تسعى الولايات المتحدة الامريكية لوضع استراتيجية جديدة تحدد فيها مواجهتها لتنظيم الدولة الاسلامية وايجاد السبل والطرق الكفيلة بوقف تمدد وزحف هذا التنظيم وتجفيف منابع التمويل المالي الاقتصادي له واضعاف البنية التحتية التي يسعى التنظيم لإدامتها وتقويتها وبالتالي مواجهة التنظيم من خلال حلف دولي يتمكن من تحقيق الامن والسلم الدوليين الذي تسعى الولايات المتحدة لقيادته والشروع به على ارض الواقع بعد ان اصبحت في مواجهة حقيقة مع قوة التنظيم واتساع رقعة تواجده وامتداداته ليهدد الامن الاوربي في عدة عواصم أوربية وعربية ، الامر الذي من شأنه أن يقوض الامكانيات والتوجيهات والفعاليات التي يقوم بها التحالف الدولي منذ اكثر من 540 يوم لم تتمكن الضربات الجوية المستمرة لمواقع وأماكن تواجد التنظيم وقياداته ومقاتليه من التأثير على استمرار فعالية التنظيم بل عجز التحالف عن ايقاف تمدد مقاتلي التنظيم واستهدافه بشكل مباشر ومؤثر.
ولهذه الاسباب جاء خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما الموجه للامة الامريكية في السادس من كانون الاول 2015 من داخل البيت الابيض بعد الاعتداء الذي حصل بمنطقة (سان بيرناردينو) بولاية كاليفورنيا الذي سبب في وفاة (14) شخصا ، ليؤسس لخطاب امريكي جديد واستراتيجية ميدانية واضحة ودقيقة وكفيلة بمواجهة تنظيم الدولة تحت عنوان (اضعاف وتدمير تنظيم الدولة) وسعت الاجهزة والدوائر الامنية والاستخبارية الامريكية في هذه الخطة لتحديد أهم الجوانب والفعاليات الامنية الكفيلة بإضعاف التنظيم واستهداف
قياداته الميدانية وتشكيل حزمة دولية لمواجهته في اماكن تواجده وملاحقته في اي مكان من العالم ، هذه الرؤية والاستراتيجية الامريكية يمكن لنا ان نقرأها في الجوانب الاتية:
1.جاء الخطاب ليشكل حالة وجدانية انعكست على الاهتمام الداخلي للشعوب الامريكية بعد حادث كاليفورنيا والخوف والتوجس من وصول الارهاب اليهم وارتفاع منسوب القلق لديهم بحيث انعكس سلبيا على ما تواجهه الادارة الامريكية في مواجهتها للإرهاب .
2.بدأت الدوائر السياسية ورجالات المجتمع المدني والمؤسسات الامريكية تشكك في السياسة الخارجية التي تتبناها الادارة الامريكية وتحالفاتها الدولية في مكافحة الارهاب الدولي والتصدي لتنظيم الدولة الاسلامية .
3.التأكيد على انتهاج استراتيجية ميدانية واضحة المعالم والنتائج وتوخي الدقة في رسم الابعاد الواقعية لنجاح هذه الاستراتيجية بعيدا عن الاقوال والتصريحات الصحفية والاجتماعات ذات المضامين السياسية واسكات جميع المشككين بإمكانية الادارة الامريكية وأجهزتها الاستخبارية .
4.توضيح الابعاد المهمة والخطيرة لهذه الاستراتيجية وهي بعدم الانجرار الى حرب طويلة في منطقة الشرق الاوسط وعدم تكرار الحملات العسكرية والتدخل العسكري المباشر كما حدث في افغانستان والعراق وتكبيد الخزينة الامريكية الكثير من الاموال والخسائر في المعدات والارواح .
5.الالتزام بمكافحة الارهاب وملاحقة الارهابين اينما كانوا في اي مكان من العالم وبمشاركة دولية واقليمية عربية واسلامية عبر تعزيز التحالف الدولي وتسخير جميع الامكانيات المادية والعسكرية والتعبوية والاستخبارية في انجاح وادامة هذه الاستراتيجية .
6.التأكيد على ان الارهاب في منطقة الشرق الاوسط لا يمثل حقيقة الاسلام وطبيعة المسلمين فهو ارهاب متطرف بعيدا عن القيم والمثل العليا التي جاء بها الدين الاسلامي ونادى بها المسلمين وهو رسالة من الرئيس الامريكي ليؤكد حقيقة السياسة الامريكية تجاه حلفائهم في المنطقة وأن المسلمين لا يمكن لهم ان يتحملوا تبعيات هذا الفكر المتطرف .
7.الاعتراف بأن ما قامت به الادارة الامريكية ومؤسساتها المخابراتية والاستخبارية من تحليل لأهداف تنظيم الدولة الاسلامية وبأن ما يسعى اليه التنظيم هو التمدد في سورية والعراق جاء مغالطا للواقع وبعيدا عن فهم التنظيم، ولهذا نرى ان هذه الادارة اخطأت حينما اعتبرت تنظيم الدولة لا يرتكز في أهدافه على مهاجمة الاراضي الامريكية وهو نفس الخطأ الذي وقعت به عام 2009 عندما اعتقدت ان تنظيم القاعدة لا يستهدف الا منطقة شبه الجزيرة العربية وهي بهذا ابتعدت عن توضيح ما هية أهداف التنظيم والامكانيات التي يتمتع بها.
8.جاء الخطاب ليؤكد على أن ادارة الرئيس الامريكي اوباما قد استخفت بتهديدات تنظيم الدولة ولم تتوقع له ان يتقدم وان يكون له التأثير في امتداداته عبر شمال افريقيا وعواصم الدول الاوربية وأصبح تأثيره اكثر إيذاء وتهديدا لها ولمصالحها بالمنطقة .
9.سعت الادارة الامريكية الى تحديد مهامها المستقبلية في مواجهة التنظيم بإيفاد (50) خمسين مستشارا عسكريا ليشارك (وحدات الشعب الكردي) المتواجد داخل الاراضي السورية لرفع اداء مواجهتها لتنظيم الدولة وتعزيز مهمتهم في مداهمة اوكار قيادات التنظيم في سورية وتحرير الرهائن وجمع المعلومات الاستخبارية وتوسيع دورهم في سورية .
10.تجفيف ينابيع ومصادر تمويل التنظيم واجهاض خططه وحرمانه من القدرة على تجنيد الاشخاص واستقطاب عناصر جدد وادامة زخم مواجهته والشروع بقتاله واستهدافه والحد من نشاطاته وايقاف زحفه وتمدده في العراق وسورية.
11. التعاون مع الحكومة التركية في تأمين حدودها ومنع تسلسل مقاتلي التنظيم عبر حدودها وتكثيف الجهد العسكري والاستخباري في المتابعة الميدانية للأتراك ومجابهة التنظيم وايجاد الوسائل الفعالة في تحجيم حركته وانتقاله عبر الحدود التركية السورية .
12.العمل بشكل جدي وميداني للإسراع في تدمير قوة وفعالية تنظيم الدولة وتكثيف المساهمة الاوربية التي تعهدت بها الدول الاوربية وتحديدا(فرنسا والمانيا وبريطانيا) بعد هجمات باريس .
13.استخدام جميع الاجهزة الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي واجهزة الانترنيت والشروع بحملة اعلامية لمواجهة تنظيم الدولة فكريا من خلال المنظمات والمؤسسات الاسلامية المتواجدة في الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية والتأكيد على ان المعركة ليس مع الاسلام وانما مع الارهاب الفكري المتطرف والتأكيد على ان المسلمين حلفاء للأمريكان.
ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى لإثبات وجودها وهيمنتها على المنطقة وانها لا زالت تشكل القوة الاكثر تأثيرا في تحديد مسارات الصراع السياسي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط ، فهل تستطيع الادارة الامريكية من اثبات وجودها ومكانتها عبر المواجهة الجديدة لتنظيم الدولة الاسلامية ام سنرى تحالفات ومواجهات جديدة في مجمل الصراع القائم الان في المنطقة ؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية