دبلوماسية الرسائل لتحريك المياه الراكدة في مثلث الجزائر – فرنسا – مصر

دبلوماسية الرسائل لتحريك المياه الراكدة في مثلث الجزائر – فرنسا – مصر

دفعت الرسائل التي تلقاها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من كل من فرنسا ومصر المحللين إلى التكهن بوجود شيء ما بصدد التبلور على مستوى هذا المحور الثلاثي الذي يشهد فتورا في العلاقات منذ أشهر.

الجزائر – سلم السفير الفرنسي الجديد في الجزائر ستيفاني رومانو رسالة شخصية من الرئيس إيمانويل ماكرون إلى نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، وهي الثانية من نوعها في ظرف ثلاثة أسابيع، ولم يتسرب عن فحوى الرسالتين أي شيء.

وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية بأن السفير الفرنسي كان محل استقبال من طرف تبون، حيث سلمه رسالة من نظيره الفرنسي، دون تقديم توضيحات أخرى، كما أن السفير نفسه لم يدل بأي تصريح كما حدث مع الرسالة الأولى التي سلمها نهاية شهر سبتمبر المنقضي.

ويبدو أن شيئا ما يتبلور على محور الجزائر – باريس – القاهرة، ففي غضون هذا الأسبوع، استلم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف رسالة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، سلمها السفير المصري بالجزائر مختار جميل توفيق وريدة، دون أن يتسرب عن الرسالة أي شيء، ولو أن المحور الثلاثي تخيم عليه حالة الفتور منذ عدة أشهر.

ويظهر أن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، قد سرعت وتيرة اتصالات صامتة بين أطراف المثلث، ولو أن الفتور الذي يخيم على محوري الجزائر – باريس، والجزائر – القاهرة، يعود إلى أشهر سابقة، ويتضمن اختلافات متباينة، لكنها تظهر بشكل أعمق بين الجزائر وفرنسا.

وحمل الفتور بين الجزائر ومصر طابعا إقليميا لم يتعد حدود الوضع والأدوار داخل المنطقة العربية، وظهر بشكل جلي خلال تجاهل القاهرة للجزائر لطلب توجه به تبون لنظيره المصري، من أجل خارطة عملية لحملة دعم مادي ولوجستي تنوي توجيهه إلى سكان قطاع غزة، وعلى رأسه التكفل بكمية الوقود التي توفر حاجيات القطاع من الطاقة والكهرباء، لكن المصريين لم يتفاعلوا بالشكل الذي كانت تتمناه.

الفتور بين الجزائر وفرنسا يحمل طابع أزمة صامتة تجلت من خلال إعراض تبون عن زيارة باريس وتوجهه في نفس الوقت إلى روسيا

وحمل الفتور بين الجزائر وفرنسا طابع أزمة صامتة بين الطرفين، تجلت بشكل كبير خلال إعراض الرئيس تبون عن زيارة إلى باريس منتصف شهر يونيو الماضي، وتوجهه في نفس الوقت إلى روسيا، الأمر الذي اعتبر حينها حسما جزائريا في مسألة خياراتها الإستراتجية وشراكاتها الكبرى، بالتوجه نحو قطبي معسكر الشرق، على حساب علاقاتها مع الغرب مرورا بفرنسا، فضلا عن ركام الملفات المشتركة والمعطلة بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة.

ومع ذلك لا يستبعد أن يكون محتوى الرسالة الثانية للفرنسيين، على صلة بالتطورات المستجدة في قطاع غزة، ويرجح أن يكون محاولة من باريس لتحييد الجزائر عن دعم حركة حماس، بعدما ظهرت في الحلقة الثانية التي “أدانت العدوان الإسرائيلي ورفضت المساواة بين الهجوم الإسرائيلي وبين عملية طوفان الأقصى”، إلى جانب سوريا والعراق وتونس وليبيا.

وكان السفير الفرنسي الجديد بالجزائر قد أدلى بتصريح هام، غداة تقديم أوراق اعتماده، واستقباله من طرف الرئيس تبون، حيث سلمه رسالة خاصة من نظيره الفرنسي، لم يتم الكشف عن فحواها، ولو أن الرسائل التي أوردها في تصريحه أوضحت بشكل ما محتواها.

وذكر حينها “الجزائر وفرنسا تربطهما علاقة ذات كثافة متميزة، وأن السياق الحالي يدعو إلى تبني حوار تسوده الثقة بخصوص جميع التحديات الكبرى التي تؤثر على البيئة التي ينشط بها البلدان”.

وأضاف “لقد أعلمت الرئيس تبون بالموقف الذي تتبناه فرنسا في علاقتها مع الجزائر، لاسيما وأن الأمر يتعلق بعلاقة ذات كثافة متميزة تجعل من فرنسا والجزائر مع بعضهما البعض، بحكم التاريخ والجغرافيا، كما أن المستقبل يفرض علينا العمل المشترك أيضا”.

وأبرز السفير الفرنسي الجديد ما أسماه بـ”كثافة العلاقات البشرية واعتماد مجتمعي البلدين على بعضهما البعض، خاصة وأن ثمة الكثير من الأمور التي تربط البلدين”، في إشارة إلى الجالية الجزائرية في فرنسا والأفراد مزدوجي الجنسية أو ذوي الأصول الجزائرية، الذين يشكلون ثقلا اجتماعيا بما يحمله من اهتمامات وانشغالات ودور في المجتمع الفرنسي.

ودعا المتحدث إلى “تبني حوار تسوده الثقة بين البلدين حول جميع التحديات الكبرى التي تؤثر على بيئتنا التي ننشط فيها، وإلى ضرورة خلق علاقة جوارية بين بلدينا، ووضع أجندة مشتركة، والاستفادة من وجود الجزائر في مجلس الأمن الدولي بداية من مطلع العام القادم، لتكثيف حوارنا حول كبرى المسائل السياسية”.

وخيمت قطيعة غير معلنة بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، حيث ألغيت الزيارة التي كانت مبرمجة للرئيس تبون إلى فرنسا منتصف شهر يونيو، بينما توجه حينها إلى روسيا، الأمر الذي اعتبر آنذاك حسما جزائريا لخياراتها الإستراتجية نحو الشرق، بعدما ارتبطت طيلة العقود الماضية بالغرب.

وشكل قرار الجزائر بغلق المجال الجوي أمام سلاح الطيران الفرنسي، للحيلولة دون مروره إلى النيجر، حلقة جديدة في مسلسل الأزمة القائمة بين البلدين، حتى وإن كان ظاهره دعم المقاربة السلمية في حل أزمة البلد المجاور للجزائر، خاصة وأنها أطلقت مبادرة سياسية ترفض التدخل العسكري الخارجي وتحض على مخرج سياسي لاستعادة الشرعية الدستورية.

وكان البلدان قد عقدا الشهر الماضي اجتماعهما الدوري للمشاورات السياسية بباريس، على مستوى الأمينين العامين لوزارتي الشؤون الخارجية، ودرسا الملفات ذات الأولوية للتعاون الثنائي.

وأفاد بيان للخارجية الجزائرية بأن “الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية لوناس مقرمان ترأس أشغال الدورة العاشرة للمشاورات السياسية الجزائرية – الفرنسية، مناصفة مع نظيرته الفرنسية آن ماري ديكوت”.

وأضاف “هذه الدورة سمحت للطرفين بإجراء تقييم مرحلي استعدادا للاستحقاقات الثنائية المرتقبة، مع التركيز على الملفات ذات الأولوية في مجال التعاون الثنائي، وأن المحادثات تركزت أيضا حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك”.

كما أكد السفير الفرنسي أنه سلم “رسالة شخصية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون”، مشيرا إلى أنه قد استهل مهمته في الجزائر بـ”أجندة إيجابية”، وأعرب عن “تحمسه الشديد” لهذه المهمة في بلد وصفه بـ”المضياف جدا والقريب من فرنسا”.

ولفت في تصريحه إلى أن “العلاقة بين الجزائر وباريس تطبعها خصوصية لم تشهدها فرنسا مع باقي دول العالم، وأن ذلك يشكل دافعا للتقدم سويا وكذلك بدفع علاقتنا الثنائية نحو مستقبل أفضل، وتحقيق مشاريع مشتركة كبرى تحت إطار الجزائر الجديدة”.

 

العرب