القدس – لجأت الدول العربية التي وقّعت على اتفاقات أبراهام إلى إبطاء التطبيع مع إسرائيل حتى قبل هجوم حماس بسبب سياسات حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة التي لا تراعي مصالح إسرائيل والتزاماتها الإقليمية.
يأتي هذا في وقت تدفع فيه السياسات الإسرائيلية إلى إفشال التطبيع مع السعودية قبل أن يبدأ.
وبادر اليمين المتطرف إلى القفز على التزامات إسرائيل خلال التوقيع على الاتفاقات، ومن بينها وقف سياسة الاستيطان والتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين، ودعم مسار السلام بشكل تسمح فيه إسرائيل بتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين.
وما حصل أن نتنياهو بات ينفذ سياسة شركائه من المتشددين بضم المزيد من الأراضي، وتشديد الحصار على الفلسطينيين، وخاصة اقتحام المسجد الأقصى بشكل مستفز، ما أوقع الدول المعنية في إحراج ودفعها إلى إصدار مواقف واضحة تدين “الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية”، مثلما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية في سبتمبر الماضي.
ودعت الوزارة السُلطات الإسرائيلية إلى وقف التصعيد، وعدم اتخاذ خُطوات تُفاقِم التوتر وتهدد الاستقرار في المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان إن المملكة “تؤكد على ضرورة احترام الوضع القانوني والديني والتاريخي في القدس والأماكن المقدسة والابتعاد عن الممارسات والانتهاكات التي من شأنها أن تقضي على كل فرص السلام بالمنطقة”.
ويرى المراقبون أن الدول العربية التي وقّعت على اتفاقات أبراهام مقابل التزام إسرائيلي واضح وضمانات أميركية، تجد نفسها في غنى عن أيّ إيجابية يمكن أن يجلبها تطبيع على وقع الحرب الدائرة حاليا، ما يعني أن حكومة نتنياهو ستتحمل مسؤولية الجمود الذي سيطال مسار التطبيع دبلوماسيا واقتصاديا.
وتحاول الدول المعنية القيام بأدوار متوازنة من خلال إدانة العنف واستهداف المدنيين والدعوة إلى وقف الحرب بأسرع وقت ممكن، وهو الموقف الذي لا يقبل به في الوقت الراهن طرفا الحرب.
وتعمل هذه الدول في أجواء غير مريحة إطلاقا مع تركيزها على مسألة حماية المدنيين، لكن “هذا الموقف لن يصمد لفترة طويلة في مواجهة الأعمال الانتقامية الإسرائيلية التي من المحتمل أن تكون عنيفة للغاية”، وفق مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في بيروت جوزيف باحوط.
وبالرغم من أن مسار اتفاقات أبراهام تأسس على فكر إنشاء علاقات تقوم على تبادل المصالح بين الأطراف المختلفة، إلا أن التطبيع الاقتصادي لا يمكن أن يستمر في ظل مناخ إقليمي تتسع فيه دائرة العداء والانتقام.
الدول التي وقّعت على اتفاقات أبراهام تجد نفسها في غنى عن أيّ إيجابية يمكن أن يجلبها تطبيع على وقع الحرب
ويقول المحلل الكويتي بدر السيف “عمليات التطبيع مع إسرائيل في السنوات الأخيرة أملتها المصالح الوطنية، لكن تم تقديمها جزئيًا أيضا كرؤية خارجية للسلام يمكن أن تخرج الصراع من مأزقه”.
ويرى أنّ “الوقت حان لهذه الدول كي تستخدم رأس مالها مع إسرائيل” لتهدئة الوضع والدفع نحو السلام، تماما كما هو مطلوب من الدول الأخرى أن تفعل مع حركة حماس بعد هجوم السبت.
وإلى جانب إفراغ التطبيع القائم من مقوماته، تتحمل حكومة نتنياهو مسؤولية إجهاض التطبيع مع السعودية قبل أن يبدأ، والإطاحة بالجهود الأميركية التي سعت لاستمالة المملكة وتقديم إغراءات لها من أجل السير في مسار التقارب مع إسرائيل.
ورغم الانفتاح الرمزي الذي بدأه السعوديون من خلال القبول بزيارة وزيرين إسرائيليّين للمشاركة في مؤتمرات دولية، في أول زيارتين علنيتين إلى المملكة، إلا أنهم سرعان ما تراجعوا وأبدوا دعما واضحا للفلسطينيين في مواجهة القصف الإسرائيلي المدمر في غزة.
وسعت السعودية إلى إظهار اهتمامها بالرئيس الفلسطيني وطمأنته بأن التطبيع لن يكون على حسابه، وأنها مستمرة في دعم السلطة الفلسطينية، وأنها لا تنوي مراجعة التزامها المالي تجاهها.
واللافت للنظر هو أن موقف وزارة الخارجية السعودية كان يميل إلى الفلسطينيين دون مواربة بعد الهجوم العسكري الذي شنته حماس السبت وما تلاه من رد إسرائيلي عنيف، في حين كانت الولايات المتحدة تنتظر من الرياض موقفا أكثر وضوحا بشأن إدانة هجوم حماس، ما من شأنه أن يدعم مسار التقارب مع إسرائيل.
وأكّدت الرياض في أول ردّ فعل لها على هجوم حماس أنه “نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.
وقال المحلّل المقرّب من الحكومة السعودية علي الشهابي “أعتقد أنه سيتم تعليق كل شيء حتى نرى ما سيحدث”. ولطالما شكّل التعاطف مع القضية الفلسطينية نواة صلبة لدى الرأي العام السعودي.
ولا شك أن التصعيد سيدفع نحو وضع عراقيل إضافية أمام إمكانية توصل السعودية وإسرائيل إلى تطبيع العلاقات بينهما.
أما بخصوص التطبيع مع مصر والأردن فقد ولد ميتا على الرغم من مرور عشرات السنين على اتفاقيتيْ كامب ديفيد ووادي عربة، وبالرغم من سعي البلدين للبحث عن دور مركب؛ فمن جانب يسعيان لتأكيد الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، ومن جانب ثان يريدان إظهار القدرة على لعب دور الوسيط الضاغط على الفلسطينيين لمنع الأسوأ.
وتعتقد الباحثة في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن رندة سليم أن اتفاقات التطبيع الأخيرة “وُجدت لتبقى. لكن أي تطبيع جديد بين الدول العربية وإسرائيل سيظل معلّقا، على الأقل في المستقبل القريب”.
العرب