نَشَرَتْ صحيفة “فايننشال تايمز” مقالاً لإدوارد لوس قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو بمثابة طائر البطريق الذي يلفّ حول عنق الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقال إن نتنياهو يقف عثرة أمام حل الدولتين الذي ينادي به الرئيس.
وبدأ بالقول إن المحامين تلقّوا محاضرات ودروساً بألّا يسألوا شاهداً في المحكمة أسئلة لا يعرفون جوابها. وينطبق هذا المنطق على تحالفات الحروب، فقد ربط بايدن حظوظه السياسية برجل، هو بنيامين نتنياهو، الذي ساهم في الورطة الشنيعة التي تواجه إسرائيل الآن. والمشكلة في إستراتيجية عناق الدب أن بايدن لم تعد لديه سلطة فيتو على ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي، والوسيلة التي يمكن لبايدن التلويح بها هي التأثير. وكل شيء عن نتنياهو يشي بأن كل محاولات الإقناع خلف الأضواء لا تجدي نفعاً معه. ولولا الزعيم الإسرائيلي الذي فقد مصداقيته، لنجحت إستراتيجية بايدن.
الصحيفة: الاحتمال هو أن تسوّي إسرائيل غزة، وتدمرها، وتحاول إجبار الدول العربية على استقبال 2.2 مليون فلسطيني، ثم تتراجع خلف قلعتها الحصينة
وتشعر إسرائيل بأنها مجروحة ومهددة، فالتوبيخ العام من أهم داعم في واشنطن كان سيعمّق حسّ العزلة، والذي سيزيد بدوره لقيام إسرائيل باتخاذ أفعال عمياء، هو ما يزيد من الضرر على أمنها، وهذا يحدث على أي حال. وحالة بايدن ذات النية الحسنة تخرّبها أفعال إسرائيل.
ويقول مسؤولو البيت الأبيض إن الضغوط من بايدن قادت إلى عودة الإننرنت إلى غزة، والسماح بوصول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وربما كان الجيش الإسرائيلي سيدخل غزة سريعاً، وباستخدام اليد الحديدية، وأسرع مما يحدث الآن، مع أنه لا يمكن إثبات الحقائق المضادة. ويقول فريق بايدن إن نهجه فعّال، مع أنه من الصعب إقناع العالم بهذا. ولكن منطق الأمريكيين يتدهور، فالحجة المؤيدة للنهج الأكثر صرامة يعلن عنها نتنياهو كل يوم تقريباً، ففي الأسبوع الماضي، أحال إلى نبوءات أشعيا دفاعاً عن الحرب المقبلة. وهي إشارة توراتية بأن الرب هو الحامي للشعب اليهودي. ولعبت دوراً كصيحة تحذير من نتنياهو إلى حلفائه الإنجيليين الأمريكيين. وواحد منهم هو المتحدث باسم مجلس النواب، مايك جونسون. وحديث كهذا من الزعيم الإسرائيلي والزعيم الفعلي للمعارضة في أمريكا يحرم “حماس” من “احتكارها المظلم على الدولة الدينية”.
وفي تغريدة على منصات التواصل الاجتماعي، حذفت لاحقاً، كتب نتنياهو عن الحرب بين “أبناء النور وأبناء الظلام”. وبالنسبة لرؤية بايدن، فهذا التصوير هو كارثي، فقد قتل أكثر من 3.000 طفل فلسطيني، والرقم مرشح للزيادة.
وفي الأزمة هناك فرصة، كما يقول لوس، فقد أكد بايدن أن هدف أمريكا هو حل الدولتين، ومن الناحية النظرية فهذا هو الظلام قبل الفجر، فهجوم “حماس” وردّ إسرائيل الانتقامي أكد على حالة أن دولة فلسطينية هي الضامن لأمن إسرائيل. والبديل هي دولة ثنائية القومية علمانية، أو استمرار الوضع الراهن، والتي يمكن رفضها كفنتازيا، أو غير مقبولة.
إلا أن كل حياة وعمل نتنياهو كانت تقوم على جعل حل الدولتين مستحيلاً.
فواحد من الأسباب التي فوجئت فيها القوات الإسرائيلية، وهي في فترة قيلولة يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، هي انشغالها بالضفة الغربية. ففي العامين الماضيين، تحمّلت المناطق أسوأ أنواع العنف، الذي لم تشهده منذ الانتفاضة الثانية، عام 2005، وحيث تشنّ القوات الإسرائيلية مداهمات يومية هناك. وكان الوضع ملتهباً في الضفة الغربية، حيث لم تكن القوات الإسرائيلية موجودة عندما شنت “حماس” هجومها. والإهمال هو من مسؤولية نتنياهو.
الصحيفة: كل حياة وعمل نتنياهو كانت تقوم على جعل حل الدولتين مستحيلاً
وفي بعض التقديرات، فهو أسوأ زعيم إسرائيلي. ولكن بايدن ليست لديه الرفاهية لانتظار حكم التاريخ. ويجب أن ترتبط خطط القوات الإسرائيلية للقضاء على “حماس” بتسوية سياسية بعد ذلك.
ويقف نتنياهو أمام حل الدولتين الذي يدعو إليه بايدن. ولو افترضنا أنه معقول، فهل سيؤدي القضاء على “حماس” لزيادة الدعم الفلسطيني للبديل الداعي للّاعنف؟ من سيدير غزة؟
والاحتمال هو أن تسوّي إسرائيل غزة، وتدمرها، وتحاول إجبار مصر والدول العربية على استقبال 2.2 مليون فلسطيني، ثم تتراجع خلف قلعتها الحصينة، ما سيزيد من الدعم للتطرف.
وستكون الجبهة الإسرائيلية المقبلة هي الضفة الغربية. وهنا قد يتحول نهج بايدن إلى كارثة. وإن لم يضغط على نتنياهو لتغيير موقفه، فإن إسرائيل ستواصل ما سيبدو للعالم عقاباً جماعياً، حتى لو زعمت إسرائيل أنها تتخذ كل الخطوات لتقليل الخسائر المدنية. وسيتحمل بايدن المسؤولية، ومن يعرفونه جيداً يقولون إن نهجه صادق، وسياسته فعالة ضد الجمهوريين، الذين يطالبون بانتقام توراتيّ من الفلسطينيين. لكن لا يعني أن نهجه حكيم، ومثل المحامي الجيد، فبايدن بحاجة للسيطرة على شاهده.
لكن نتنياهو لا يستمع لأحد سوى نفسه، وطالما ظل نتنياهو فستظل رئاسة بايدن رهينة لرجل لا يردّ الخدمة أبداً.