يشكل تغير المناخ تهديدا لصحة النساء الحوامل والأطفال الرضع، ويتسبب كل ارتفاع للحرارة بدرجة مئوية واحدة في زيادة نسب الولادات المبكرة وحالات موت الأجنة. وتثير المسألة قلق الخبراء خاصة في أفريقيا التي ترتفع فيها درجات الحرارة بسرعة أكبر من بقية أنحاء الكوكب، ما يجعل النساء هناك يواجهن صعوبات في الحصول على الخدمات الصحية، فتصعب بذلك عملية إنقاذهن في حال تعرضن لضربة شمس.
جونقلي (السودان) – تؤكد العاملة الصحية في جنوب السودان نايت ستيلا إلياس أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد المخاطر التي تواجهها النساء الحوامل وأطفالهن.
وتعني الصراعات المسلحة والجفاف وانتشار الفقر وندرة الخدمات الصحية في المناطق الريفية أن أحدث دولة في العالم تعاني من أحد أعلى معدلات الوفيات عند الولادة. وتزيد موجات الحر المرتبطة بتغير المناخ المخاطر.
وقالت إلياس لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف من ولاية جونقلي في الشرق “لا تتمتع الأمهات الحوامل اللاتي يعشن في المناطق الريفية العميقة إلا بخدمات طبية محدودة. ويصبح إنقاذ حياتهن صعبا جدا عندما يتعرضن لضربة شمس بسبب تغير المناخ”.
وأضافت إلياس، وهي منسقة التغذية في وكالة المعونة الأفريقية “فور أفريكا”، تكون النساء الحوامل أكثر عرضة لخطر الإجهاض أو ولادة جنين ميت أو إنجاب طفل منخفض الوزن خلال موجات الحر.
النساء الحوامل يكن أكثر عرضة لخطر الإجهاض أو ولادة جنين ميت أو إنجاب طفل منخفض الوزن خلال موجات الحر
ويزيد كل ارتفاع بدرجة مئوية واحدة في الحرارة نسب حالات موت الأجنة والولادات المبكرة بنحو 5 في المئة، وفقا لتحليل 70 دراسة أجريت منذ منتصف التسعينات ونشرت في المجلة الطبية البريطانية في 2020.
وقال تقرير مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في سبتمبر إن ذلك يثير قلقا خاصا في أفريقيا التي ترتفع فيها درجات الحرارة بسرعة أكبر من بقية أنحاء الكوكب، وتواجه كوارث مناخية أكثر شدة مثل الجفاف.
وقال باحثون في مجال المناخ إن صانعي السياسات بدأوا في معالجة القضية مع تزايد الوعي تدريجيا بالتهديد الذي يشكله تغير المناخ على صحة الإنسان.
وستخصص قمة الأمم المتحدة السنوية للمناخ (كوب 28) في دبي يوما للصحة لأول مرة.
وأشار تقرير رئيسي صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي إلى صحة الأمهات، مما مثل نقطة تحول حاسمة، حسب الأستاذة بجامعة واشنطن كريستي إل إيبي.
وقالت إيبي التي تشارك في تأليف فصل عن صحة الإنسان في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “بدأ تغير المناخ بصفته قضية بيئية. وكان فهم الناس أن تغير المناخ يؤثر أيضا على الصحة والرفاهية عملية بطيئة، ولا يزال المسار طويلا (…) لكن الموضوع أصبح الآن يلقى اهتمام صانعي السياسات”.
وقالت أنجيلا باشيري من صندوق الأمم المتحدة للسكان، إن تنفيذ السياسات الملموسة لمعالجة القضية يجب أن يكون بسرعة أكبر لإنقاذ الأرواح.
وأظهر تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان نُشر يوم الثلاثاء أن 23 فقط من بين 119 دولة موقعة على اتفاق باريس لسنة 2015 بشأن تغير المناخ ذكرت صحة الأطفال حديثي الولادة والأمهات في أحدث خطة وطنية للمناخ، والمعروفة رسميا باسم المساهمات المحددة وطنيا.
وعلى الرغم من توقيع 196 دولة على اتفاق باريس، إلا أن 119 منها فقط قدمت مساهماتها المحددة وطنيا منذ 2020.
وكانت جنوب السودان وغيرها من الدول الفقيرة، بما في ذلك كمبوديا وسريلانكا في آسيا وساحل العاج في أفريقيا، من بين الدول التي أشارت إلى صحة الأمهات.
وقالت باشيري التي شاركت في تأليف تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان مع باحثين في كلية الملكة ماري في لندن “اعترف عدد قليل جدا من البلدان بأن لتغير المناخ تأثيرا، وحدد عدد أقل حاجة النظام الصحي إلى تعزيز تقديم برامج للنساء”.
النساء الحوامل
وأشار تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في مايو إلى توقف التقدم في الحد من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة منذ 2015، حيث يموت أكثر من 4.5 مليون أم وطفل كل عام، ومعظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء ووسط آسيا وجنوبها.
وقالت باشيري “يمكن الوقاية من وفيات الأمهات بشكل عام. لكن التأثير لا يقتصر على الأم فقط (…) فالطفل يعاني من آثار طويلة المدى أيضا. ويضيف المناخ اليوم بعدا مختلفا للمعادلة”.
وقال علماء إن موجات الحر تحطم الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، وإن استمرار إطلاق انبعاثات الغازات التي تؤدي إلى تسخين الكوكب سيدفع درجات الحرارة العالمية إلى نطاق مجهول.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع درجات الحرارة والطقس القاسي وتلوث الهواء ونقص إمدادات المياه والغذاء تسبب الوفيات، وتفاقم الأمراض المعدية، وتنشر الأمراض المرتبطة بالحرارة، وتضر بالنساء الحوامل.
وقالت إلياس إن نقص الغذاء الناجم عن الجفاف المرتبط بالمناخ وغيره من الصدمات المناخية في جنوب السودان يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية مثل سوء التغذية أو فقر الدم أثناء الحمل.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما يقرب من 7.8 مليون سوداني جنوبي (ثلثا السكان) يواجهون نقصا حادا في الغذاء بسبب الفيضانات والجفاف والصراعات، وإن 738 ألف امرأة حامل ومرضعة من بين هؤلاء يعانين من سوء التغذية.
في حين يمكن أن يساعد تقليل أعباء العمل والحفاظ على برودة الطقس في تقليل التأثيرات، إلا أن الجمعيات الخيرية والباحثين يؤكدون أن العديد من النساء العاملات الحوامل في البلدان الفقيرة والمعرضة لتغير المناخ لا يجدن أي خيار سوى الاستمرار في العمل في ظل الحرارة الحارقة.
وتمثل النساء العاملات في كمبوديا 85 في المئة من القوى العاملة في صناعة الملابس و75 في المئة من العمال الزراعيين وفقا للبنك الدولي. وتقول جماعات الإغاثة في البلاد إن هناك حاجة إلى فرض ظروف عمل أفضل لحماية النساء الحوامل من الحرارة.
منظمة الصحة العالمية تؤكد أن ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء ونقص إمدادات المياه وتفاقم الأمراض المعدية تضر بالنساء الحوامل
وقالت غرانا بو سيلفي التي تشرف على برامج التغذية في منظمة وورلد فيجن إنترناشيونال في كمبوديا “نحن نتجه نحو فترات أكثر سخونة. عندما تُسجّل زيادة في درجات الحرارة (…) يصبح من المهم منح النساء الحوامل الأولوية في فرص العمل الأكثر أمانا في المصانع أو المزارع”.
وقالت ساري كوفاتس من مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، إن طرق التخفيف من المخاطر تشمل الحفاظ على رطوبة الجسم، ووجود أنظمة إنذار مبكر للنساء الحوامل، وضمان توفير القابلات لنشر إرشادات ما قبل الولادة الخاصة بالحرارة.
لكن كوفاتس وهي أستاذة مساعدة في علم المناخ والصحة العامة، أضافت أن “رفع الوعي لا يمكن أن يحقق الكثير” عندما تتصارع العديد من النساء مع عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية الصارخة، ونقص التبريد وضعف النظم الصحية.
ومن المتوقع أن يعيش حوالي 1.2 مليار من الفقراء في المناطق الريفية والحضرية على مستوى العالم دون حلول تبريد بحلول 2030، وفقا لتقديرات منظمة الطاقة المستدامة للجميع التي تدعمها الأمم المتحدة.
وقالت كوفاتس إن التدابير العملية مثل الاستثمار في المزيد من المراكز الصحية حتى لا تضطر النساء إلى المشي لأميال في الجو الحار لإجراء فحوصات ما قبل الولادة، أو زراعة المزيد من الأشجار للظل والتبريد في العيادات، يمكن أن تساعد أيضا.
وأضافت “لا تتمتع النساء اللاتي يتعرضن للحرارة ويعشن في منازل ساخنة بفرص التبريد. لن يكون مدّهنّ بالتوجيهات كافيا. يمكنك سردها لهن، ولكن ماذا سيفعلن بها في ظل الواقع اليومي الذي يعشنه؟”.
العرب