التعاون مع تركيا يكلف الحزب الديمقراطي الكردستاني تآكل شعبيته بين أكراد المنطقة

التعاون مع تركيا يكلف الحزب الديمقراطي الكردستاني تآكل شعبيته بين أكراد المنطقة

النظام التركي الذي يصنّفه أكراد المنطقة على رأس قائمة أعدائهم القوميين، يجد بين الأكراد أنفسهم من يتعاون معه ويساعده في حربه ضدّ حزب العمّال الكردستاني الذي يعتبر نفسه مناضلا من أجل القضية الكردية ككل. وعلى هذه الخلفية تتسع داخل الأوساط الكردية دائرة النقد والاتهامات الموجهة للحزب الديمقراطي الكردستاني.

أربيل (العراق) – يثير ارتفاع مستوى التنسيق والتعاون بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني انتقادات أكراد المنطقة داخل العراق وخارجه. وكثيرا ما تتطور الانتقادات إلى اتهامات بـ”الخيانة والتواطؤ” ضد أبناء القومية الواحدة عندما يتعلّق الأمر بالتنسيق الأمني والمخابراتي بين الحزب والسلطات التركية في حرب أنقرة ضدّ حزب العمّال الكردستاني الذي يتمركز مقاتلوه في عدد من المناطق العراقية داخل إقليم كردستان وخارجه.

وأجّجت المواجهات التي دارت مؤخرا بين قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي في مخيم مخمور بعد انسحاب مقاتلي حزب العمال منه الاتهامات للحزب الديمقراطي بعقد صفقات سرية مع تركيا بشأن التعاون على طرد مقاتلي حزب العمّال من بعض المناطق العراقية وإحلال قوات البيشمركة التابعة للحزب محلّهم لتكون القوات بمثابة ضمانة لعدم عودة الحزب المعارض لأنقرة إلى المناطق الكردية.

وأعلن مقاتلو حزب العمّال الكردستاني الأسبوع الماضي انسحابهم من مخيم مخمور الواقع بجنوب شرق مدينة الموصل والذي يؤوي أكرادا نزحوا من تركيا في تسعينات القرن الماضي. وبمجرّد انسحاب حزب العمّال من مخمور سارعت قوات من البيشمركة خاضعة لإمرة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى محاولة ملء الفراغ وتصدّى لها الجيش العراقي في مواجهة أسفرت عن مقتل جنديين من كل طرف وجرح عدد آخر.

ويبرّر حزب العمّال وجوده في المخيّم بحماية اللاجئين من تنظيم داعش الذي غزا سنة 2014 مناطق واسعة من العراق، ويقول إنّه دخل مخمور بتنسيق كامل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لكن الأخير انقلب عليه وأصبح ينسق مع تركيا لضربه.

وقال السياسي الكردي لقمان حسن لموقع المعلومة الإخباري إنّ “الإرهاب حاول الدخول إلى مخمور ومن ثم إلى أربيل، إلاّ أن حزب العمال تواجد في هذه المنطقة وأثناء تواجد هذه القوات قام مسعود بارزاني بزيارتها ورحب بتواجد مقاتلي الحزب حيث استمر تواجد مقاتليه لتأمين الحماية للمنطقة ومخيم مخمور الذي يقطن فيه أكثر من 15 ألف لاجئ”.

وسبق للقمان أن ربط “السياسة العدائية” للحزب الديمقراطي الكردستاني تجاه حزب العمال الكردستاني بـ”تنفيذ أوامر أردوغان وخططه”، معتبرا أنّ “تركيا لا تستطيع تحقيق هدفها ضد مقاتلي حزب العمّال ولهذا السبب تحاول إشراك القوات الكردية في الحرب”.

ويقول مراقبون إنّ توسّع العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا يقابله تآكل سريع في شعبية الحزب بين أكراد العراق ومحيطه، في ظاهرة تغذيها سياسات أسرة بارزاني في قيادة إقليم كردستان وفي التعامل مع الشركاء السياسيين هناك.

وانتقد فائق يزيدي عضو الاتحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر أحزاب كردستان العراق تصرف القوات التابعة للحزب الديمقراطي، معتبرا أن ما أقدمت عليه هو بمثابة “محاولة لخلق فتنة جديدة وصرف النظر عن قضايا الإقليم”. ووصف في مقابلة تلفزيونية الحزب الديمقراطي بالمتقلّب في مواقفه.

وتتجاوز حالة الاستياء من تنامي تنسيق الأجهزة التابعة للحزب الديمقراطي مع تركيا أكراد العراق لتشمل مختلف الأوساط الكردية في المنطقة، والتي أصبحت تصنّف قادة الحزب كمتواطئين ضدّ أبناء جلدتهم مع النظام التركي العدو القومي الأول لهم. ودعا أعضاء بحزب الاتحاد الديمقراطي الناشط على الأراضي السورية أكراد المنطقة إلى الاتّحاد في مواجهة الحزب الديمقراطي و”ممارساته المتواطئة مع تركيا”.

ونقلت وكالة أنباء “هاوار” الكردية عن أمينة بيرم عضو المجلس العام للحزب قولها “إن عدم الوصول إلى الوحدة الكردية حتى الآن سببه خيانة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقف أمام مشروع الوحدة، إذ يتلقى توجيهاته من الدولة التركية الفاشية”، متهمة مسؤولي الحزب الديمقراطي بإفساح المجال والتعاون مع القوات التركية للهجوم على المقاتلين الأكراد في مناطق دفاعهم المشروع.

ومن جهتها اتهمت جيهان بركل عضو لجنة العلاقات في الاتحاد الديمقراطي أعضاء حزب بارزاني بخدمة مصالحهم الشخصية على حساب القضية القومية للأكراد، قائلة “لم نر يوما سعيا من الحزب الديمقراطي لتأمين مستقبل الأكراد أو محاولة للدفاع عن كردستان، أو مشاركة في حل القضية الكردية، فهو دائما يركض وراء المصالح الشخصية والعائلية لقادته عبر الرضوخ لتعليمات المحتل التركي”.

واعتبر محمد شيخو عضو المجلس العام لحزب الاتحاد الديمقراطي أنّ “حركة التحرر الكردستانية والشعب الكردي يحققان المكاسب ويتقدمان بفضل مقاومتهما، ولكن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقف أمامها ويسعى لإفشال خطواتهما”. وتجمع بين تركيا والحزب الديمقراطي المهيمن على أبرز مفاصل السلطة في كردستان العراق علاقة ملتبسة، حيث أنّ أنقرة لا تستثني الحزب من عدائها في بعض المواضع لكنّها تستعين به في مواضع أخرى.

وفي أوضح مثال على تناقض المصالح بين الطرفين، كانت تركيا في مقدّمة القوى التي أحبطت استفتاء الاستقلال الذي أصر على إجرائه زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني قبل ست سنوات وساهمت مع كلّ من إيران والحكومة الاتحادية العراقية في فرض إجراءات صارمة على إقليم كردستان العراق لمنعه من الانفصال عن الدولة العراقية.

وفي أي خلاف ينشب بين الحزب وتركمان العراق دأبت أنقرة على الوقوف دون قيد أو شرط إلى جانب التركمان على أساس وحدتها القومية معهم. ومع ذلك يحرص كبار رموز أسرة بارزاني على الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا ويتعاونون معها اقتصاديا وخصوصا في تصدير النفط المنتج في المناطق الكردية خارج رقابة السلطات الاتّحادية العراقية.

ويقول معارضون للحزب إنّ تركيا تستغل المصالح المادية لقياداته لتوظيف أجهزة حزبهم في محاربة حزب العمال الكردستاني لتُورّطهم بذلك في صراع مباشر مع أبناء قوميتهم.

وقبل يومين اتّهمت مصادر كردية الأجهزة الأمنية للحزب الديمقراطي باعتقال خمسة أشخاص كانوا بصدد المشاركة في جنازة شاب كردي من سكان مخيّم مخمور قتل في قصف بطائرة تركية دون طيار، واقتادتهم إلى جهة مجهولة ورفضت الإدلاء بأي معلومات عنهم لذويهم. وتخوض القوات التركية منذ أربعة عقود صراعا داميا ضدّ متمرّدي حزب العمال الكردستاني كثيرا ما كان يمتدّ إلى داخل الأراضي العراقية حيث توجد مناطق وعرة يتحصّن بها عناصر الحزب.

لكنّ تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان شرعت في تطوير عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية من مجرّد عمليات خاطفة وقصف بالمدفعية والطيران إلى اقتحام وتوغّل أوسع نطاقا وأبعد مدى داخل العمق العراقي بالإضافة إلى عملها على تأسيس نقاط تمركز دائم لجيشها في تلك المناطق.

العرب