القدس – لا تظهر التصريحات العسكرية الإسرائيلية أي تريث أو تردد في مسألة شن الحرب البرية على غزة بهدف تبديد قدرات حماس، في الوقت الذي يحرص فيه الإسرائيليون على منح قطر ومصر فرصة التوسّط والضغط على حماس لإطلاق المزيد من الرهائن.
وعلى عكس ما يتردد من حديث عن أن إسرائيل تتريث قبل الاجتياح البري لتجنب خسائر ميدانية باهظة، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إن الجيش “مستعد وعاقد العزم” على خوض المرحلة التالية من الحرب وينتظر التعليمات السياسية.
وذكر أن إسرائيل تتعلم من التجربة الأميركية في الشرق الأوسط لكن “حربنا تقع على حدودنا وليس على بعد آلاف الأميال من إسرائيل”، مضيفا أنه يتوقع أن يستمر القتال حتى الأسابيع المقبلة.
العملية الإسرائيلية ستضغط بفعل الزمن على إيران وحزب الله وتتركهما مكشوفين أمام عدم تدخلهما لصالح حماس
ويعرف الإسرائيليون أن العملية ضد حماس قد تدوم أسابيع أو أشهرا وليست مجرد عملية عسكرية محدودة تقوم على المجازفة، لذلك يتأنى الجيش عسكريا قبل الشروع في الاجتياح، وسياسيا من أجل منح الوسطاء حيّزا زمنيّا يؤمّنون فيه إطلاق سراح الراهن.
وإلى حد الآن نجحت ضغوط قطر ومصر في دفع حماس إلى إطلاق سراح أربع رهائن من المدنيات (أميركيتان وإسرائيليتان)، ويُنتظر أن تطلق الحركة سراح المزيد من المدنيين خاصة بعد أن اكتشفت أن احتجاز المدنيين ألّب عليها الرأي العام الدولي.
وقال هاغاري إن “مصر تلعب دورا رئيسيا في المفاوضات من أجل إطلاق سراح المحتجزين من غزة”، وهو ما “يمثل أولوية قصوى بالنسبة إلى إسرائيل”. وبالتوازي مع ذلك تعمل إسرائيل بمساعدة من الولايات المتحدة على تحييد إيران وحزب الله عن المعركة بهدف التفرغ لضرب حماس. ويتم إرسال تحذيرات من خلال الوسطاء أو عبر التصريحات شديدة اللهجة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء إنه إذا تدخل حزب الله في الحرب إلى جانب حماس “فلا يمكن تصور حجم الدمار” الذي يمكن أن يحصل.
وأشار نتنياهو إلى أن “عناصر حزب الله يختبئون بين المدنيين في لبنان”، مضيفا “نحن نحذرهم من الانخراط في الحرب”. ودعا الرئيس الفرنسي بعد اجتماعه مع نتنياهو في القدس “حزب الله والنظام الإيراني والحوثيين في اليمن (إلى) عدم المجازفة على نحو متهور بفتح جبهات جديدة”.
ويعتقد المراقبون أن العملية العسكرية الإسرائيلية -بشقيها الجوي والبري- ستضغط بفعل الزمن على إيران وحلفائها كي يتجنبوا التدخل لمساندة حماس، وفي حال تجنبهم ذلك يصبحون مكشوفين أمام حقيقة عدم تدخلهم لصالح حماس، خاصة أن اللبنانيين لا يخفون انزعاجهم من أي دور لحزب الله في حرب ستقود إلى خسائر في بلد غارق في الأزمات.
وكشفت تعليقات نائب الأمين العالم لحزب الله الشيخ نعيم قاسم محاولة للتغطية على حقيقة ترك حماس تواجه الانتقام الإسرائيلي كاملا؛ وذلك من خلال الحديث عن أن “الحزب في قلب معركة المقاومة للدفاع عن غزَّة”، فيما يسيطر التردد على موقف الحزب ويكتفي بمناوشات محدودة لتسجيل موقف.
وفي انتظار فتح الطريق أمام الوساطات التي تديرها الولايات المتحدة من وراء الستار، وكذلك الضغوط على إيران وحزب الله، يواصل الجيش الإسرائيلي استعداداته لشن الهجوم البري على غزة ويحشد جنوده على أطراف القطاع، كما يقوم بعمليات توغل محدودة تستهدف البنية العسكرية لحماس (منصات صواريخ، أنفاق…) وقياديين بارزين خاصة من كتائب عزالدين القسام، الذراع العسكرية للحركة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه قصف أكثر من 400 هدف للمسلحين في غزة الليلة قبل الماضية وقتل العشرات من مقاتلي حماس، من بينهم ثلاثة نواب لقادة القسام.
ويرى محللون إسرائيليون أن الحرب البرية قادمة، وإن تأخرت لاعتبارات مختلفة؛ قد يكون من بينها فسح المجال لتمتين التنسيق مع الخبراء الأميركيين في الحروب الشبيهة بتضاريس غزة.
وأعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في مؤتمر صحفي مساء الاثنين، أن “الخبراء العسكريين الذين نعتقد أنهم يمتلكون الخبرة اللازمة للعمليات التي تشنها إسرائيل -وقد تشنها في المستقبل- سيكونون هناك بهدف مشاركة خبراتهم”. ويعتقد باروخ باديد، المحلل في القناة 14 الإسرائيلية، أن العملية البرية “مؤكدة وستجري على الأرجح خلال الأيام القادمة”.
وقال “لدينا ما يؤكد أن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة الإسرائيلية تأجيل العملية البرية (من أجل إفساح المجال) لمحاولة بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية للإفراج عن الرهائن، وعلى رأسهم حاملو الجنسية الأميركية”.
ومن الصعب الحديث عن تراجع أو إرجاء الحرب البرية والتخطيط للقضاء على حماس في ظل مزاج بلغ حدودا استثنائية في إسرائيل إلى درجة أن اليهود المتشددين الذين تم إعفاؤهم من العمل في الجيش قدموا مطالب للالتحاق بالجيش.
وقال موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري الإسرائيلي الاثنين “يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه من أجل تحقيق أهداف الحرب ضد حماس، التي حددها المسؤولون الحكوميون، يجب على الجيش أن يبدأ هجومه البري في قطاع غزة عاجلا وليس آجلا”.
وثمة من الإسرائيليين من يرى أن من الأفضل التريث ومواصلة الضربات الجوية على قطاع غزة وخاصة شمالي القطاع قبل الاجتياح البري، معتبرا أن القصف الجوي من شأنه أن يسهّل على الجيش الإسرائيلي مهمة إنجاز العملية البرية، كما يساعد على تبديد قدرات حركة حماس.
وقال الوزير يواف كيش، وهو من حزب الليكود، “لا داعي إلى الإسراع في بدء المناورة البرية داخل قطاع غزة”، مضيفا أنه يتوجب “علينا الاستمرار في دك قطاع غزة من الجو، خاصة أن هناك دعما دوليا لإسرائيل”.
العرب