كلهم مشتركون في المجزرة

كلهم مشتركون في المجزرة

هذا هو الوجه الحقيقي لما يسمى الحضارة الغربية من دون أصباغ على الوجه، أو شعر مستعار أو أدوات تجميل. كلهم مشتركون في المجزرة من مواقعهم المختلفة. كيان أنشأوه على المجازر، ومدوه بكل وسائل القتل والدمار وآلات الموت.. ساعدوه في إنشاء سلاح نووي يستطيع أن يصل العواصم العربية القريبة منها والبعيد. تسابقوا إلى تسليحه، فقدمت له بريطانيا شهادة الميلاد والمهاجرين ومعسكراتها وسلاحها جميعا كي يصلب عوده وعلقوا الفلسطينيين على المشانق حماية للكيان. فرنسا قدمت له التكنولوجيا النووية والميراج والسلاح، أما بلد القيم الأمريكية و»أرض الأحرار وموطن الشجعان» كما يقول نشيدهم المغمس بدم ملايين السكان الأصليين، فقد حضنه ودلـله ومده بكل أنواع السلاح والقبب الحديدية والغواصات والصواريخ والأباتشي والمقاتلات من كل الأنواع، وقال له لقد تسلمت المهمة من بريطانيا وفرنسا وما عليك إلا أن تتكئ على كتفي.
ألمانيا التي قتلت ملايين اليهود في أبشع مجزرة في العصر الحديث، وتكفيرا عن ذنوبها، قدمت الفلسطينيين قربانا للمحرقة المتواصلة منذ عام 1948، تمده بالمليارات والذهب والدموع والسلاح والغواصات، وتجرم العربي إن رفع علما فلسطينيا. هذه هي حضارتهم التي ما انفكوا يتغنون بها ويسمون أنفسهم «العالم المتحضر». نحن في الوطن العربي عرفنا هذه الحضارة عن قرب، فقد علمتنا إياها فرنسا في سطيف وغالمة عندما جندلوا 45000 متظاهر سلمي يطالب بالاستقلال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وألحقوا بهم مليونا ونصف المليون في مدن وجبال وبوادي الجزائر. وتعلمنا شيئا من حضارتهم عندما قمنا بزيارة لمتحف الجماجم في باريس، وعندما مررنا على ساقية سيدي يوسف وبنزرت والريف المغربي ونحن نعد الضحايا. تلك هي الحضارة الفرنسية في أبهى صورها وآخر تجلياتها منع المظاهرات المؤيدة لفلسطين.

كيان أنشأوه على المجازر، ومدوه بكل وسائل القتل والدمار وآلات الموت.. ساعدوه في إنشاء سلاح نووي يستطيع أن يصل العواصم العربية القريبة منها والبعيد

أما حضارة الإنكليز فقد علموها للعالم تقوم على إبادة السكان الأصليين واستعبادهم ونقلهم عبيدا لإدارة آلتهم الصناعية، مجازر استمرت قرونا، وللتذكير فقط فقد أخمدت بريطانيا ثورة للسكان الأصليين في كينيا بدأوها عام 1952 وقمعها الإنكليز سنة 1960 ـ وقيل إن عدد القتلى من الماو ماو والثوار الآخرين 11 ألف قتيل من بينهم 1090 مدانا شنقتهم الإدارة البريطانية، فيما قُتل 32 مستوطنا أبيض فقط خلال 8 سنوات من الطوارئ. الملك جورج كان يمنح جنيها إسترلينيا عن كل جلدة رأس يسلخها الرجل الأبيض عن رأس الساكن الأصلي المذبوح في البراري الأمريكية. حل الإنكليز في بلادنا لتعليمنا الحضارة في فلسطين والعراق ومصر واليمن الجنوبي. يا سلام على تلك الأيام، كان الإنكليز يتلذذون في قتل الناس واصطيادهم. وكانوا يتراهنون على من هو أمهر في الرماية باختيار شخص بعيد وإطلاق النار عليه. مقابرهم بعد ثورة العشرين في العراق شاهد على التجربة. في فلسطين زرعوا الكيان وعينوا مندوبا ساميا صهوينيا ليسهل الهجرة وتنفيذ وعد بلفور. سهلوا له امتلاك الأراضي والسلاح والتدريب وضموا فرقة منهم في الجيش أثناء الحرب العالمية الثانية ليكونوا جاهزين، وعندما حل الرحيل سلموهم المعسكرات والسجون والسلاح ليكونوا أكثر جاهزية لإعلان ما سموه زورا وبهتانا «الاستقلال» وكأن بريطانيا كانت تستعمرهم هم وليس فلسطين العربية. أما ألمانيا فقد أبدعت في حضارتها كثيرا، حيث اخترعت أساليب الشي بالأفران والخنق بالغاز والحرق والدفن الجماعي في معسكرات الاعتقال، وأنجزت «المحرقة» التي لا يزال الألمان يدفعون ثمنها. لقد صنفوا أنفسهم فوق البشر ووضعوا اليهود في آخر القائمة والعرب درجة واحدة فوقهم. هذه هي الحضارة. ومن مفاخر الألمان والفرنسيين والإنكليز معا أنهم تسببوا في حربين عالميتين خلال عشرين سنة ذهب في الأولى نحو عشرين مليونا وفي الثانية نحو 60 مليونا. هكذا تكون الحضارة والقيم. وقد تقاسم الثلاثة هذا الشرف وضموا إليهم الولايات المتحدة. قرر الأمريكيون وحلفاؤهم الإنكليز معاقبة الألمان بعد الهزيمة واستهدفوا مدينة درزدين انتقاما فقتلوا نحو 200000 مواطن ألماني فقط، حسب المصادر الألمانية.
الولايات المتحدة وقيمها في هيروشيما
أما الولايات المتحدة فمبادئها العظيمة فاضت على العالم، وذاق طعهما أبناء اليابان في هيروشيما وناغازاكي وفيتنام ولاوس وكمبوديا والعراق وإيران وأفغانستان وبنما وتشيلي وغواتيمالا والدمينيكان. وأريد فقط أن أذكر الأعمدة الثلاثة التي أسست للدولة العظمى التي نراها اليوم، الإبادة البشرية للسكان الأصليين، والرق، والحروب.
– لقد شن الأمريكيون على السكان الأصليين حروبا متواصلة قدرت بـ1500 حرب أطاحوا بالملايين التي لا أحد يعطي أرقامها الحقيقية، وتتراوح بين 15 إلى 70 مليونا من الشعوب الأصلية ولم يبق في الولايات المتحدة مع نهاية الحروب في نهاية القرن التاسع عشر إلا نحو 283000 وضعوا في معازل. وهذه بلا شك، أكبر جريمة تطهير عرقي في تاريخ البشرية.
– أما جريمة استجلاب العبيد من افريقيا فقد فاقت كل خيال، وقفت على جانب منها شخصيا، لقد قمت برحلة شخصية إلى جزيرة «غورو» القريبة من عاصمة السنغال، أو جزيرة العبيد، كما كانت تسمى. بيوت تجميع العبيد ما زالت قائمة بعد ترميمها. وشرح لي المرشد كيف كان يجمع العبيد في هذه الغرف ويربطون بالسلاسل وكيف كانت النساء تحشر في غرف أخرى ويتم تقنين المعاشرة فيؤخذ الطفل من أمه بعد فترة قصيرة بانتظار التصدير. تم تغيير اسم الساحة الرئيسية في البلدة من ساحة أوروبا إلى ساحة «الحرية والكرامة» وتم تكريم «جورج فلويد» الأمريكي الأسود الذي خنقه شرطي أبيض. ترسو السفن هنا ويتم تحميلها بالعبيد وكان بعض المرضى والضعاف يرمون في البحر. تغادر السفن الجزيرة مكتظة تحمل فوق طاقتها من العبيد، من دون غذاء أو دواء أو صرف صحي، فيقع كثير منهم ضحايا للأمراض الفتاكة. وكان البحارة يحملون الشخص المريض ويقذفون به في عرض المحيط. فلا يصل شواطئ الأطلسي إلا أصحاب الأجسام المنيعة. حاول أبراهام لنكولن عام 1860 تحريرهم فاغتالوه، وأعلنت ولايات الجنوب الانفصال عن الدولة الاتحادية، ولم تبدأ عملية التحرير الحقيقي للسود إلا بعد مئة عام مع قيام حركة الحريات المدنية بقيادة مالكوم إكس ومارتن لوثر كنغ، فانحنى الرئيس جونسون ووقع الإعلان الرسمي لإنهاء العبودية والتمييز الممنهج ضد السود في 2 يوليو عام 1964. وكانت انتخابات عام 1968 أول انتخابات تلغى فيها كافة الاستثناءات وشارك فيها السود على قدم المساواة مع البيض، لكن القانون شيء وتطبيقه شيء آخر واجتثاث العنصرية من النفوس ليس أمرا سهلا. تغيرت بعض أنواع التمييز وجلها موجه الآن ضد العرب والمسلمين.
– أما الآفة الثالثة التي قامت عليها الدولة العظمى فهي الحروب وصناعة آلات الموت والدمار الشامل. فبعد تدمير السكان الأصليين انتقلت الدولة إلى حروب الجوار وشنت حروبا على المكسيك (1835- 1836 ثم 1846-1848) حيث انتزعت منها ولايات تكساس ومكسيكو الجديدة وكاليفورنيا. كما خاضت أساطيل الدولة الجديدة حروبا في البحر مع القراصنة اليونانيين ومع ساحل شمال افريقيا (1815) ما سميت حرب البربر، التي شملت المنطقة الممتدة من طرابلس إلى طنجة. ودخلت الدولة الفيدرالية في عديد من حروب الاستكشافات كما أطلق عليها مثل حرب ساحل العاج وفيجي وماليزيا. وانطلاقا من عام 1898 بدأت تتسع رقعة الحروب فدخلت الولايات المتحدة حربا ضد إسبانيا في مستعمراتها الجنوبية مثل كوبا وبنما وبورتو ريكو والفلبين. كما دخلت في حرب جديدة حول ترسيم الحدود مع المكسيك بين عامي 1910 و1918. ثم تحولت تلك الحروب إلى احتلال عسكري حيث احتلت نيكاراغوا وكوبا وهايتي وجمهورية الدومينيكان. ودخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى وشاركت في الحرب الأهلية في روسيا 1918- 1920 ثم دخلت في الحرب العالمية الثانية، التي استخدمت فيها السلاح النووي ضد اليابان بإسقاط قنبلتين هيدروجينيتين على هيروشيما وناغازاكي في أغسطس 1945. وبعدها دخلت في حروب عديدة في جنوب شرق آسيا مثل لاوس وفيتنام وكمبوديا. ودخلت قوات البحرية لبنان 1958 لحماية نظام شمعون كما غزت كوبا عام 1961 المعروفة باسم «معركة خليج الخنازير» إضافة إلى حرب الكوريتين وكمبوديا وغرانادا وبنما وحرب العراق الأولى فأفغانستان فحرب العراق الثانية وصولا إلى حرب كونية أطلق عليها الرئيس بوش «الحرب على الإرهاب».
هذه هي الحضارة الغربية التي جسدها الكيان الصهيوني بكل جدارة، فقد جمع الشر من كل أطرافه وجسّم المبادئ الغربية أفضل تمثيل ومن يريد مزيدا من الشرح نحيله إلى مستشفى المعمداني ـ الأهلي في غزة ليطلع على آخر السطور في ما يسمونه «الحضارة الغربية».