واشنطن – من المحتمل أن تكون إيران متورطة في التخطيط لهجوم حماس، لكن انتقام إسرائيل سيعتمد على مدى مشاركتها، ما يفتح الباب أمام هجمات إسرائيلية مباشرة ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يمكن أن يلاقي بدوره هجمات يشنها وكلاء إيران ضد الدولة العبرية والمصالح الأميركية في المنطقة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في 8 أكتوبر، نقلا عن أعضاء كبار في حماس وحزب الله، ساعد الحرس الثوري الإيراني في التخطيط لهجوم حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل الذي تسبب في مقتل أكثر من 1000 إسرائيلي واختطاف أكثر من 100 شخص.
وذكر التقرير أن كبار المسؤولين في الحرس الثوري (بمن في ذلك، في بعض الأحيان، قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان) التقوا منذ شهر أغسطس مرة كل أسبوعين مع حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله للتخطيط للهجوم. وقيل إن إيران منحت موافقتها النهائية في 2 أكتوبر.
وجاء في تحليل على موقع ستراتفور أن التفاصيل الواردة في تقرير صحيفة وول ستريت جورنال تخضع للتدقيق نتيجة غموض سبب حضور وزير الخارجية الإيراني (الذي يُتابع مكان وجوده عن كثب) الاجتماعات التخطيطية. كما يشمل الغموض مدى المساعدة الإيرانية المزعومة في الهجوم، حيث يمكن أن يمتد دعم طهران من مجرد التواجد في الاجتماعات التي نوقشت فيها عملية محتملة والموافقة على خطط لتوجيه المساعدة التكتيكية إلى التخطيط الفعلي للهجوم نفسه وتنفيذه.
◙ المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط يمنح إيران حافزا لدعم تحركات حماس بغض النظر عن مدى مشاركتها في الهجوم على إسرائيل
وكانت حماس مدفوعة بأسبابها السياسية الخاصة لشن هجوم على إسرائيل في هذا الوقت أيضا، بمساعدة طهران أو دونها. ولكن دعم إيران الراسخ لحماس (نقل الأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ إلى الحركة) ساعد على أقل تقدير في تسهيل الهجوم الأخير، حتى لو لم تكن طهران متورطة بعمق في التخطيط له كما زعم تقرير صحيفة وول ستريت جورنال.
ويمنح المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط إيران حافزا لدعم (إن لم يكن تخطيط) تحركات حماس، بغض النظر عن مدى مشاركتها في الهجوم على إسرائيل. وجاء الهجوم عقب تقارير أكدت تقدما كبيرا في الجهود الأميركية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل (المنافسين الإقليميين الرئيسيين لإيران) خلال الأشهر الأخيرة.
وتتفاوض الولايات المتحدة على اتفاقية دفاعية مع السعودية لمضاعفة جاذبية صفقة التطبيع المحتملة مع إسرائيل، ويمكن أن تشمل ضمانات صريحة بأن واشنطن ستساعد المملكة إن شُن هجوم عليها. ويمكن أن تعزز الاتفاقية بشكل كبير التزامات الولايات المتحدة الدفاعية في المنطقة والكتلة الناشئة المناهضة لإيران التي يدعمها البيت الأبيض. كما قد يشمل اتفاق التطبيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما قد يمكّن السعودية من إطلاق برنامج نووي مدني تطور من خلاله أسلحة نووية في المستقبل.
وتشكّل رغبة إيران في منع هذه التطورات دافعا محتملا إلى دعم هجوم حماس، حيث يمكن أن تعطل هذه الضربة مؤقتا محادثات التطبيع السعودية – الإسرائيلية من خلال إثارة نوبة أخرى من العنف الإسرائيلي – الفلسطيني تصعّب على المملكة أن تتخلى عن القضية الفلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل.
وربما تكون إيران قد قدرت كذلك أن زيادة العنف بين إسرائيل وجيرانها (بالإضافة إلى الانتقام المحتمل الموجه إلى إيران نفسها) ستعزز المتشددين داخل حدودها وتمكّنها من إعادة تأطير الثورة الإسلامية وتشتيت انتباه الإيرانيين عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها.
وقد يؤدي هجوم حماس والتصورات السياسية للانتقام الإسرائيلي اللاحق ضد الفلسطينيين في غزة إلى تعطيل محادثات التطبيع الإسرائيلية – السعودية على المدى القصير. لكن تورط إيران المحتمل في الهجوم يهدد على المدى البعيد بتعزيز السياسة الواقعية التي تدعم جهود التطبيع من خلال تسليط الضوء بشكل أكبر على حاجة إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى العمل معا ضد عدوان إيران المتزايد ونفوذها الإقليمي.
وقد يتسبب هجوم حماس كذلك في تعطيل الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وإيران الذي يشمل إفراج الولايات المتحدة عن حوالي 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.
وتقرر بموجب صفقة تبادل الأسرى في سبتمبر رفع تجميد الأموال في كوريا الجنوبية وتم نقلها إلى قطر المكلفة بالإشراف على المعاملات لضمان توظيف طهران المبلغ في شراء الغذاء والدواء والسلع الإنسانية الأخرى. ويبدو أن طهران قدرت بموافقتها على هجوم حماس أنها تستطيع الاستمرار في النشاط دون تلك الأموال كما فعلت لسنوات، رغم التحديات التي تواجهها في تأمين الدواء والغذاء من الخارج.
◙ طبيعة هجوم حماس قد تخلق شعورا داخل إسرائيل بالحاجة إلى اتخاذ إجراء كبير (وربما علني) ضد إيران لإظهار استعدادها للرد مباشرة
وإذا أكدت أدلة ملموسة تورط إيران بشكل كبير في التخطيط والتحضير للهجوم، فسيزيد ذلك الضغط على إسرائيل للانتقام منها ومن أية كيانات متورطة. وبينما نفذت إسرائيل عددا من الضربات السرية في السنوات الأخيرة ضد البرامج الصاروخية والطائرات دون طيار والبرامج النووية الإيرانية، امتنعت حتى الآن عن أي عمل علني. لكن طبيعة هجوم حماس قد تخلق شعورا داخل إسرائيل بالحاجة إلى اتخاذ إجراء كبير (وربما علني) ضد إيران لإظهار استعدادها للرد مباشرة.
ومن وجهة نظر إسرائيل، يمكن أن يكون هذا رادعا محتملا لأي عمل مستقبلي من إيران ووكلائها، ويمكّن من تعطيل البرامج العسكرية الإيرانية الرئيسية وإضعافها مع غيرها من البرامج الإستراتيجية، ومن ثمة عرقلة جهود التخطيط للمزيد من الهجمات.
ومن المحتمل أن تغتنم إسرائيل الفرصة لضرب البرنامج النووي الإيراني بهدف إعاقته قدر الإمكان. لكن أي عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق ستكون معقدة، لأنها ستحتاج إلى ضرب أنظمة الرادار والدفاع الجوي الإيرانية لزيادة احتمالات نجاح العملية في تدمير أهدافها.
العرب