كل وكالات الاستخبارات –في شمال أمريكا وأوروبا، وفي دول الشرق الأوسط وبالطبع في إسرائيل- تتابع نشر أسطول السفن الحربية الأمريكية في المنطقة. وبالتوازي، تنتظر هذه الوكالات، وهناك من سيقول إنه انتظار مبالغ فيه، خطاب الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصر الله في الثالثة عصر الجمعة. فهل سلاح البحرية الأمريكي مستعد لـ “أم كل الهجمات”، وكابوس جبهات متداخلة في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وربما حتى في إيران، أم سيكتفي بإطلاق رسالة تحذير حاده لإيران؟
نصر الله، عن قصد، يمزق أعصاب إسرائيل والغرب. السؤال الكبير هو: هل سيكتفي زعيم “حزب الله” بتهديدات حادة، مهما كانت قاسية وصريحة، أم يخفي بين ثنايا عباءته خطة شيطانية لمهاجمة إسرائيل من جهات غير متوقعة؟ كل شيء ممكن، وكل شيء تفحصه أجهزة الاستخبارات على مدار الساعة، وهي أجهزة تعمل الآن بتعاون وثيق مع إسرائيل.
حتى الآن، كما ينبغي الاعتراف، “حزب الله” هو المنتصر. منظمة الإرهاب غير ملزمة باجتياز الحدود اللبنانية كي تهرب سكان بلدات الشمال الإسرائيلي من بيوتهم أو تبقيهم في الملاجئ وتدفع كتائب كبيرة من الجيش الإسرائيلي لحالة التأهب.
“حزب الله” ليس حماس، وهذا ما يجب ألا ننساه ولو للحظة. هذه منظمة ليست كبيرة جداً ولكنها بارزة، مدعومة بشكل كبير بالمال وبالسلاح من إيران. شعارهم “حماية لبنان من أعدائه”، ينجح. جيش لبنان وسكان بيروت وشمال لبنان سيشاركون في الخطط. لا توجد في لبنان حكومة حقيقية، و”حزب الله” هو من يقرر متى، هذا إن فعل، سيطلع الرئيس بالوكالة ووزراء الحكومة بخططه العملياتية. لم يكبد “حزب الله” حتى الآن عناء إحاطة مواطني لبنان بصورة الوضع، في حين يتملكهم الفزع. وزير الخارجية عبد الله بوحبيب يعود ويستجدي وقف نار لـ 48 ساعة حتى قبل بدء القتال الحقيقي.
محظور وكذا متعذر المراهنة على أزمنة الحرب. ومع ذلك: دعا حاكم إيران خامنئي قبل يومين من خطاب نصر الله، (يوجد تنسيق بين “حزب الله” والأجهزة الإيرانية) دول العالم الإسلامي إلى وقف تصدير الغذاء والوقود إلى إسرائيل، ومصدر مجهول لكنه رفيع المستوى (هكذا حسب الوصف) ادعى أمام صحيفة “نيويورك تايمز” بأن منظمة حماس لا تتعرض بعد لتهديد وجودي – ولا حاجة، حالياً، لتدخل “حزب الله”.
كما أن زيارة وزير الخارجية الإيراني وبعده رئيس وزراء طهران إلى تركيا، تدل على تشاور وتنسيق نوايا وتوقعات، لكنها لا تشير إلى استعدادات لهجوم شامل ضد إسرائيل.
تحاول حماس البث بأن الوضع معاكس تماماً: دعوا “حزب الله” طوال ثمانية أيام على التوالي، واستجدوا أن يتجند لحمل السلاح وفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل. ويدعي “حزب الله” بأن خطه الأحمر للتدخل سيكون مع إبادة حماس، “مع الأنفاس الأخيرة”. تأخذ إيران نفساً طويلاً. التزامها لحماس ليس مشابهاً وليس عميقاً، مثل التزام أجهزة الأمن الإيرانية الكبرى وبخاصة “فيلق القدس”، لـ ”حزب الله” في لبنان. هذه المرة، هناك تنسيق مواقف كامل بين قيادة “حزب الله” ومكتب الحاكم في طهران. قائد “فيلق القدس” الإيراني وصل إلى بيروت، وأغلب الظن أنه قد جلب معه رسائل من طهران طلب من نصر الله إدخالها في خطابه. مهما يكن من أمر، يبدو الوضع في هذه الأثناء أن إيران و”حزب الله” يستعدان، بالضبط مثل إسرائيل لمعركة طويلة في غزة – دون تدخلهما المباشر.
بالطبع، إيران (وكذا “حزب الله”) لا يهمها كم يقتل في الجانب الفلسطيني السني. بالنسبة لهم، هي فرصة لتشديد الالتزام لـ ”حزب الله”، ولتوثيق العلاقات مع تركيا، وحتى لتحسين صورة إيران الإجرامية في دول العالم العربي. بالذات مع أولئك الذين وقعوا على معاهدات سلام وتطبيع مع إسرائيل. وفي نهاية المطاف، إذا ما بشرت السفن الحربية الأمريكية بحرب إقليمية، فقد تواصل إيران اهتمامها ببرنامجها النووي من دون عراقيل.