تونس – وجهت الحكومة التونسية أكثر من ثلث نفقات الدعم المخصص لسلة المواد الأساسية، دون المحروقات والنقل، خلال العام القادم إلى قطاع الحبوب والعجين الغذائي بقيمة تزيد عن مليار دولار، في خطوة أكدت مرة أخرى رفض السلطات شروط صندوق النقد الدولي الذي دعا إلى رفع الدعم، وتعزز موقف الرئيس قيس سعيد الداعي إلى الاعتماد على الذات ورفض الإملاءات الخارجية.
ويقول خبراء إن تونس لا تنوي التفاعل مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط أن تقوم بإلغاء الدعم مقابل إعادة دراسة ملفها ولإقراضها مبلغ 1.9 مليار دولار، حيث أن الرئيس سعيد رفض مرارا ما سمّاه “إملاءات” الصندوق التي تهدد السلم الاجتماعية.
ويرى مسؤولو الصندوق أن تونس لم تطرح مقترحات جديدة لبنود برنامج القرض، لكن عليها أن تلغي الدعم الذي يشكل عبئا ولا يوفر عدالة اجتماعية، في وقت يصر فيه الرئيس قيس سعيد على رفض هذا الشرط، مؤكدا أن له تداعيات سلبية على الوضع الاجتماعي.
وتدعم تونس حزمة من المواد تتصدرها المحروقات التي ستخصص لها العام المقبل زهاء 8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار) من إجمالي مبلغ دعم سيقارب 11.3 مليار دينار (3.56 مليار دولار) يغطي إلى جانب المحروقات سلة المواد الأساسية والنقل الذي ستدعمه الدولة بنحو 660 مليون دينار (207.79 مليون دولار).
وأشارت بيانات حكومية، صدرت ضمن تقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، إلى أن الحكومة تعتزم تخصيص مبلغ 0.82 مليار دولار لدعم سلة المواد الأساسية التي تتضمن الحبوب والزيت النباتي والحليب والعجين الغذائي والكسكسي والسكر والورق المدرسي.
وتراجع حجم الإنفاق المرتقب على سلة دعم المواد الأساسية، والتي تخضع لتدخلات صندوق الدعم، بنحو 67.37 مليار دولار ما بين 2023 و2024.
وسيوجه الصندوق 2.4 مليار دينار (0.76 مليار دولار) للحبوب وزهاء 524 مليون دينار(170 مليون دولار) للحليب و380 مليون دينار (119.63 مليون دولار) للزيت النباتي و190 مليون دينار (59.82 مليون دولار) للعجين الغذائي والكسكسي و41 مليون دينار (12.91 مليون دولار) للورق المدرسي و10 ملايين دينار (3.15 مليون دولار) لمادة السكر.
وأقرت الحكومة بموجب مشروع قانون المالية لسنة 2024 إرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدعم من بينها ترفيع نسبة الإتاوة على المطاعم السياحية إلى 3 في المئة وتوسيع معلوم الإقامة وإحداث معلوم على مشتقات الحليب.
ودفعت عوامل خارجية تتعلق بأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، على غرار الحبوب، إلى تحديد قيمة الدعم في ظل بيانات عالمية تتوقع تراجع أسعار القمح اللين إلى 327 دولار للطن خلال العام القادم.
تقارير تؤكد استنادا إلى بيانات معهد الاستهلاك أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها
وأفاد وزير المالية السابق حسين الديماسي بأن “الحكومة التونسية أبقت الدعم على ما هو عليه وحاولت بطرق صحيحة وموضوعية إيجاد تمويل إضافي للميزانية”، لافتا إلى أن “منظومة الدعم يجب أن ترفع تدريجيا وعلى مخططات اقتصادية تضعها الدولة تمتد من خمس إلى عشر سنوات”.
وأكد لـ”العرب” أن “رفع الدعم كليا عن المواد الأساسية هو إجراء غير ممكن”، واصفا إياه بـ”جريمة” وليس خطأ، و”سيكون بمثابة زلزال اجتماعي وكارثة اقتصادية، لأن الناس تعوّدوا على استهلاك المواد الغذائية بأسعار معينة لمدة طويلة”.
واعتبر الديماسي أن “رفع الدعم، إن حصل، سيؤدي إلى تضاعف نسبة التضخم التي تبلغ حاليا أكثر من 9 في المئة”. ولفت إلى أن “صندوق النقد الدولي هو مؤسسة مالية يتصرف فيها خبراء من ورائهم دول ليبرالية مساهمة بنسب كبيرة ولا تؤمن إلا بالسوق والمنافسة، كما يعتبر الصندوق أن الدعم إجراء ثانوي وتبذير للأموال”.
وخلال الفترة الممتدة بين 2011 و2021 التهم بند الدعم نحو 1.24 مليار دولار، منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود، من ميزانية سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار.
وتؤكد تقارير محلية، استنادا إلى بيانات المعهد الوطني للاستهلاك، أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وهذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية المنظومة محدودة وتزيد التشكيك فيها.
وتسعى تونس، التي تكافح من أجل إصلاح ماليتها العامة المتعثرة، لخفض العجز المالي إلى 6.6 في المئة عام 2024 من 7.7 في المئة هذا العام، مع فرض ضرائب إضافية على البنوك والفنادق والمطاعم والمقاهي السياحية وشركات المشروبات الكحولية.
وقال إسكندر السلامي، المستشار الجبائي والناشط في المجتمع المدني حول المسائل الضريبية، “الاقتراض من صندوق النقد الدولي لم يعد في سياسة الحكومة الحالية، وهناك عملية للتحكم في نفقات الدعم وتوجه نحو خلق موارد أخرى لتمويل دعم المواد الأساسية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “رفع الدعم له عدة تبعات وأثره مباشر على القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، وهذا سيؤدي إلى المزيد من الفقر ويهدد السلم الاجتماعية بتزايد الاحتجاجات الشعبية، وهو ما يخلق أزمة اجتماعية تضاف إلى أخرى اقتصادية”.
وأكد السلامي على أن “مسألة الدعم يجب أن تعالج بشيء من الحكمة خصوصا وأن الحكومة لم توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
وفي يونيو الماضي تحدثت مصادر حكومية تونسية عن تقديم السلطات اقتراحا بديلا لطرحه على صندوق النقد الدولي لا يتضمن إلغاء الدعم، حيث يعتقد الرئيس سعيد أن خفض دعم السلع الغذائية والمحروقات سيضر بالفئات المهمشة والفقيرة ويزيد معاناتها.
وتعهد المانحون، الذين يساورهم قلق متزايد بشأن استقرار تونس، بضخ مبالغ إضافية كبيرة إذا تمكنت الحكومة من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأعلن الاتحاد الأوروبي قبل أشهر أنه سيقدم 900 مليون يورو كقروض مشروطة، إلى جانب مساعدة إضافية تبلغ 150 مليون يورو يتم ضخها فورا في الميزانية التونسية بعد توقيع اتفاق الهجرة.
العرب