هل تكرر مصارف العراق سيناريو إفلاس مصارف لبنان؟

هل تكرر مصارف العراق سيناريو إفلاس مصارف لبنان؟

بالرغم من كل التحذيرات والمخاوف، يبدو أن المصارف العراقية تواصل الانحدار سريعا نحو تكرار سيناريو إفلاس المصارف اللبنانية، نتيجة التخبط الحكومي في إدارة أزمة تدهور أسعار صرف الدولار، ونتيجة استمرار مافيات الفساد في حلب وتهريب الدولار من السوق العراقية لخدمة أجندات إقليمية معروفة.

وقبل أيام عقد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اجتماعا جديدا مع رؤساء المصارف لبحث أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار وتبسيط الإجراءات المصرفية.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان، إن «السوداني ترأس، الأحد الماضي، اجتماعا ضم محافظ البنك المركزي ومديري المصارف الحكومية، جرت فيه مناقشة إجراءات وآليات العمل المتخذة لتحقيق الإصلاح المصرفي». وأكد رئيس الوزراء أنّ «الإصلاح المالي ليس مجرّد شعار، بل سلسلة مفردات وإجراءات عزمت الحكومة على تنفيذها». ووجه «بتبسيط الإجراءات المصرفية كافة، فضلاً عن بحث العقبات التي تعترض عملية الإصلاح المصرفي».
وجاءت تصريحات السوداني بعد أن حذر خبراء المال من تداعيات فشل إجراءات وتعليمات أصدرها البنك المركزي العراقي ضمن محاولاته للسيطرة على الارتفاع المتواصل في سعر صرف الدولار في السوق الموازي. وفي السياق ذاته أكد عضو لجنة النزاهة النيابية النائب رعد الدهلكي، أن الحكومة والبنك المركزي والأحزاب تتقاسم المسؤولية في شأن أزمة الدولار، متوقعاً أن تشهد أسعار الصرف ارتفاعاً مستمراً.
وقال الدهلكي :»لا أريد أن أحبط الشارع ولا أن أخلق أزمة، لكن المؤشرات الحالية لا تبشر بانخفاض سعر الدولار بل بالعكس سنشهد صعودا تدريجيا في السعر للأسف» مبررا ذلك بعدم وجود رؤية واضحة لإعادة الدولار إلى سعره القديم، «لكون الإجراءات الرسمية غير كافية ولا تنفذ بالشكل الصحيح».
وقد شهدت العديد من البنوك في العاصمة، تجمعات من المواطنين الغاضبين للاعتراض على عدم سماح تلك البنوك باستعادة ودائعهم بالدولار، بحجة وجود تعليمات من البنك المركزي تمنع سحب الودائع بالدولار وتعويضهم عنها بالدينار وبالسعر الرسمي لتصريف الدولار البالغ 1320 فيما يصل سعره في السوق الموازي إلى نحو 1600 دينار لكل دولار.
وتزامنت هذه التطورات مع انطلاق تظاهرة في شارع الرشيد التجاري لأصحاب شركات الصرافة أمام مبنى البنك المركزي للمطالبة بإقالة الفاسدين داخل البنك المركزي ووضع حد لارتفاع أسعار صرف الدولار وتحكم مافيات المصارف الأهلية بالسوق، كما أغلق الكثير من أصحاب شركات الصيرفة في بغداد والمحافظات محلاتهم، وأوقفوا عمليات بيع وشراء الدولار لغياب الاستقرار في سوق صرف العملات، مما أدى إلى قفزة في أسعار صرف الدولار.
وخلال جولة لـ«القدس العربي» في بعض مصارف العاصمة العراقية، لاحظت ان بعض تلك المصارف امتنعت عن صرف الدولار إلاّ للمسافرين، فيما عمدت مصارف أخرى إلى تحديد السقف الأعلى للسحوبات من الحوالات بمبلغ 1000 دولار أمريكي فقط، كما لجأ مصرف TBI إلى تسليم الحوالات الخارجية بالدولار، لعدد محدود من الزبائن وبسقوف منخفضة.

ارتفاع أسعار الدولار في السوق

أكد رجل الأعمال سعد العبيدي لـ«القدس العربي» انه على اثر تصريحات مسؤول في البنك المركزي، فإنه قام بسحب كافة ودائعه بالدولار من حسابه في مصرفي الرافدين والرشيد، مشددا على قلقه من تكرار سيناريو إفلاس المصارف اللبنانية، وهو متوقع حسب قوله. وعبر العبيدي وهو صاحب شركة تجارية، عن قناعة التجار وأصحاب الشركات، بعدم الثقة بإجراءات البنك المركزي والمصارف في العراق التي اتسمت بالفوضى وانعدام التخطيط والفساد، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الدولار في السوق، وأضاف: «وبالتالي فهناك قلق قوي ومخاوف بان تقوم المصارف بالاستحواذ على ودائع الزبائن والشركات بالدولار وتعويضها بالدينار وبالسعر الرسمي الذي هو أقل من السوق الموازي الحقيقي بكثير، ما يتسبب بخسارة كبيرة للمودعين وخاصة من التجار والشركات». وقال العبيدي: «إن ما تقوم به المصارف الحكومية يقتل ثقة المواطن بها، فمنع المواطن من استعادة أمواله المودعة في المصارف مرفوض تماما، وهو سيؤدي إلى سحب المواطنين كافة ودائعهم بالدولار في البنوك العراقية».
وقد أحدثت تصريحات المسؤول في البنك المركزي حول الودائع بالدولار ردود أفعال غاضبة في الشارع، عندما قال مدير الحوالات الخارجية في البنك المركزي مازن صباح أحمد، في تصريح لوكالة «رويترز» إن «الأشخاص الذين يودعون الدولارات في البنوك قبل نهاية عام 2023 سيمكنهم سحب الأموال بالدولار في عام 2024 لكن الدولارات المودعة في 2024 لا يمكن سحبها إلا بالعملة المحلية بالسعر الرسمي البالغ 1320 دينارا للدولار». وأضاف «ان البنك المركزي غير ملزم وغير مجبر قطعاً على إعطاء حوالات واردة من أرصدة، وتحويلها إلى نقد وتسليمها بالدولار كاش». مبررا هذه الإجراءات بانها تحول دون وصول الدولار إلى جهات ممنوعة من الحصول عليه أو المضاربة به.
كما قام البنك المركزي بسلسلة من الإجراءات لمحاولة السيطرة على حركة وسعر الدولار في السوق الموازية، حيث قرر إيقاف استخدام بعض المؤسسات المالية مثل ويسترن يونيون وموني جرام وزين كاش وغيرها، فيما قرر قبل 3 أشهر، منع البنوك من منح الدولار لزبائنها عبر أجهزة الـ ATM.
وقبل ذلك أصدر مجلس الوزراء العراقي قرارا في نيسان/ابريل الماضي، ألزم الشركات والمصارف كافة باستخدام الدينار فقط في تعاملاتها، ومن ضمنها رواتب موظفي الشركات الأجنبية التي كانت بالدولار وأن تدفع بالدينار والسعر الرسمي 1320 ديناراً، باستثناء البعثات الدبلوماسية التي يتم دفعها بالدولار.

فشل إجراءات البنك المركزي

وأجمع الخبراء الاقتصاديون على ان إجراءات البنك المركزي لمواجهة تصاعد سعر صرف الدولار في السوق الموازي، جاءت بنتائج عكسية.
الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي أكد لـ«القدس العربي» ان ارتفاع سعر صرف الدولار موضوع اقتصادي وسياسي معقد لن يتمكن البنك المركزي العراقي من مواجهته لوحده مهما فعل، وان الهدف منه هو تقويض التجارة بين العراق وإيران. مشيرا إلى وجود ممثل الخزانة الأمريكية في سفارة بلاده في بغداد، الذي يراقب عمليات صرف الدولار للتأكد من عدم ذهاب الأموال إلى إيران. علما بأن حجم التجارة بين العراق وإيران يصل إلى نحو 10 مليارات دولار سنويا، وتريد إيران الحصول على مستحقاتها بالدولار عبر بنوك في الإمارات وغيرها إضافة إلى حاجة المسافرين والمرضى والسياح للدولار، حيث يشكل السياح العراقيون نحو 55 في المئة من السياحة في إيران وينفقون نحو 3 مليار دولار سنويا» حسب قوله.
وحذر المرسومي من استمرار الفجوة المتزايدة بين سعر الدولار الرسمي والموازي، ونتائجه السلبية على الاقتصاد العراقي، كاشفا وجود متغير خارجي على سعر الصرف يتمثل في القيود الأمريكية على حركة الدولار في العراق لمنع وصوله إلى إيران، ومبينا ان «استمرار الفجوة المتزايدة بين السعرين الرسمي والموازي للدينار مقابل الدولار تشكل خطرا على النظام السياسي والحكومة العراقية إذا لم يتم تحييدها أو تقليصها». وتوقع المرسومي استمرار أزمة الفرق الكبير في أسعار الصرف عند إطلاق الحكومة صرف الميزانية الذي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الإنفاق والتجارة وسيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق. وعن آفاق حل الأزمة، أكد أن الحل يكمن في اتجاهين هما قطع تجارة العراق مع إيران، أو إلغاء واشنطن العقوبات على إيران، وكلاهما غير وارد حاليا، لذا فإن الأزمة مستمرة الآن ومستقبلا، مقرا بان تهريب الدولار من العراق مستمر منذ عام 2003.
وكان أحد مستشاري حكومة السوداني، كشف إن «الولايات المتحدة الأمريكية حذرت حكومة السوداني ثماني مرات، وبصورة علنية وواضحة من استمرار بيع الدولار بكميات كبيرة عبر نافذة مزاد العملة في البنك المركزي، وقد قدمت أدلة كثيرة على قيام غالبية المشترين للدولار بتهريبه إلى إيران وسوريا ولبنان». ولذا فإن واشنطن فرضت عقوبات على 18 مصرفا عراقيا ومنعتها من التعامل بالدولار، لكون المصارف العراقية تحولت إلى شريان مالي حيوي لإيران الخاضعة للعقوبات الأمريكية.
ويتفق الخبراء الاقتصاديون على ان أهم جانب اقتصادي لم تنجح به حكومة محمد شياع السوداني هو السيطرة على سعر صرف الدولار. ورغم سيل التصريحات والوعود وتغيير محافظ البنك المركزي، إلا إن جميع هذه الإجراءات كانت ذات أثر سلبي في ارتفاع قيمة الدولار وتهاوي قيمة الدينار العراقي. وأشاروا إلى أن حكومة بغداد تدعي لواشنطن، سيطرتها على تهريب الدولار إلى إيران، وتظن ان واشنطن سينطلي عليها هذا الادعاء، وهو أمر غير معقول مع القدرة الأمريكية لكشف حركة الدولار في العالم. وهكذا فإن أحزاب السلطة في بغداد تغامر بمصلحة الاقتصاد العراقي لمصلحة حلفائها في طهران، حيث من المتوقع ان يتعرض العراق إلى العقوبات الأمريكية التي ستجعل مصير اقتصاد العراق، نفس مصير اقتصاد لبنان الذي انهار بفعل نفس السيناريو والمخرج والأدوات.