اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أمس الخميس، أن الحرب التي يخوضها جيش الاحتلال على فصائل المقاومة في غزة، هي «حرب العالم المتحضر» و«القوى التقدمية والإنسانية» ضد «قوى الشر» التي تهدف «لإحباط جهود السلام في الشرق الأوسط».
لقي التصريح، الذي كان نتنياهو قد استخدمه قبل أيام أيضا، أصداء مختلفة ضمن «العالم المتحضر» الذي زار كبار قادته ومسؤوليه إسرائيل لإعلان التضامن، وفي مقدمتهم طبعا، الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قامت إدارته، بعد عملية «حماس» العسكرية في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي، بتحريك حاملتي طائرات وسفن حربية وحشد 2000 جندي في شرق المتوسط.
ربطت إدارة بايدن هذا التحشيد العسكري الكبير بردع إيران و«حزب الله» عن الاشتراك في الحرب الدائرة، ودعمت بريطانيا هذا الاتجاه بالإعلان عن إرسال سفينتين حربيتين وطائرات لشرق المتوسط، كما أعلنت ألمانيا استعدادها لدعم إسرائيل عسكريا.
تجاوزت أمريكا قضية ردع إيران و«حزب الله» و«منع توسيع الحرب» إلى التدخّل، عمليا، في الحرب الجارية على الفلسطينيين، في غزة (والضفة) عبر تقديم المعدات والذخائر التي أخذت تتوارد على إسرائيل، ومنها أسلحة مخصصة تحديدا لاستهداف الفلسطينيين والمقاومين في غزة.
كان الدعم السياسي الغربي لإسرائيل أكثر وضوحا بكثير، فبعد محاولة بايدن للظهور كوسيط يتعامل مع كلا الجانبين خلال زيارته للمنطقة، تعرّض مشفى المعمداني للقصف (وهو مشفى أسسته الكنيسة الأسقفية الانغليكانية عام 1882 أي قبل إعلان تأسيس إسرائيل بـ102 عام) فألغى القادة العرب قمتهم معه وتابع بايدن سفرته إلى إسرائيل حيث حمّل الفلسطينيين، من هناك، مسؤولية قصف أنفسهم، كما تجنّب، في لقاء قبل سفره، الجواب إن كانت إسرائيل خلال هجومها على غزة تلتزم بقوانين الحرب.
تجاوزت مواقف الساسة الغربيين، وخصوصا في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حالة «التماهي» مع الموقف الإسرائيلي، إلى تهديد مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير والقوانين الدولية. تعاملت الدول الغربية مع إسرائيل كـ»بقرة مقدسة» يجب أن يُعاد تدوير كل شيء لتأمين مصالحها، وتكريس سرديتها، والتمويه على احتلالها للأراضي الفلسطينية، واستخدم هجوم «حماس» لتبرير استهداف الفلسطينيين جميعا. خضعت «هيئة البث البريطانية» لضغوط بقصد تغيير سياستها التحريرية لأول مرة في تاريخها، فحظرت فرنسا وألمانيا المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وتوعد وزير العدل الفرنسي من يتضامنون مع الشعب الفلسطيني بالسجن 5 سنوات، ورفضت باريس منح تصاريح مظاهرات داعمة للقضية، واعتدت قوات الشرطة الألمانية على ناشطين عرب وألمان واعتقلت العشرات منهم مؤخرا، واقترحت كتلة برلمانية ألمانية أن يكون الاعتراف بإسرائيل شرطا للحصول على الجنسية.
انتقلت هذه الحرب السياسية إلى الإعلام فلم تفرق الكثير من الصحف الغربية بين «حماس» والسلطة الفلسطينية والفلسطينيين، واستفاضت في نشر الأخبار الزائفة والتحريضية ضد الفلسطينيين، كما انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة كفيسبوك ويوتيوب وحتى «تيك توك» (التابعة للصين) حيث ساهمت إدارات هذه المواقع في حظر المواقف الفلسطينية، وتخصيص موارد كبيرة لإلغاء حالات التعاطف مع الفلسطينيين.
تكشف هذه السلسلة المتشابكة من إعلانات انحياز القوة العسكرية والسياسية والإعلامية الغربية إشكالية كبرى تتعلّق بمفهوم «العالم المتحضر» الأوروبي في علاقته بإسرائيل. تفضح هذه المواقف، من جهة، علاقتها بتاريخ طويل من النزاع على أرضيّات المصالح والأيديولوجيا بين ضفتي المتوسط، يمكن أن يعيدنا، للحروب الصليبية (كما اقترح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ذات مرة) كما يعيد، صراحة، الربط بين نشوء إسرائيل، والتاريخ الاستيطاني والكولونيالي الغربي، كما بالحربين العالميتين، اللتين شكلتا العالم الحديث، وبجرائم الإبادة الجماعية والمحرقة اليهودية، وكلّها «إنجازات» يريد «العالم المتحضّر» أن يدفع الفلسطينيون ثمنها.