بعد القرار الأممي لحماية الفلسطينيين: ماذا سيفعل العرب؟

بعد القرار الأممي لحماية الفلسطينيين: ماذا سيفعل العرب؟

دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء السبت، الزعماء العرب إلى عقد قمة طارئة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية. كلمة عباس تضمنت نقطتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالأزمة الإنسانية، المتمثلة بالمذابح وقتل آلاف الأطفال وقصف المستشفيات، والثانية تتعلّق بالشأن السياسي الدولي والعربي بعد صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار تقدمت به المجموعة العربية برئاسة الأردن تحت عنوان «حماية السكان المدنيين الفلسطينيين» وخاضت دول عربية معركة دبلوماسية دحض فيها سفير عُمان للأمم المتحدة دفاع بعض الدول الغربية عن الاحتلال الإسرائيلي بدعوى الدفاع عن النفس لأن «الدفاع عن النفس لا يكون في أراض محتلة ومغتصبة» فيما كشفت سفيرة قطر فشل مجلس الأمن في معالجة الوضع الخطير في غزة، وتطرقت إلى محاولة التهجير القسري للفلسطينيين في غزة ومخالفتها للقوانين الدولية.
قام السفير المصري، بدوره، برفض استهداف الفلسطينيين، وقصف المستشفيات، وقتل الأطفال والحصار، وقطع الاحتياجات الضرورية، والتهجير القسري، وتصفية حقوق البشر والإبادة الجماعية. «الصمت لم يعد خيارا» أضاف السفير مقدما مبادئ ضرورية للالتزام بها: أولوية وقف إطلاق النار. سياسة التجويع والحرمان من الاحتياجات الأساسية «ممارسات قرون وسطى». محاولة تهجير الشعب الفلسطيني للمرة الثالثة «يجب أن تواجه بحزم». حماية الفلسطينيين من ممارسات المستوطنين.
السفير الباكستاني، أضاف على المواقف العربية الآنفة بالدعوة لتعديل على القرار يجيز للفلسطينيين مقاومة الاحتلال غير الشرعي بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح، ويقر للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير، فيما قام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتجاوز كل ذلك باعتباره «حماس» قوة تحرر وليست منظمة إرهابية.
تجاوزت شخصيات غير رسمية السقف الرسمي لدولها العربية، وقدمت انتقادات بناءة، كما فعل محمد البرادعي، نائب رئيس مصر السابق، في رسالة وجهها إلى الملوك والرؤساء العرب مطالبا إياهم بـ«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» ومؤكدا وجود الكثير من الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها ضد إسرائيل ومؤيديها على الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية منهيا تعليقه بجملة مؤثرة تقول: «أنتم وكلاؤنا. لا يصح أن يكون العجز قرارا».
أحمد عبيدات، رئيس الوزراء ومدير المخابرات الأردنية السابق، استشرف في مقابلة تلفزيونية معه المخاطر التي تتهدد الأردن من «هزيمة المقاومة الفلسطينية» «فإذا تم تحقيق يهودية الدولة الإسرائيلية، بموجب خريطة نتنياهو العلنية» كما قال، وتمكن الإسرائيليون من تهجير السكان الفلسطينيين من غزة «فما الذي سيمنع من تمدد الخريطة إلى الأردن؟». الخلاصة التي توصل إليها عبيدات هي أن كل الاتفاقيات الأردنية مع إسرائيل «انتهى مفعولها» وأن «حالة الغليان في العالم العربي سيكون لها ما بعدها».
لا يتوقع أحد من الدول العربية طبعا «هبّة المعتصم» لنجدة الفلسطينيين. لقد انتهت الحروب العربية ـ الإسرائيلية الكبرى بانكفاء الدول المحيطة بفلسطين التاريخية، ورغم التضخم الكبير في الجيوش العربية، مقارنة بالهزال الذي كانت عليه في عام 1948، فإن وظيفة هذه الجيوش تغيّرت، وتوجهت آلة الحرب، في بعض هذه الدول، لإخضاع الشعوب وليس لصد إسرائيل، فآلة جيش النظام السوري، وهو المثال الفاضح على الآنف ذكره، يتجاهل تماما الضربات الإسرائيلية شبه اليومية على مواقعه، لكنه لا يكف أبدا عن قصف شعبه.
رغم هذه الوقائع الفاضحة فإن مخاطر العقاب الجماعي المهول الممارس ضد فلسطينيي غزة (والذي قد يتلوه تهديد وجود فلسطينيي الضفة) تتهدد الأردن ومصر، الدولتين اللتين تقيمان اتفاقات سلام مع إسرائيل، وتنذرهما بتداعيات خطيرة لا تتناسب معها ردود الفعل التي جرت حتى الآن. المخاطر طبعا، لا تقتصر على مصر والأردن ولبنان وسوريا، بل ستفيض آثارها بالتأكيد على مجمل المنطقة والإقليم. ليس المطلوب من القمة العربية، إذا التأمت، إذن غير التقدير الحقيقي لهذه التهديدات المقبلة قريبا واتخاذ ما يوازي خطورتها.