منذ أن بدأت حرب غزة الأخيرة، وهي الأكثر فتكاً بعد المذبحة التي ارتكبتها “حماس”، ثمة تخوف كبير من انجرار دول أخرى إلى الصراع مما قد ينتج منه عواقب وخيمة.
واليوم نحن نرى بدايات هذا السيناريو، مع شن الولايات المتحدة غارات جوية على سوريا، استهدفت منشآت تخزين الأسلحة والذخيرة التي يستخدمها فيلق الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التي تدربها وتدعمها إيران.
وجاءت هذه الهجمات رداً على تعرض القواعد الأميركية في العراق وسوريا لسلسلة من الهجمات باستخدام مسيرات على مستوى منخفض وصواريخ خلال الأيام الـ10 الماضية، بعد أن بدأت إسرائيل قصفها العنيف على غزة الذي أودى، وفقاً للسلطات الفلسطينية، بوقوع أكثر من 7 آلاف ضحية لغاية الآن.
وأعلنت الميليشيات المدعومة من إيران مسؤوليتها عن الهجمات التي أدت إلى إصابة 24 عسكرياً أميركياً، إضافة إلى مقتل مقاول مدني يعمل مع الجيش [الأميركي]، كما وقعت ثلاث هجمات يوم الخميس، استهدفت قاعدتين أميركيتين في سوريا وواحدة في غرب العراق.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إن الرئيس جو بايدن أمر بشن “ضربات الدفاع عن النفس” لإرسال رسالة واضحة مفادها أن “الولايات المتحدة لن تتسامح مع مثل هذه الهجمات وستدافع عن نفسها وعسكرييها ومصالحها”.
وقال أوستن، وهو جنرال سابق في الجيش الأميركي، إنه لم يتم التنسيق مع إسرائيل في شأن الإجراءات الأميركية، مضيفاً “أننا نواصل حث جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية على عدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تحول الصراع إلى إقليمي”.
ومع ذلك، فإن الخصوم -بما في ذلك إيران وحلفاؤها- بلا شك سيعتبرون الضربات الجوية على أنها خطوات تصعيدية ودليل إضافي على استخدام واشنطن لقواتها لدعم إسرائيل. وكانت واشنطن بالفعل نشطة عسكرياً في هذا الصراع، حيث اعترضت سفينة حربية أميركية صواريخ أطلقها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران باتجاه إسرائيل.
ومن غير المعروف ما إذا كان أي إيراني قد قتل في الهجمات الأميركية. وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، من مقر الأمم المتحدة يوم الخميس إنه إذا لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة، فإن الولايات المتحدة “لن تنجو من هذه النار”. وأعقب ذلك اتخاذ بايدن خطوة غير عادية تمثلت بإرسال رسالة شخصية إلى المرشد الأعلى الإيراني [المرشد الأعلى للثورة الإسلامية]، آية الله علي خامنئي، يحذر فيها من أنه سيكون هناك رد سريع إذا استمرت الميليشيات المدعومة من طهران في استهداف الجنود الأميركيين.
ونشرت الولايات المتحدة قوة عسكرية هائلة في المنطقة، وأرسلت حاملتي طائرات هجوميتين إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وقال البنتاغون إن الهدف هو إرسال إشارة إلى “حزب الله” في لبنان، وهو حليف أساس لإيران، “بأنه لا يلحق بالركب المريع” مع “حماس” في مهاجمة إسرائيل.
وحدث تبادل للقصف المدفعي عبر الحدود اللبنانية بين “حزب الله” وإسرائيل التي قامت بإخلاء مجموعة من المستوطنات في المنطقة الحدودية. وتمتلك الميليشيات اللبنانية ترسانة تضم نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة. ولوضع الأمر في سياقه، فإن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من غزة حتى الآن يبلغ نحو 8 آلاف. ويعترف المسؤولون الإسرائيليون بأن الميليشيات [حزب الله] ستكون قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمجتمعات السكنية إذا دخلت المعركة.
لكن في الوقت نفسه تحاول واشنطن إقناع حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية بعدم شن غزو بري واسع النطاق [على غرة] سيؤدي إلى سقوط مزيد من آلاف الضحايا المدنيين. وقد أوضح السيد أوستن لنظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، الصعوبات الهائلة لحرب المدن في المناطق المكتظة بالسكان. وشدد الوزير الأميركي أيضاً على ضرورة تقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين عند تنفيذ المهمة.
وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا التوازن الأميركي -المتمثل في مطالبة إسرائيل بضبط النفس وتنفيذ ضربات عسكرية ضد الميليشيات التي قد تسعى إلى الانضمام إلى القتال إلى جانب “حماس”- سيمنع هذا الصراع من الخروج عن السيطرة. فالوضع في المنطقة لا يزال متقلباً وخطراً للغاية.