ«اليوم الأسوأ في تاريخ إسرائيل».
تشير الوقائع الأولى للمعارك الراهنة أن «حرب العبور» الفلسطينية أعادت ضبط الإيقاع العربي والعالمي على ساعة فلسطين والقدس الشريف والأقصى (الذي حملت العملية اسمه) كما تشير إلى أن الخطة الوحيدة المستنتجة من أفعال الحكومة الإسرائيلية الأشد تطرفا ويمينية في تاريخ الكيان ستكون خرابا شاملا لغزة، وهو ما سيطلق ديناميّات سياسية جديدة في فلسطين ومحيطها، لا نستطيع بعد تبيّنها.