“في 14 كانون الأول/ديسمبر، خاطب منقذ داغر، هارون زيلين، وديفيد بولوك منتدى سياسي في معهد واشنطن. ويتمتع داغر بسجل بارز في إجراء اقتراعات ذات بصيرة نافذة في الشرق الأوسط في أوضاع متطرفة، بما في ذلك في سوريا والعراق خلال أحدث الصراعات في هذان البلدان. وزيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في المعهد ومؤسس موقع Jihadology.net. وبولوك هو زميل “كوفمان” في المعهد ومدير منتدى “فكرة”؛ وكان قد أشرف خلال سنوات على اقتراعات أُجريت في الدول العربية عندما كان يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
منقذ داغر
إنّ إجراء استطلاع للرأي في مناطق خاضعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» هو أكثر صعوبة من إجرائه في ظلّ ظروف عاديّة، إلّا أنّ النتائج تمنح الثقة بأنّ الناس يُجيبون بآرائهم الحقيقية. وقد أعرب معظم الذين شملهم للاستطلاع عن كرههم لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، الأمر الذي يشكّل أمراً لافتاً. وبالرغم من أنّه لا يمكن اعتبار النتائج دقيقة تماماً، إلّا أنّ كيفية إجابة الناس على الأسئلة نفسها مع مرور الوقت هي نقطة مثيرة للإهتمام إلى حد كبير.
في استطلاع أُجري في مطلع هذا الشهر، على سبيل المثال، قال ٥٥٪ من المستجيبين في الموصل إنّ حياتهم هي أفضل مما كانت عليه قبل عام ونصف، بينما أعرب ٢١٪ فقط عن مثل هذا التحسّن عندما سُئلوا في حزيران/يونيو ٢٠١٥. ولا يدلّ ذلك على أنّ سكّان الموصل يستلطفون تنظيم «الدولة الإسلامية» – فـ ٣٩٪ فقط قد اعتبروا التنظيم ممثّلاً لآرائهم ومصالحهم. إلّا أنّ هذه النسبة هي أعلى بكثير من نسبة الـ١٠٪ التي سُجّلت في حزيران/يونيو من عام ٢٠١٤. وبالإضافة إلى ذلك، في حين يفضّل ٥٧٪ منهم رحيل تنظيم «الدولة الإسلامية» عن الموصل، اختار ٣٩٪ بقاء التنظيم. ومن نسبة الـ ٣٩٪ المذكورة هنا، علّل ثلثهم دافعهم الرئيسي بالدعم لهذه الجماعة، في حين ذكر آخرون الخوف من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين أو عدم ثقتهم بالولايات المتحدة، أو الجيش العراقي، أو القوّات الكردية.
وبتعمّقهم بصورة أكثر بهذا الشعور، ذكر غالبية المستطلَعين أنّ الولايات المتحدة تتآمر لدعم تنظيم «الدولة الإسلامية» – زيادة بنسبة ٥٠٪ مقارنةً بما كانت عليه قبل ثمانية عشر شهراً. كما اعتبر المزيد من المستطلعين أنّ ضربات التحالف هي الخطر الأكبر المحدق بأمن عائلاتهم (٤٥.٨٪)، في حين اعتبر ٣٧.٥٪ منهم أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هي الخطر الأكبر. وعارضت الغالبية الضربات الأمريكية، في حين أنّ ثلاثة أرباع المستطلَعين قلقون من “وحدات الحشد الشعبي” والميليشيات الشيعية الأخرى. وفي الوقت نفسه، لا يرى معظم السكّان أنّ سياسيي الموصل أو السياسيين السنّة أو الحكومة العراقية المركزية يمثّلون وجهات نظرهم ومصالحهم.
وتدلّ هذه النتائج على أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» يكسب حرب القلوب والعقول في المناطق التي يسيطر عليها، في حين أنّ الرأي العام يتحوّل في الوقت نفسه ضدّ الذين يعارضون التنظيم. إنّ غالبية سكّان الموصل لا يزالون يرفضون تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلّا أنّهم يفتقرون إلى البدائل الموثوقة. فهم لا يثقون بمؤسسات الدولة العراقية، بما في ذلك الحكومة المركزية، والجيش، والشرطة، والبرلمان، والمسؤولين المحلّيين، والسياسيين في بغداد. ويعتقدون أنّ المعارضة المسلّحة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» غير فعّالة.
ومن هذا المنظور، يبدو أنّ الإستراتيجية العسكرية للتحالف تساعد تنظيم «الدولة الإسلامية». فجهود التنظيم في الحوكمة ليست السبب الرئيسي لازدياد الدعم المحلّي الذي تحظى به أو ازدياد المعارضة العامّة لنشاطات التحالف. غير أنّ الأضرار الجانبية هي الإثم الأكبر. ولكي تكون ناجحة، يتعيّن على استراتيجية التحالف أن تضم الدعم الشعبي كمحور جاذبية، فـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لن يُهزم بالتدخّل العسكري فقط.
إنّ العراقيين السنّة غير راضين عن بغداد منذ وقت طويل، وكان هناك الكثير من إشارات التحذير في المناطق ذات الغالبية السنّية عندما كان تنظيم «القاعدة» يسيطر عليها ما بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٩. ويشير ذلك إلى أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هو من أعراض مشكلة هيكلية أكثر من كونه المرض بحدّ ذاته. فعندما أطلق على نفسه اسم تنظيم «القاعدة في العراق»، بدا أنّ الجماعة كانت قد هُزمت بالفعل في عام ٢٠٠٩، إلّا أنّ إعادة تجسّدها الحالية هي أسوأ مما كانت عليه آنذاك. يجب إقناع السنّة بمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنفسهم.
وباختصار، تظهر الاستطلاعات في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» استياءً محلّياً من البدائل لهذه الجماعة. وفي حين أنّ أقليّة فقط تفضّل التنظيم، إلّا أنّ هذه الأقليّة آخذة بالتزايد.
هارون زيلين
أرسى تنظيم «الدولة الإسلامية» وجوده في الموصل للمرة الأولى ما بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٤. وقد اعتبر قادته المنطقة أرضاً أساسية، لا سيّما خلال صحوة القبائل وتصاعد عملياتها. فما بين العامَين ٢٠٠٦ و٢٠١٠، شكّلت الموصل قاعدة للتخطيط للنشاطات الإرهابية، وتمكّن تنظيم «الدولة الإسلامية» من تمويل عمليّاته من خلال أعمال الابتزاز وعائدات النفط. ونظراً لهذا التأصّل، قد تكون الموصل آخر معاقل التنظيم إذا نجح التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في هزيمته في مكان آخر.
لقد أسّس تنظيم «الدولة الإسلامية» وزارات أوّلية مختلفة تحت مكتب «الخليفة»، بما في ذلك الوزارات المعنية بالتعليم، والخدمات العامة، والموارد الثمينة، و«الدعوة»، والصحة، والأمن، والخزانة، والتواصل مع القبائل. وتشمل الخدمات العامّة البارزة برامج التطعيم، وتنظيف الطرق، وأمن الغذاء والدواء، وتطبيق منع التدخين والكحول. كما يعمل التنظيم على إعادة إطلاق صناعات محلّية.
وبالإضافة إلى إظهارها للسكّان المحلّيين التزام قادة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالحوكمة المستدامة، تساعد جهود بناء الدولة الاقتصادات المحلّية وتزيد من قدرات التنظيم العسكرية. وهذه الجهود هي أكثر نجاحاً وتطوّراً عندما يكون هناك ضغط محدود من جهود التحالف وعندما حظي تنظيم «الدولة الإسلامية» بوقت أطول لترسيخ إدارته.
وأمام هذا الواقع، هناك حدود حقيقية لهذه الحملة لبناء الدولة. فعلى الرغم من التصريحات العامة على العكس من ذلك، لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يستخدم العملات المحلّية بدلاً من سك عملته الخاصّة. وفي حين يدّعي التنظيم علناً بأنّه ألغى الحدود بين العراق وسوريا، إلّا أنّ سجلّاته تعكس تمييزاً للحدود على أرض الواقع.
أمّا بالنسبة إلى الدعم الإيديولوجي، فإنّ دوره في نجاح التنظيم مبالغاً فيه. فقليلون هم الأعضاء الذين يتمتّعون بفهم عميق للإسلام يتخطّى البديهيّات. إنّ التقدّم العسكري هو أكثر أهمية بالنسبة إلى قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحفاظ على الأراضي ونشر قصّة نجاحه، كما أنّ فتوحاته الجديدة تضمن انتشار رسالته. وتُعتبر محاولة هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال هزيمة أيديولوجيّته مقاربة تؤدّي إلى طريق مسدود: إنّ قسماً صغيراً من السكّان سيكون دائماً متقبّلاً لهذه الإيديولوجية، كما أنّ الحركات الجهادية لا تحتاج سوى لدعم شريحة صغيرة للتسبّب بمشاكل هائلة. وبالإضافة إلى ذلك، يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على نشر المعلومات داخل أراضيه، مما يجعل من محاربة إيديولوجيّته مسألة صعبة جدّاً. فهو يبني مراكز إعلامية حيث يتوفّر الولوج للإنترنت وبطاقات SIM لمتابعة أخباره. ويتمّ استهداف المراهقين بشكل خاص في حملات تنظيم «الدولة الإسلامية» الإعلامية، مما يعني أنّ إيديولوجيّته تنتشر بين الجيل القادم.
ديفيد بولوك
في الوقت الذي لا يخسر تنظيم «الدولة الإسلامية» حرب القلوب والعقول في الموصل، هناك إثباتات واضحة بأنّه خسر هذه الحرب في العالمين العربي والإسلامي الأوسع عموماً. وتوفّر الاستطلاعات ترياقاً لبعض أكثر حملات التنظيم الدعائية إثارة. ولا ترتكز هذه الاستطلاعات على استقصاءات الإنترنت أو الهاتف ذات الانتقاء الذاتي، بل إنّها نتيجة جلسات وجهاً لوجه أجراها أشخاص محلّيون وظّفتهم شركات بحث تجارية، وهي الطريقة الأكثر موثوقيّة والطريقة الأمثل لطرح أسئلة سياسية في المنطقة هي إضافة بعضها إلى استطلاعات تجارية لا تجعل المستجيبين عنها يشعرون بالارتياب كما تشعرهم الاستطلاعات السياسية بالكامل. وكدليل على مصداقية الاستطلاعات، حتّى في بلدان تُعتبر فيها جماعة «الإخوان المسلمين» غير قانونية، عبّر عدد كبير من الناس عن دعمهم للجماعة.
ووفقاً للتأييد الذي يحظى به من خلال استطلاعات أخيرة من ستة بلدان عربية مختلفة، يتمتّع تنظيم «الدولة الإسلامية» بدعم قليل جدّاً في العالم العربي السنّي الأوسع. فالتأييد الأكبر الذي تتمتّع به الجماعة خارج الأراضي التي تسيطر عليها هو في نيجيريا حيث يقول ٢٠٪ من المسلمين إنّهم يدعمون جماعة «بوكو حرام» التي تُعدّ فرعاً شكليّاً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». كما أنّ دعم تنظيم «الدولة الإسلامية» قد تراجع مع مرور الوقت ولم يتزايد. وخلافاً لادعاءات حملته الدعائية، إنّ رؤية التنظيم للإسلام هي معاكسة لما يؤمن به معظم السنّة. وبالرغم من أنّ نسبة ضئيلة من الناس في بعض البلدان تدعم تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنها لا تُعتبر نسبة كافية لإنشاء حركة جماهيرية أو لتشكيل خطر استراتيجي على هذه البلدان. بيد، على الرغم من ذلك، تشكّل نسبة صغيرة من ملايين الأشخاص عدداً كبيراً – ومن الواضح أنّ بضعة ملايين من المتعاطفين مع تنظيم «الدولة الإسلامية» يمثّلون مشكلة من منظور محاربة الإرهاب.
وأخيراً، عندما سُئلوا عن أسباب نشأة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لم يذكر معظم السنّة السخط على الاحتلال الأجنبي كسبب رئيسي. إلّا أنّهم يميلون إلى ذكر الفساد، والفقر، ونقص التعليم. وعلى الرغم من أن تنظيم «القاعدة» قد حظي في البداية بقدر معيّن من الدعم، إلّا أنّه خسر معظم المسلمين عندما لاحظوا أنّ التنظيم ألحق الضرر بمصالحهم. ويدل ذلك على أنّ النداءات الإنسانية ليست قويّة بقدر مناشدات المصالح الشخصية العمليّة. وفي حين يؤكّد الكثيرون في الغرب أنّه لا يوجد حل عسكري لـ تنظيم«الدولة الإسلامية»، يقول المستطلَعون العرب أّن على الوسائل العسكرية أن تشكّل جزءاً من الحلّ، مع الإشارة إلى أنّه لا يمكن هزيمة التنظيم من خلال بذل جهود في مجالات التعليم، والتوظيف، ومحاربة الفساد فقط.
باتريك شميت
معهد واشنطن