لندن – ظل اتجاه تحرك أسعار النفط والدولار هو نفسه لأكثر من شهر، وهو أمر غير عادي بسبب العلاقة العكسية النموذجية بين البضاعة والدولار. ولكن الارتباط الإيجابي الذي يشهده ارتفاع أسعار الدولار والنفط الخام ليس نادرا، ولو أنه يختلف عن الارتباط العكسي المألوف والمتكرر منذ عقود.
وتعدّ المؤسسات المالية وأوبك+ في الحقيقة المسؤولتيْن عن الارتباط الإيجابي الحالي الذي يتوقع المحللون أن يكون قصير الأجل، حيث ستعيد المخاوف بشأن الاقتصاد الارتباط العكسي بين أسعار النفط والدولار.
ويتواصل تسعير النفط بالدولار. ويؤدي ارتفاع هذه العملة في العادة إلى خفض أسعار النفط، ويدفع ضعف الدولار في المقابل إلى رفع سعر النفط الخام. ويعني ارتفاع الدولار أن النفط سيكون أكثر كلفة بالنسبة إلى معتمدي العملات الأخرى، بينما يساعدهم الدولار الضعيف في الحصول على المزيد من النفط الخام. ويجعل ارتفاع الدولار النفط الخام أكثر كلفة بالنسبة إلى المستوردين الذين يستخدمون عملات أخرى غير الدولار، مما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط.
سوق النفط قد تضيق أكثر خلال الأشهر المقبلة، لكن المخاوف الاقتصادية وارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل يمكن أن يُضعفا الطلب على النفط الخام
واختفت هذه العلاقة العكسية النموذجية في نهاية الصيف بسبب تخفيضات أوبك+ والتخفيض الطوعي الإضافي للإنتاج السعودي واستمرار رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، على الرغم من أن الذروة قد تكون قريبة.
ويقول المحللون إن الارتباط الإيجابي غير المعتاد في العلاقة بين الدولار والنفط قد ينتهي؛ إذ يمكن أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي المتوقع أو الركود في العديد من الاقتصادات المتقدمة ويضغط على أسعار السوق.
وقد ارتفعت قيمة الدولار وأسعار النفط الخام منذ مطلع سبتمبر الماضي. وبلغ الارتباط الإيجابي في 29 سبتمبر أعلى مستوياته منذ منتصف مارس الماضي.
وكان ارتفاع الدولار بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، في حين أدت تخفيضات إمدادات أوبك+ إلى حصول عجز في السوق، وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال عام في نهاية سبتمبر الماضي.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط الخام خلال معظم شهر سبتمبر، قالت السعودية وروسيا (الشريكان الرئيسيان في أوبك+) في بداية أكتوبر إنهما ستبقيان على تخفيضات إمدادات النفط في نوفمبر القادم.
وتقول تسفيتانا باراسكوفا المحررة في موقع أويل برايس الأميركي إن أوبك+ باعتبارها “البنك المركزي” لإمدادات النفط تؤثر على الأسعار في السوق من خلال تقييد الإنتاج والصادرات، على الرغم من أن التصريح الرسمي الصادر عن الكارتل وحليفته روسيا يقول إن هذه التخفيضات تهدف إلى “الحفاظ على الاستقرار والتوازن في أسواق النفط”.
ويقول محللون إن سوق النفط قد تضيق أكثر خلال الأشهر المقبلة، لكن المخاوف الاقتصادية وارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل يمكن أن يُضعفا الطلب على النفط الخام.
ولم يتواصل هدوء الأسواق لفترة طويلة بطبيعة الحال، وعاد خطر الحرب في الشرق الأوسط هذا الأسبوع. ويُقال إن فرص تأثير انتشار الحرب بين إسرائيل وحماس على إمدادات النفط قليلة فحسب وليست منعدمة.
ويقول محللون في “آي إن جي” إن الصراع قد يدعم الدولار بشكل أكبر. وذكروا في وقت سابق من هذا الأسبوع أن “إيران تثبت بحوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا أنها المصدّر الهامشي الرئيسي للنفط هذا العام، ويمكن إضافة علاوة مخاطر جيوسياسية إضافية إلى النفط الخام في حالة فرض العقوبات على الخام الإيراني بقوة أكبر أو إن لاقى أي ردّ مباشر”.
وقال إستراتيجيو سوق الصرف في آي إن جي “بعيدا عن التطورات في إسرائيل، صدر الجمعة تقرير الوظائف غير الزراعية القوي في الولايات المتحدة وقد يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي في وضع متشدد لفترة أطول قليلا”. ولاحظ إستراتيجيون آخرون هذا الأسبوع مؤشرات مبكرة على تدنّي قوة الدولار.
كبير محللي السوق في أواندا يرى أن “سوق النفط ستظل متوترة أو ستزداد توترا بدخولنا فصل الشتاء”
وقالت الخبيرة الإستراتيجية في الأسواق الآسيوية تشارو تشانانا “لقد أكدنا سابقا أن ظهور مؤشرات واضحة على تدهور الاقتصاد الأميركي قد يكون عاملا ضروريا لعكس اتجاه صعود الدولار”.
وكتبت الخبيرة في ساكسو بنك ضمن مذكرة الثلاثاء “كل ما لدينا الآن هو تقرير الوظائف غير الزراعية القوي وتصاعد التوترات الجيوسياسية. وبينما كان من المفترض أن يعزز ذلك قوة الدولار، تبقى الرسالة القادمة من حركة الأسعار دالةً على الإنهاك”.
ويرى العديد من المحللين أن العلاقة الإيجابية بين الدولار وارتفاع أسعار النفط الخام لا يمكن أن تستمر لفترة أطول. وقال تاماس فارغا من بي.في.أم للوساطة النفطية في تقرير لوكالة رويترز تعليقا على الارتباط بين أسعار الدولار والنفط “أعتقد أن قوة الدولار ستؤدي في النهاية إلى انخفاض الطلب”.
وقال إدوارد مويا، كبير محللي السوق في أواندا، “يبدو اتجاه النفط متفائلا رغم مخاطر الإمدادات المحتملة الناجمة عن الحر وبفضل التفاؤل بأن الصين ستبذل كل ما في وسعها لبلوغ أهدافها التنموية. لكن يبدو أن سوق النفط ستظل متوترة أو ستزداد توترا بدخولنا فصل الشتاء”.
العرب