دعوة فرنسية جديدة للرئيس تبون تحيي الجدل حول العلاقات المتذبذبة بين البلدين

دعوة فرنسية جديدة للرئيس تبون تحيي الجدل حول العلاقات المتذبذبة بين البلدين

تلقى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون دعوة لزيارة فرنسا بالموازاة مع تردي الأوضاع السياسية والأمنية في غزة، في خطوة يرى مراقبون أنها تؤشر على إعلان مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين وتقطع مع الفتور الدبلوماسي القائم منذ فترة.

الجزائر – كشفت مصادر فرنسية عن تلقي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون دعوة من نظيره إيمانويل ماكرون، من أجل زيارة فرنسا، سلمه إياها السفير الجديد ستيفان روماني، خلال استقباله الأخير في قصر المرادية، الأمر الذي سيحيي الجدل حول علاقات البلدين المتذبذبة، خاصة في ظل الظروف الإقليمية القائمة، وتباين مواقف الطرفين تجاه ما يجري في قطاع غزة.

ووجه إيمانويل ماكرون دعوة للرئيس الجزائري من أجل زيارة فرنسا، ليعود بذلك الجدل حول العلاقات الجزائرية – الفرنسية التي دخلت منذ أشهر مرحلة فتور لافتة، لاسيما بعد إلغاء الزيارة التي كانت مقررة منتصف شهر يونيو الماضي، وما ترتب عليها من سجالات بين الطرفين لأسباب مختلفة.

وكشفت إذاعة “أوروبا1”، عبر برنامجها الصباحي السبت، أن الرسالة التي سلمها السفير ستيفان روماني للرئيس تبون تضمنت دعوة رسمية للرئيس الجزائري من أجل زيارة فرنسا، فيما لا تزال الجزائر تلتزم الصمت تجاه مساعي السفير الجديد، الذي التلقى الرئيس تبون في مناسبتين، ولم تكشف عن فحواها.

السفير الفرنسي الجديد في الجزائر كان قد سلم رسالة شخصية من ماكرون إلى تبون، وهي الثانية من نوعها

وأثارت الدعوة التي تأتي في سياق إقليمي متوتر، جدلا خاصة بعد الحرب الإسرائيلية المعلنة على قطاع غزة، وتباين مواقف البلدين تجاه القضية، ففيما تتمسك الجزائر بمبدأ “حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال”، وعبرت عن دعمها لقطاع غزة، عبّر ماكرون، خلال زيارته لإسرائيل والضفة الغربية ولقائه ببنيامين نتنياهو ومحمود عباس، عن بلورة تحالف ضد “حماس الإرهابية” كما كان الشأن بالنسبة للتحالف ضد داعش والقاعدة.

وتساءلت الإذاعة الفرنسية المحسوبة على تيار اليمين، عن أسباب وخلفيات اختيار ماكرون هذا التوقيت “لإعادة إحياء الزيارة في ظل ما وصفته بالموقف الجزائري المؤيد بشكل مطلق لفلسطين؟”، وهو التيار الذي لا يتوانى في التعبير عن دعمه لإسرائيل وفيما يراه “الحق في الدفاع عن النفس” لتبرير العدوان الذي تنفذه ضد قطاع غزة.

وكان السفير الفرنسي الجديد في الجزائر، قد سلم رسالة شخصية من الرئيس ماكرون إلى نظيره الجزائري، وهي الثانية من نوعها في ظرف ثلاثة أسابيع، ولم يتسرب عن فحوى الرسالتين أي شيء، إلى أن جاء الكشف عن الفحوى من طرف الإذاعة الفرنسية السبت.

واكتفى بيان للرئاسة الجزائرية بالقول “السفير الفرنسي ستيفان روماني، كان محل استقبال من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، سلمه خلاله رسالة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون”، دون تقديم توضيحات أخرى، كما أن السفير نفسه، لم يدل بأي تصريح كما حدث مع الرسالة الأولى التي سلمها نهاية شهر سبتمبر الماضي.

ولم يستبعد متابعون للشأن الجزائري والفرنسي أن يكون تجديد دعوة الزيارة للرئيس تبون، من طرف الفرنسيين، مؤشرا على توصل باريس بمعطيات حول استتباب الظروف التي كانت تحول دون الزيارة المذكورة، خاصة لدى الدوائر العليا في الجزائر التي كانت تتحفظ على التقارب بين البلدين، لاسيما وأن المناخ خلال الأشهر الماضية كان يدفع باتجاه الانضمام إلى مجموعة بريكس، والتقارب أكثر مع أقطاب المعسكر الشرقي.

لكن ذلك لا يغفل دور التطورات المتسارعة في فلسطين في الدفع إلى تحريك قنوات الاتصال بين الطرفين، بما يوحي برغبة فرنسية في استغلال الزيارة المنتظرة لتحييد الموقف الجزائري “الداعم للمقاومة الفلسطينية والرافض للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، وحتى دمجها في مقاربة جديدة، خاصة وأنها معروفة براديكاليتها تجاه الإرهاب والحركات الجهادية.

وحمل الفتور بين الجزائر وفرنسا خلال الأشهر الماضية طابع أزمة صامتة بين الطرفين، تجلت بشكل كبير خلال إعراض الرئيس تبون عن زيارة باريس منتصف شهر يونيو الماضي، وتوجهه في نفس الوقت إلى روسيا، الأمر الذي اعتبر حينها حسما جزائريا في مسألة خياراتها الإستراتجية وشراكاتها الكبرى، بالتوجه نحو قطبي معسكر الشرق، على حساب علاقاتها مع الغرب مرورا بفرنسا، فضلا عن ركام الملفات المشتركة والمعطلة بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة.

وشكل قرار الجزائر غلق المجال الجوي أمام سلاح الطيران الفرنسي، للحيلولة دون مروره إلى النيجر، حلقة بارزة في مسلسل الأزمة القائمة بين البلدين، حتى وإن كان ظاهره دعم المقاربة السلمية في حل أزمة البلد المجاور، لكنها شكلت عبئا ثقيلا على محور البلدين المثقل بالملفات العالقة ثنائيا وإقليميا ودوليا.

قرار الجزائر غلق المجال الجوي أمام سلاح الطيران الفرنسي شكل حلقة بارزة في مسلسل الأزمة القائمة بين البلدين

وكان السفير الفرنسي الجديد بالجزائر ستيفان روماني، قد أدلى بتصريح غداة تقديم أوراق اعتماده، واستقباله من طرف الرئيس تبون، ذكر فيه “الجزائر وفرنسا تربطهما علاقة ذات كثافة متميزة، وأن السياق الحالي يدعو إلى تبني حوار تسوده الثقة بخصوص جميع التحديات الكبرى التي تؤثر على البيئة التي ينشط بها البلدان”.

وأضاف “لقد أعلمت الرئيس تبون بالموقف الذي تتبناه فرنسا في علاقتها مع الجزائر، لاسيما وأن الأمر يتعلق بعلاقة ذات كثافة متميزة تجعل من فرنسا والجزائر مع بعضهما البعض، بحكم التاريخ والجغرافيا، كما أن المستقبل يفرض علينا العمل المشترك أيضا”.

وأبرز السفير الفرنسي الجديد ما أسماه بـ”كثافة العلاقات البشرية واعتماد مجتمعي البلدين على بعضهما البعض، خاصة وأن ثمة الكثير من الأمور التي تربط البلدين”، في إشارة إلى وعاء الجالية الجزائرية في فرنسا والأفراد مزدوجي الجنسية أو ذوي الأصول الجزائرية، الذين يشكلون ثقلا اجتماعيا، بما يحمله من اهتمامات وانشغالات ودور في المجتمع الفرنسي.

ودعا المتحدث إلى “تبني حوار تسوده الثقة بين البلدين حول جميع التحديات الكبرى التي تؤثر على بيئتنا التي ننشط فيها، وإلى ضرورة خلق علاقة جوارية بين بلدينا، ووضع أجندة مشتركة، والاستفادة من وجود الجزائر في مجلس الأمن الدولي بداية من مطلع العام القادم، لتكثيف حوارنا حول كبرى المسائل السياسية”

العرب