تتباين التقديرات الإسرائيلية بشأن احتمال نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، على الرغم من التصعيد الذي تشهده الأيام الأخيرة على الحدود الفاصلة بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وتميل العديد من الآراء إلى أن إسرائيل تفضّل عدم فتح جبهة حرب إضافية، والتركيز في حربها على قطاع غزة وحسابات الاجتياح البرّي للقطاع، كما أن “حزب الله” اللبناني ليس معنياً بدخول حرب في الوقت الراهن، بحسب بعض التقديرات، ومع هذا لا يستبعدون نشوبها.
وذكرت صحيفة “معاريف”، أول من أمس الأحد، بأن التقديرات الراجحة لدى المستوى الأمني الإسرائيلي، هي بأن “حزب الله” لن يتدخل، لكنه يأخذ بعين الاعتبار أيضاً احتمالات وجود فشل استخباري، وعليه لا يستبعد خيار الحرب.
على الأرض، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين، إخلاء 28 مستوطنة وبلدة على الحدود مع لبنان، فيما يواصل حشد قواته ومدرعاته على هذه الحدود ورفع مستوى جهوزيته وحالة التأهب، تحسباً لأي تطورات جدية. تضاف إلى ذلك التحذيرات الإسرائيلية المتتالية لـ”حزب الله” من مغبة دخول الحرب.
عاموس هارئيل: في الظروف العادية، لربما كانت إسرائيل قد شنّت منذ فترة حرباً على لبنان، بسبب هجمات حزب الله
وفي هذا السياق، رأى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، أنه كلما زادت احتمالات الاجتياح البرّي لقطاع غزة، ازداد معها التوتر على الحدود اللبنانية، مشيراً إلى الهجمات اليومية المتبادلة على طول الحدود، ما أدى إلى سقوط قتلى.
وتابع هارئيل أنه “في الظروف العادية، لربما كانت إسرائيل قد شنّت منذ فترة حرباً على لبنان، بسبب هجمات حزب الله، والتي تشمل إطلاق صواريخ مضادة للدبابات وقذائف هاون وصواريخ، لكن حالياً إسرائيل ترد بقصف مدفعي وهجمات جوية على طول الحدود وتطارد مسلحين يحاولون التسلل”. ورجّح أن سبب ضبط إسرائيل نفسها في هذه المرحلة، هو رغبتها بالتركيز في الحرب على غزة.
تقارير عربية
وزيرة خارجية فرنسا في لبنان… محاولة لإبعاد “حزب الله” عن الصراع
ومن جهة “حزب الله”، بحسب هارئيل، فإنه بدوره “يحاول ردع إسرائيل عن توغل برّي في شمال القطاع، لتجنب توجيه ضربة صعبة لشريكته حركة حماس”. لكن التنظيم اللبناني “لم يعلن حتى الآن عن حرب، ويختار ردّاً محدوداً على هجمات إسرائيل، إلا أن هذا الوضع قابل للانكسار في أي لحظة”، بحسب الكاتب.
وأشار المحلل العسكري في “هآرتس”، في الوقت ذاته، إلى “وجود احتمال كبير لحدوث خطأ في التقديرات، يؤدي إلى حرب متعددة الجبهات بين إسرائيل وأعدائها، أي إلى حرب إقليمية”. ورأى أن “القرار النهائي يبدو أنه سيكون في يد القيادة الإيرانية في طهران و(الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في بيروت”، إذ “سيتوجب على إيران أن تقرر ما إذا كانت على استعداد للمخاطرة بمشروعها الرئيسي، أي حزب الله، في محاولة لإنقاذ حماس من أضرار جسيمة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تأخذ في الاعتبار إمكانية التدهور إلى صراع عسكري غير مباشر”.
حسابات “حزب الله” و”حماس”
من جهته، اعتبر الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، في مقال تحليلي، في “هآرتس”، أمس، أن الحرب في لبنان ليست أمراً واقعاً بالضرورة، مضيفاً أنه “بخلاف حماس، فإن حزب الله اللبناني لديه خريطة مصالح إقليمية ومسؤولية تجاه الدولة، كما لن يكون هناك استعداد لدى إيران للتضحية والمخاطرة به من أجل فلسطين”.
ورأى برئيل أن “حزب الله” وإيران سيتركان قرار الشروع في حرب بلبنان لإسرائيل، “فعلى الرغم من إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات على مواقع الجيش الإسرائيلي على مدار أسبوع، فإن ذلك لا يعني استعدادهم للمشاركة الكاملة في الحرب وتنفيذ استراتيجية توحيد الساحات التي اتفقا عليها مع قيادات حماس والجهاد الإسلامي في اللقاءات التي عقدوها خلال العام الحالي”.
وكتب برئيل في هذا السياق: “لم تتضح التعليمات التي حملها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته إلى لبنان يوم الجمعة الماضي، واكتفى بالتحذير، بعد لقائه نصر الله ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، من أن فتح المزيد من الجبهات مع إسرائيل هو احتمال قائم، لكنه أكد في الوقت ذاته على أن أهم شيء هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء في الدولة”. مع ذلك، برأي الكاتب، فإنه “لا ينبغي أن نستنتج من هذه الأمور أن الجبهة الشمالية يمكن أن تكون هادئة، وهي في الواقع ليست كذلك، لكن من المفيد أيضاً أن نتذكر الاختلافات بين حماس وحزب الله”، مشيراً بأن “حزب الله” لم يخض أي حرب حتى اليوم بسبب القضية الفلسطينية، كما فضّل تعزيز قوته العسكرية دون أن يستخدمها، حفاظاً على موازين الردع بينه وبين إسرائيل.
كما اعتبر برئيل، أنه بخلاف “حماس”، فإن “لدى حزب الله دولة يديرها ومكانة إقليمية نابعة من الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط وليس فقط في لبنان. ولديه مكانة في الحكومة اللبنانية، ويقرر السياسيات الداخلية والخارجية للدولة اللبنانية، ويصادق على اتفاقيات دولية أو يلغيها، كما أن له مكانة في حروب بالمنطقة، ليس فقط في سورية وإنما أيضا في اليمن ومع المليشيات الشيعية في العراق”، وفق تقريره.
يوسي يشواع: الأولوية تبقى لتصفية الحسابات مع حماس، وإظهار الثمن الذي ستدفعه وللإيرانيين ونصر الله
وفي الجانب الإسرائيلي، أشار برئيل إلى وجود أصوات ليست بقليلة، تحاول الدفع باتجاه “القضاء على قدرة حزب الله إلى الأبد”، في موازاة القضاء على “حماس” في غزة. وأضاف أن “الولايات المتحدة التي نشرت حاملتي طائرات في جوار إسرائيل لمنع تطور جبهات إضافية، تدرك هذه الأجواء في إسرائيل، وتمارس في الوقت نفسه ضغوطاً هائلة لمنع لبنان من التحوّل إلى جبهة حرب”. وفي هذا السياق، قال برئيل إن الولايات المتحدة لا تمارس ضغطاً على إسرائيل فقط وإنما تفحص الأمر مع دول أخرى في المنطقة يمكن أن تؤثر على إيران لردع “حزب الله”.
فرصة تاريخية
الصحافي المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية في “يديعوت أحرونوت”، يوسي يشواع، أكد بدوره وجود أصوات في إسرائيل مطالبة باستغلال التصعيد الحاصل على الجبهة اللبنانية والشروع في حرب. وأفاد في هذا الإطار، بوجود تخبّط لدى المستوى الأمني الإسرائيلي، إزاء انتظار خطوة “حزب الله” لجرّ إسرائيل إلى حرب أو مبادرة إسرائيل إلى توجيه ضربة قاسية له، باعتباره “تهديداً أكبر بكثير من التهديد الذي تشكّله حماس”.
ورأى يشواع أن “الأولوية الآن تبقى لعملية برّية من أجل تصفية الحسابات مع حماس، وإظهار الثمن الذي ستدفعه الأخيرة للشرق الأوسط وللإيرانيين ونصر الله أيضاً، ومن ثم التفرّغ لحزب الله إذا لزم الأمر”.
لكن الكاتب أشار إلى عدم وجود إجماع إسرائيلي حول مسألة “حزب الله”، بل هناك اختلافات في الرأي بشأن تفسير سلوك “حزب الله” وإيران، وأن هناك أصواتاً أكثر تعتقد أنه رغم التصريحات والتهديدات، فإن الإيرانيين لا يعتزمون منح الضوء الأخضر لحرب شاملة في ظلّ الظروف الحالية، وذلك بسب جهوزية إسرائيل التامة.
مع ذلك، شدّد يشواع على وجوب الحذر، وكذلك الإشارة إلى وجود “المزيد والمزيد من المسؤولين في الجيش، الذين يعتقدون أن هذه فرصة تاريخية لإزالة التهديد الكبير الذي تشكلّه قوات (الرضوان) على السياج الحدودي”. وكتب معلّقاً: “لقد صُدم الجمهور (الإسرائيلي) بما حدث في الجنوب (طوفان الأقصى) وسيتمكّن من استيعاب جبهة أخرى من أجل القضاء على خطر أسوأ في الشمال. عدم استغلال هذه الفرصة التاريخية هو خطأ فادح، خصوصاً أن الجيش مجنّد والجبهة الداخلية جاهزة والولايات المتحدة إلى جانب اسرائيل”. في المقابل، فإن “هناك من يرى أنه يفضّل الانتظار حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية في غزة، وحلّ قضايا أخرى يفضل عدم الخوض فيها علناً”، قبل أي مواجهة مع “حزب الله”.