كان موقف الفصائل الولائية العراقية المقربة من طهران منذ اندلاع الشرارة الأولى للمواجهة الأخيرة في حرب غزة يوم 7 أكتوبر، يبدو داعما ومهللا لما حققته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية من ضربة مفاجئة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وقد أعلنت هذه الفصائل بشكل رسمي وشبه رسمي عن دعمها واستعدادها للقتال دعما للفلسطينيين في حربهم العادلة، لكن هل كل ما يقال، أو يتم التصريح به يمكن أن يأخذ على محمل الجد؟ هل تستطيع الفصائل العراقية أن تتخذ قرارها بشكل مستقل عن موقف طهران السياسي، الذي يحسب حساب التوازنات الدولية والإقليمية؟ هل تمتلك الفصائل الولائية القدرات التي تؤهلها لأن تشكل رقما مؤثرا في الصراع الدائر في فلسطين؟
يبدو أن قيادات الفصائل الشيعية الولائية ربطت موقفها من الحرب بالتدخل والدعم الذي تقدمه إدارة بايدن لإسرائيل، وبعد بدء غارات الطيران الإسرائيلي المروعة والهجمات الصاروخية من الأرض والبحر على قطاع غزة، أصدرت قيادات الفصائل الولائية تحذيرات مفادها أنها ستتدخل في الصراع إذا تدخلت الولايات المتحدة فيه بشكل مباشر دعماً لإسرائيل. فقد حذر أبو آلاء الولائي الأمين العام لـ»كتائب سيد الشهداء»، من أن أي تدخل أمريكي مباشر في غزة لدعم إسرائيل «سيحول الوجود الأمريكي برمته في المنطقة إلى أهداف مشروعة لمحور المقاومة».
يبدو أن قيادات الفصائل الشيعية الولائية في العراق ربطت موقفها من الحرب في غزة، بالتدخل والدعم الذي تقدمه إدارة بايدن لإسرائيل
كما حذر هادي العامري رئيس «منظمة بدر»، من أنهم «إذا تدخلوا، فسوف نتدخل.. وسنعتبر جميع الأهداف الأمريكية مشروعة». وأشار أكرم الكعبي إلى أن أي تدخل من قبل الولايات المتحدة، أو دول أخرى لدعم إسرائيل سوف يُقابَل بـ»رد عسكري حاسم»، وأضاف الكعبي أنه إذا وسّعت إسرائيل «ساحة المعركة»، فإنها ستقابل بـ»مُسيَّرات المقاومة وصواريخها». كما صرح الأمين العام لكتائب «حزب الله» في العراق أبو حسين الحميداوي قائلا؛ «إن هجوم حماس سوف يمهد الطريق لتحقيق استراتيجية ردع ضد المحور الصهيوني الأمريكي». في حين قال أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، إن جماعته تراقب الأحداث «مستعدين غير متفرجين»، لكن لم يبين أي قيادي في الفصائل الولائية معنى (إذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب)، وهل يقصدون مشاركة قوات عسكرية أمريكية في الحرب شرطا لدخولهم الحرب إلى جانب حماس؟ ولا بد من الإشارة إلى أن وجود الفصائل العراقية في سوريا قديم ويعود الى بداية الاقتتال الداخلي السوري، إذ دخلت مجموعة فصائل عراقية تأتمر بأمر قيادات الحرس الثوري الإيراني في ساحة القتال السوري دعما لنظام بشار الأسد منذ عام 2011، إلا أن دورها كان محددا وفق قواعد الاشتباك الصارمة التي تحددها طهران بالاتفاق مع دمشق، ولم يسمح لأي فصيل من الفصائل المسلحة بتنفيذ عمليات أو توجيه ضربات لإسرائيل، على الرغم من تلقيها الكثير من الضربات الإسرائيلية في سوريا، وكان آخرها الضربات الإسرائيلية التي نفذت أثناء اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، إذ قامت القوات الإسرائيلية بتوجيه ضربات صاروخية انطلقت من البحر المتوسط، ومن مرتفعات الجولان انصبت على مطاري حلب ودمشق وأخرجتهما من الخدمة، وأشارت تسريبات إسرائيلية إلى وجود مواقع قوات موالية لإيران في هذين المطارين، تمثل خطرا يهدد أمن إسرائيل. ولم يصدر أي رد من طرف دمشق أو طهران أو حلفائهما. وفي تفسير الضربة الإسرائيلية الاخيرة كتب مدير المركز الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط جول رايبيرن؛ أن «الضربات الإسرائيلية المتكررة لتعطيل مطاري دمشق وحلب هي إشارة قوية إلى أنه أولا، النظام الإيراني يحاول نقل أسلحة استراتيجية إلى سوريا، أو عبرها لفتح جبهة شمال إسرائيل، وثانيا، أن الإسرائيليين مصممون على استباق ذلك بالقيام بمثل هذه الضربات».
موقف حكومة السوداني يبدو الأكثر حرجا في الازمة، فعلى الرغم من مواقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وخطبه الرنانة في المحافل الإقليمية والدولية، وإدانته العدوان الإسرائيلي بشكل لا لبس فيه، إلا إن حكومته قوامها قوى الإطار التنسيقي المقربة من طهران، التي أخذت تصرح بتهديدات في ضرب المصالح والقواعد الأمريكية في العراق، إذا استمر موقف إدارة بايدن الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة. وقد نفذت الفصائل الولائية موجة جديدة من الضربات بالطائرات المسيرة على قاعدتي عين الأسد في الانبار، وحرير في أربيل حيث توجد القوات الأمريكية بعد فترة هدوء طوال العام الماضي من عمر حكومة السوداني، وهنا أصبح موقف رئيس الحكومة حرجا، فهو مطالب بحماية الوجود الأمريكي في العراقي بناء على الاتفاقات مع الجانب الأمريكي، وفي الوقت نفسه هو معرض لضغوط شركائه في السلطة، الذين يضربون القواعد الأمريكية. على الرغم من عدم وقوع خسائر بشرية أو مادية أمريكية في ضربات الفصائل الولائية محدودة التأثير، إلا أن الخارجية الأمريكية صرحت رسميا بترحب وزير الخارجية أنتوني بلينكن «بإدانة الحكومة العراقية للهجمات والتهديدات الأخيرة ضد الأفراد العسكريين الأمريكيين، وقوات التحالف في العراق». ودعا بلينكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى محاكمة المسؤولين عن الهجمات، والوفاء بالتزامات العراق بضمان الأمن في هذه المواقع. وقد وجه رئيس الوزراء العراقي الأجهزة الأمنية بتتبع العناصر المنفذة للهجمات على القواعد العراقية، وأكد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في بيان رسمي، جاء فيه: أن «الحكومة العراقية تدين العدوان الصهيوني على سكان قطاع غزة، وكررت دعواتها لإنهاء الأوضاع المأساوية التي يعانيها أشقاؤنا الفلسطينيون جراء ذلك العدوان». لكنه أشار، إلى «رفض الحكومة الهجمات التي تستهدف القواعد العراقية، التي تضم مقرات مستشاري التحالف الدولي الموجودين في العراق، بدعوة رسمية من الحكومة العراقية؛ لمواصلة عملهم في دعم عمل القوات الأمنية من حيث التدريب والتأهيل والاستشارة، وفق آلية واضحة جرى وضعها من القنوات الرسمية والدبلوماسية العراقية». وشدد البيان الحكومي العراقي على؛ أنه «لا يمكن التهاون في أمن وسلامة تلك المقرات، وإن القائد العام للقوات المسلحة وجه الأجهزة الأمنية كافة بالقيام بواجباتها، وتنفيذ القانون، وتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات، وعدم السماح، بأي حال من الأحوال، بالإضرار بالأمن والاستقرار اللذين تحققا بفضل التضحيات الجسام لأبناء قواتنا المسلحة، بمختلف صنوفها وتشكيلاتها». في المقابل بدا موقف التيار الصدري البعيد نسبيا عن طهران منافسا للفصائل الولائية، إذ خرج انصار الصدر عقب صلوات الجمعة في تظاهرات حاشدة في المدن العراقية، كما دعا زعيم التيار مقتدى الصدر، يوم الخميس 19 أكتوبر، في كلمة متلفزة العرب والمسلمين إلى تنظيم اعتصام بالأكفان عند حدود فلسطين مع الأردن وسوريا ومصر ولبنان، حتى فك الحصار عن غزة. وذكر الصدر في كلمته: «بعد الوضع المأساوي الخطير في غزة الحبيبة، فإنني من المنطلق الشرعي أدعو الشعوب الإسلامية والعربية وكل محبي السلام إلى تجمع شعبي سلمي من جميع تلك الدول، ودون تدخل الحكومات للذهاب من أجل اعتصام سلمي عند الحدود الفلسطينية من جانب فلسطين ولبنان ومصر والأردن بلا سلاح غير الأكفان والبقاء إلى حين فك الحصار عن غزة». واستجابت مجاميع عراقية لنداء الصدر وتحركت بحافلات إلى الحدود العراقية الاردنية عند معبر طريبيل الحدودي بين البلدين، ليعلنوا من هناك وقفتهم الاحتجاجية، وحسب تقارير وإحصاءات غير رسمية متداولة، فقد وصل عدد العراقيين المحتشدين على الحدود الأردنية نحو سبعة آلاف، وقد هتفت الحشود مطالبة السلطات الأردنية بالسماح لهم بالعبور إلى فلسطين. هذا الأمر أثار مخاوف الحكومة الأردنية من توتر الأوضاع الداخلية الأردنية، ما قد يتسبب بتوتر أمني داخلي ينعكس على أمن حدود الأردن مع إسرائيل، ما دفع بالسلطات الأردنية إلى تشديد إجراءاتها على الحدود العراقية وحشد قوات جيش وأمن إضافية على الحدود العراقية، خوفا من أي تسلل قد يحدث.