تصعيد الفصائل الشيعية ضد القوات الأميركية استثمار جانبي إيراني في حرب غزّة

تصعيد الفصائل الشيعية ضد القوات الأميركية استثمار جانبي إيراني في حرب غزّة

استهداف الفصائل الشيعية التابعة لإيران للقوات الأميركية في العراق وسوريا سابق لحرب غزة بسنوات، ومرتبط بهدف إستراتيجي للإيرانيين يتمثّل في إزاحة تلك القوات عن الممر المراد فتحه بين طهران وبيروت عبر الأراضي العراقية والسورية. وإعادة تنشيط الاستهداف في الوقت الحالي يعتبر مجرّد استثمار للظرف المناسب.

بغداد- برزت مجدّدا في العراق فكرة إخراج القوات الأميركية الموجودة في البلاد والتي تقول حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إنّ وجودها شرعي ضمن مهام محدّدة بموجب اتفاقية موقّعة بين الجانبين العراقي والأميركي.

وترافقت المطالبات بطرد القوات الأميركية مع تصاعد استهداف فصائل شيعية لمواقع تمركزها في العراق وسوريا المجاورة، ضمن ما يعتبره قادة الفصائل انخراطا من قِبل “محور المقاومة” في حرب غزّة بين حماس وإسرائيل.

لكنّ خبراء عسكريين وأمنيين يقولون إنّ فتح جبهة ضدّ القوات الأميركية في سوريا والعراق أمر يصبّ على نحو خاص في مصلحة إيران التي تُعتَبر المشغّل الأصلي لغالبية الفصائل الشيعية العراقية المسلّحة.

ويرى هؤلاء أن التضامن مع قطاع غزّة عنوان مناسب لإيران لإعادة فتح معركة بالوكالة كانت قد بدأتها في سنوات سابقة عن طريق الميليشيات الشيعية التابعة لها بهدف خلخلة الوجود العسكري الأميركي في مناطق يوليها الإيرانيون أهمية إستراتيجية كجزء من الممر الطويل الذي يربط بين طهران ولبنان وصولا إلى ضفة البحر المتوسّط عبر الأراضي العراقية والسورية.

ومن هذه الزاوية، ينظر الخبراء إلى تصعيد الفصائل ضدّ مواقع تمركز القوات الأميركية باعتباره استثمارا جانبيا في حرب غزّة التي لا تخلو بدورها من تحقيق مصالح حيوية لإيران من بينها وقف مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

وتردّدت قوى شيعية عراقية معروفة بمعارضتها لوجود قوات أميركية في العراق وكانت قد وقفت سنة 2020 وراء إصدار قرار من البرلمان يلزم الحكومة بإخراجها، بادئ الأمر، في إحياء مطلبها كونها مشاركة في تشكيل حكومة السوداني وتحرص على عدم إحراجها، لكنّها عادت فجأة لتجدّد مطالبتها بإخراج القوات الأميركية.

وقال هادي العامري زعيم منظمة بدر الشيعية إنّ الوقت قد حان لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق، مطالبا الحكومة بتحديد جدول زمني قصير لخروجها.

واعتبر في بيان أنّه لم تعد هناك حاجة أو مبرر لوجود القوات الأميركية، مبرّرا مطلبه بأنّه “ما دامت قوات التحالف موجودة فلا يتوقع أحد بناء القدرات العسكرية للجيش العراقي وباقي المؤسسات الأمنية الأخرى”، مضيفا قوله “من المعيب بعد كل الإنجازات والانتصارات الكبيرة التي حققتها أجهزتنا الأمنية والعسكرية في معركتها ضد داعش وهو في ذروة تمكنه أن يتحجج البعض بمساعدة القوات الأمنية العراقية في مواجهة بقايا الإرهاب”.

ويقود العامري تحالف الفتح الذي شكّل مع قوى شيعية أخرى ما يعرف بالإطار التنسيقي بهدف مواجهة تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إثر الانتخابات التشريعية الماضية، وقد تمكّن بالتعاون مع قوى كردية وسنية من تشكيل الحكومة.

ولا تخلو مطالبة العامري بإخراج القوات الأميركية من العراق من حرج للحكومة التي يُعتبر العامري نفسه أحد آبائها.

ويُعرف زعيم بدر بارتباطاته القوية مع إيران التي حارب إلى جانب قواتها ضد العراق في حرب الثماني سنوات التي استمرت بين سنتي 1980 و1988.

ومن هذه الزاوية ينظر الملاحظون لتصريحاته باعتبارها انعكاسا لقرار إيراني باستئناف معركة إخراج القوات الأميركية من العراق تحت عنوان مساندة غزّة.

وتابع العامري في بيانه “بعد فترة زمنية من الهدوء، عاد استهداف تواجد القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وحرير من قبل فصائل المقاومة الإسلامية في العراق وهي ردة فعل طبيعية تجاه انحياز الولايات المتّحدة وبعض الدول الأوربية إلى جانب الكيان الصهيوني”.

وتستند إيران في مواجهتها بالوكالة مع القوات الأميركية في العراق وسوريا إلى عدد كبير من الميليشيات من أبرزها حزب الله العراق وحركة النجباء التابعة في تمويلها وتنظيمها وتسليحها بشكل كامل للحرس الثوري الإيراني الذي استخدمها خلال السنوات الماضية في الحرب داخل سوريا والعراق على حدّ السواء.

وقال أكرم الكعبي الأمين العام للحركة، الأربعاء، إن “المقاومة الإسلامية العراقية قررت تحرير العراق عسكريا وحُسم الأمر”، متوعّدا بأنّ “القادم أعظم”. وأضاف عبر منصة إكس “لا توقُّف، لا مهادنة، لا تراجع”.

وعلى صعيد عملي أعلنت الفصائل الشيعية العراقية التي تضع نفسها تحت عنوان “المقاومة الإسلامية في العراق”، الأربعاء، استهداف قاعدة أميركية عند الحدود السورية – العراقية – الأردنية بطائرتين مسيرتين.

وقالت في بيان إن “مجاهدي المقاومة الإسلامية في العراق استهدفوا قاعدة التنف التابعة للاحتلال الأميركي في سوريا، بواسطة طائرتين مسيرتين، وأصابتا أهدافهما بشكل مباشر”.

وجاء ذلك بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية أنّ القوات التابعة لها في سوريا والعراق تعرضت للهجمات ثلاثا وعشرين مرة منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي.

وأوضح مسؤول كبير في البنتاغون تحدّث للصحافيين أن الاستهدافات تمّت بواقع أربع عشرة مرة في العراق وتسع مرات في سوريا.

ونُفذت الهجمات بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ حسبما أشار ذات المسؤول، مؤكدا أن “الكثير من تلك الهجمات تصدت لها القوات الأميركية بنجاح”.

المطالبات بطرد القوات الأميركية ترافقت مع تصاعد استهداف فصائل شيعية لمواقع تمركزها في العراق وسوريا المجاورة

وتتناقض الهجمات جذريا مع الموقف الرسمي للحكومة العراقية التي تدافع علنا عن شرعية الوجود العسكري الأميركي في العراق، مؤكّدة أن طبيعة القوات الموجودة استشارية وليست قتالية.

وشارك الجيش الأميركي ضمن تحالف دولي في الحرب التي دارت ضدّ تنظيم داعش في العراق بين سنتي 2014 و2017، قبل أن يخفض قوّاته تدريجيا وصولا إلى الإعلان عن سحب جميع القوات القتالية والإبقاء على حوالي 2500 عنصر من المستشارين والمدرّبين المكلّفين بمساعدة القوات العراقية على مواجهة الإرهاب.
لكن خبراء الشؤون العسكرية يؤكّدون احتفاظ القوات الأميركية في العراق رغم قلة عديدها بقدرة فائقة على السيطرة على الأجواء واستخدامها في توجيه ضربات مؤلمة لأعدائها.

العرب