المنتقدون المغفلون يتهمون نتنياهو بجر الأرجل في ما يتعلق بقرار الدخول البري إلى غزة. لكن دون صلة بمسؤولية نتنياهو الكاملة عن الضربة المضرجة بالدماء التي وجهتها لنا حماس في 7 أكتوبر، علينا أن نتذكر بأنه هو القائد، والمسؤولية ملقاة عليه. ويقول لنفسه إنه من الأفضل الحذر خشية أن يصاب جنود الجيش بأعداد خيالية.
زميلاي ناحوم برنياع ورونين بيرغمان، كتبا أمس في “يديعوت أحرونوت” عن أزمة الثقة بين الجيش ونتنياهو. يضاف إلى هذا سيرة لنتنياهو بصفته رئيس وزراء، التي تتشكل في الغالب من الامتناع عن استخدام القوة المبالغ فيها. بين منتقديه من وصفه بـ “جبان”، لكن آخرين رأوا في ذلك مؤشراً إيجابياً. هكذا الآن أيضاً: صحيح أن نتنياهو يمتنع عن شرح دوافعه للجمهور، لكن الواضح للجميع بأن لديه أسباباً عديدة ووجيهة للتشكيك في خطط الجيش للدخول البري.
منذ 7 أكتوبر يجلس أمام نتنياهو سلسلة من كبار المسؤولين: رئيس الأركان، ورئيس “أمان”، ونظيراهما في “الشاباك” والموساد، بينما تعلو الزبدة رؤوسهم.
لا يمكن تكنيس دورهم في المصيبة التي شهدناها تحت البساط. وبنزاهتهم تحمل بعضهم المسؤولية عما حصل. أما نتنياهو، فيفكر بالضحايا من بين الوحدات التي ستدخل إلى القطاع. يسأل نفسه هل سيصمد المجتمع الإسرائيلي أمام الثمن الذي سيجبى منه لغرض الانتصار على حماس؟.
يجب أن تضاف إلى هذا حقيقة أن نتنياهو ليس الوحيد الذي يتحكم بالحدث، على أقل تقدير. فمنذ السبت الرهيب إياه، بات لدولة إسرائيل تصفية أملاك سياسية أمام الولايات المتحدة، فيما “يشير بايدن ” إلى نتنياهو أو “يطلب بشكل لطيف” تأجيل المناورة البرية، والتركيز على الجهد الدولي لتحرير المخطوفين، فهو عملياً يقول له: لا مناورة برية حتى إشعار آخر. المخطوفون أولاً.
و”أشار” بايدن على نتنياهو أيضاً بالامتناع عن هجوم مفاجئ على “حزب الله”، مثلما اقترح وزير الدفاع غالانت. من يتعلق باستمرار تلقي المساعدة بعشرات المليارات من أمريكا، ملزم بإبداء التواضع وخصوصاً كظم الغيظ وتنسيق خططه مع الولايات المتحدة. كما أن بايدن “يشير” للجانب الإسرائيلي أن يكشف عن المخطط لليوم التالي لحماس، لكن لا يوجد في طرفنا جواب على سؤال من سيحكم ملايين الفلسطينيين في القطاع. نتنياهو لم يؤيد قط أفكاراً مثل وضع خطة دولية لمنح الغزيين أفقاً لحياة أخرى غير تلك التي فرضتها عليهم حماس. و”المشورة” بالسماح بدخول مساعدة إنسانية إلى القطاع هي الأخرى مصلحة أمريكية محضة، يحركها خوف الملك الأردني عبد الله والرئيس المصري السيسي من اضطرابات داخلية احتجاجاً على ترك الفلسطينيين لمصيرهم.
نتنياهو، لا شك، مسؤول عن المصيبة الأمنية التي تمر علينا بسبب سلوك بائس لحكومة أقامها قبل عشرة أشهر أدت إلى تدمير الخدمة العامة في إسرائيل. ومهم أن نتذكر: ليس سهلاً أن يكون المرء رئيس وزراء في إسرائيل. حتى في الأيام العادية، وبالتأكيد الآن، حين يكون مطلوبا التصرف عندما يصل صراخ الفشل عنان السماء.
هُجرت “كريات شمونا” في صيف 1981 بعد تبادل الضربات مع م.ت.ف. وفي 23 تموز من تلك السنة وصلت إليها مع رئيس الوزراء في حينه مناحم بيغن، الذي صدم من تحولها إلى مدينة أشباح. بيغن، على عادته، تحدث مع السكان وقال بشفقة: “رأيت أن المعنويات عالية جداً، هناك ما ومن نتباهى به”. وفي الغداة، وافق على وقف نار أدى بعد ذلك إلى حرب لبنان الأولى. عندنا، بات قادة الدولة يعدون بالقضاء على حماس وتصفية حكم الإرهاب في غزة. لا بد سنرى متى سيقود نتنياهو إلى وقف النار.